تركيا.. انقلاب من ذهب

27 يوليو 2016
+ الخط -
يقصد بالانقلاب العسكري، إجراء غير قانوني لإزالة الرئيس المتنفذ في السلطة، والحلول مكانه عن طريق القوة، وغالباً ما يكون بقيادة شخصية عسكرية بارزة، ويراد به أيضاً وسيلة غير قانونية للتغيير السياسي، تقوم به قلّة من قادة الجيش بغرض إطاحة الحكومة القائمة، والحلول محلّها باستخدام القوة والعنف أو التهديد بهما.
وغالباً ما تتم إطاحة الحكومة والرئيس الذي تدبّر عملية الانقلاب ضده، فيتم اغتياله أو نفيه وحظر النشاط السياسي لحزبه، وتتغيّر الخارطة السياسية للبلد الذي يشهد انقلاباً، فيبعد الحاكم ويتولى الانقلابيون زمام الأمور والسلطة. هذا في حال نجاح الانقلاب العسكري في تحقيق هدفه المنشود.
بيد أنّه، وفي حالات قليلة، يتم إفشال الانقلاب، وهو ما حدث في تركيا يوم 16 يوليو/ تموز الحالي؛ إذ بادر جنرالات في الجيش إلى قيادة انقلاب على الرئيس رجب طيب أردوغان، وتمكّن الانقلابيون، بدايةً، من تحقيق تقدّم ملحوظ، وأصدروا بياناً أعلنوا فيه تولي السلطة والحكم. ولكن، سرعان ما التفّ الشعب التركي حول حكومته الشرعية، بعد أن دعاه أردوغان للتصدّي للانقلابين، فخرجوا إلى الشوارع، على الرغم من حظر التجوال، وتصدّوا للعسكر والدبابات، وأحبطت محاولة الانقلاب، وجدير بالذكر أنّ الشعب الذي خرج إلى الشارع لا ينتمي للحزب الحاكم فقط، وإنما لأحزاب المعارضة أيضاً بهدف حماية الديمقراطية، بسبب تجربة الشعب السابقة مع حكم العسكر.
بعد النجاح في إفشال الانقلاب، بدأت الحكومة التركية تنفيذ أكبر حملة تطهير لمؤسسات ودوائر الدولة العسكرية منها والمدنية من الكوادر التي ينسب إليها التعاون مع الانقلابين، فتمّ اعتقال نحو 10 ألف شخص من ضباط ومراتب المؤسسة العسكرية، وتم إقصاء قرابة 3 آلاف قاضي من محاكم تركيا المدنية والجنائية، وعدد آخر من قضاء القضاء العسكري، وتم فصل وعزل عدد كبير من موظفي التربية والتعليم، وأغلقت أكثر من 600 مؤسسة تعليمية، ومنع الأكاديميين عامة من السفر خارج تركيا، وعزل واعتقال عدد من الصحفيين والإعلاميين، ليبلغ مجموع من تمّ اعتقالهم وعزلهم أكثر من 50 ألف موظف عسكري ومدني، وهو رقم مخيف، وتناقش الحكومة إعادة العمل بحكم الإعدام لجرائم الإخلال بالنظام، وتوجيه الاتهام لجماعة فتح الله غولن ومطالبة الولايات المتحدة الأميركية بتسليمه، بل وذهب أردوغان إلى أبعد من ذلك ليعلن يوم 20 يوليو/ تموز عن حالة الطوارئ في تركيا ثلاثة أشهر، وبذلك يمكنه اتخاذ قرارات أخرى بعيداً عن البرلمان، أي يتجاوزه.
كل الإجراءات أعلاه، وعدد الموظفين المعزولين يثير علامة استفهام حول: هل كان الانقلاب من تدبير أردوغان نفسه، أم إنه تمكن من التعامل معه وتوظيفه للإطاحة بالخصوم؟ أيّاً كان الجواب، فإنّ عدد من تم اقصاؤهم بهذه السرعة، يوحي بأنّ هناك عملية إعداد مسبقة لعزل هؤلاء، ولا سيما قادة الجيش الذين علموا بأنهم على قوائم الإطاحة والعزل، فبادروا إلى الانقلاب على الرئيس.
ختاماً، في ضوء الإجراءات التي اتبعتها الحكومة التركية بعد فشل الانقلاب، والتي مكّنت أردوغان من تطهير مؤسسات الدولة من خصومه، يمكننا وصف الانقلاب الفاشل بأنه انقلاب من ذهب. ولكن تلك الإجراءات لن تمرّ دون أن توّلد تداعيات داخلية وخارجية، ربما ستلقي بظلالها على الحياة السياسية التركية، لتنتهي معها مرحلة الانقلاب الذهبي .
A639F34A-AA61-4BDB-9F2B-F14B300125BE
A639F34A-AA61-4BDB-9F2B-F14B300125BE
همام السليم (العراق)
همام السليم (العراق)