تركيا.. تحالفات جمع الأضداد

16 أكتوبر 2016
تقارب تركي روسي رغم الأزمة السورية GETTY
+ الخط -

انتقلت تركيا، تحت مطرقة التغيرات والأمر الواقع ربما، من شعار رئيس وزرائها السابق، أحمد داود أغلو "تصفير المشاكل" عبر شعار رئيس وزرائها الحالي، بن علي يلدريم "أصدقاء أكثر، أعداء أقل" لتجمع بين الأعداء، في تحالفات اقتصادية، ربما لا يكتب لها الاستمرار، بواقع إبقاء المشاكل السياسية دونما تصفير، بين حلفاء تدفع بهم السياسة ربما، إلى مزيد عداوة، قد تنقلب على التحالفات الطارئة، وإن بعد حين.

فمن راقب ما حصل داخل قاعات مؤتمر الطاقة العالمي وعلى هامشه، الذي استضافته اسطنبول أخيراً، وللدورة الثالثة على التوالي، يرى أيّ مستقبل مختلط يلف اقتصاديات المنطقة بواقع ردود الأفعال الأقرب إلى الكيدية، وتغليب الموقف السياسي الراهن على الاستراتيجيات، وحتى المصالح الاقتصادية التي من المفترض أن تبنى على تبادل المنافع وتقارب، إن لم نقل توحيد الرؤى حول مصير دول الربيع العربي والمنطقة، وسورية على وجه التحديد.

قصارى القول: زار وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتز، أسطنبول بعد قطيعة ست سنوات إثر حادثة سفينة مرمرة، ليؤسس لبناء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي بين البلدين، ولتكون زيارته بحسب الجانبين، بداية لعودة العلاقات السياسية والدبلوماسية، وبالتالي الاقتصادية التي لم تتأثر، بطبيعة الحال بالسياسة، بل قفز حجم التبادل التجاري من نحو 3.4 مليارات دولار عام 2010 إلى نحو 5.5 مليارات العام الفائت.

واستقبلت أنقرة وخلال المؤتمر أيضاً، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أيضاً بعد قطيعة إسقاط أنقرة لطائرة حربية روسية، وما تمخض عنها من قطيعة وعقوبات، والذي-بوتين-  يواجه شبه مقاطعة من واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي، لتوقع على مشروع السيل التركي أو الحلم الغازي ذي سعة 31 مليار متر مكعب سنوياً، المطروح للإغراء والتفاوض منذ عام 2014.

بل وتوقع على هامش المؤتمر على تأسيس صندوق استثمار مشترك مع موسكو، بقيمة مليار دولار، حالياً، أي قابلة للزيادة مستقبلاً، بهدف تمويل المشاريع المشتركة الضخمة، ويصل الحلم بزيادة حجم التبادل، وفق تصريحات الروس لمائة مليار دولار، بين أنقرة وموسكو التي أتت التبعات السياسية العام الفائت، على حجم تبادلهما، فخفضته من نحو 35 إلى 28 مليار دولار.

وبالوقت الذي غاب خلاله وزيرا النفط، الإيراني والعراقي عن مشهد اقتسام كعكة الطاقة وتثبيت حصص إنتاج النفط، وقعت شركات تركية مع عملاق الطاقة السعودية أرامكو، على 18 مذكرة تفاهم حول توليد الطاقة الكهربائية، وبناء المطارات وإدارتها، والأعمال الإنشائية في قطاع البترول، وإنشاء الطرق.

وقبل أن يجف حبر مذكرات التفاهم، طار وزيرا الخارجية والاقتصاد التركيان إلى الرياض، لحضور الاجتماع الوزاري الخليجي التركي، لتأسيس علاقات "متينة" وتوحيد الرؤى العدائية إن صح القول، حول العراق التي تلوح لتركيا بإجراءات جديدة، رداً على تصميم أنقرة المشاركة بمعركة الموصل، وإيران التي أشار البيان الختامي لتمددها وضلوعها بمشاكل المنطقة، وربما لرد كلا الطرفين على واشنطن وإن إيمائياً، التي نأت بنفسها وتخلت عن أنقرة والرياض، خلال الانقلاب الفاشل وقطيعة موسكو هنا، وفتح باب العقاب عبر قانون "جاستا" هناك.

نهاية القول: كما من الصعوبة البالغة بمكان، فصل الاقتصاد عن السياسة وجمع تل أبيب والرياض، أو موسكو التي أوغلت بدم السوريين مع الخليج، ضمن تحالف اقتصادي، ربما من الصعب أيضاً التكهن بمسيرة ومستقبل الحلف الجديد، فأن تنأى واشنطن، شريك الخليج الأول وراعي وممول إسرائيل ومحررة إيران من قيود العقوبات، عن المشهد لضرورات ربما داخلية تتعلق باستحقاقها الرئاسي، أو تتمة لنهج القيادة من الخلف، فهذا لا يعني رضوخها والقارة الأوروبية لنوازع موسكو البوتينية التي تحاول النهوض عبر جناحي العسكرة والاقتصاد، كقطب ثان مناهض لمصالح الأوروبيين والأميركان، بجغرافيا حلفائهم التقليديين.

وربما من الرغبوية بالقراءة، الظن أن واشنطن ستستكين، وخلال إدارتها المقبلة، أمام سياسة الأمر الواقع التي تفرضها موسكو وشركاؤها الجدد، فهذي المنطقة الحبلى بالمفاجآت، لا يمكن أن تتعاطى واشنطن معها، وفق "دعه يعمل دعه يمر" إلا إن كان القطب الجديد مؤهلاً لحرب عالمية ثالثة، مسببها الدم السوري وغايتها إعادة توزيع الأدوار العالمية والسيطرة على كنوز ومعابر الطاقة.

المساهمون