تركيا: اللوبيات الاقتصادية تستنفر على خط مفاوضات تشكيل الحكومة

17 يونيو 2015
لا تفضّل الفعاليات الاقتصادية التوجه نحو انتخابات مبكرة(فرانس برس)
+ الخط -

يحاول حزب "الشعب الجمهوري" اقتناص فرصة نتائج الانتخابات الأخيرة بالشكل الأمثل للعودة إلى الحكومة، على الرغم من أنه لم يحقق أي تقدم في نسبة الأصوات التي حازها، بل انخفض عدد المقاعد البرلمانية التي حصل عليها من 133 إلى 130 مقعداً.
وبينما يبدو "الشعب الجمهوري" منفتحاً على تشكيل حكومة ائتلافية مع "العدالة والتنمية" بل والأقرب لها، يجري من جهة أخرى مشاورات ماراثونية غير رسمية مع مختلف أحزاب المعارضة في سبيل قطع الطريق على رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو عند تكليفه بتشكيل الحكومة المقبلة. وتبدو هذه المحاولات مستحيلة لأسباب كثيرة، على رأسها الخلاف الحاد في وجهات النظر بين حزبي "الشعوب الديمقراطي" و"الحركة القومية" حول عملية السلام. وبينما يعتبرها الأول، الأساس في برنامج أي حكومة سيمنحها الثقة، يحاول الثاني جهده للدفع باتجاه وقف هذه العملية بشكل تام.

ولم تكتف المعارضة بمحاولة إزاحة "العدالة والتنمية" من الحكم والتي تبدو أيضاً مستحيلة، بل إنها تعمل من جانب آخر على توجيه ضربات قاسية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بمحاولة عزله بشكل كامل وإعادة منصب رئاسة الجمهورية إلى ما كان عليه سابقاً، أي منصباً فخرياً بعيداً نوعاً ما عن العملية السياسية. وتجلى ذلك، في رفض الأحزاب الدعوة التي أعلن أردوغان عن نيته توجيهها للقاء قيادات الأحزاب الأربعة، كل على حدة، قبل تكليف قائد الكتلة النيابية الأكبر بتشكيل الحكومة.



وأعلن "الشعب الجمهوري" ما يشبه إعلان مبادئ أو شروط للمشاركة في أي حكومة ائتلافية، تضمن إضافة إلى وعوده الانتخابية بندين أساسيين يتعلقان بأردوغان، وهما: منع الرئيس التركي من تجاوز صلاحياته الدستورية، أي عدم السماح له بالتدخل في شؤون الحكومة وإعادة الوضع إلى ما كان عليه خلال فترة الرؤساء السابقين. والثاني، هو الكشف عن حسابات الميزانية السرية التي كانت تذهب لرئاسة الجمهورية، إذ لم يتطرق الإعلان لعملية السلام مع "العمال الكردستاني"، الأمر الذي وجّه له نائب رئيس الوزراء بولنت أرينج انتقادات شديدة.

اقرأ أيضاً: مناورات للمعارضة التركية لإزاحة "العدالة والتنمية"

لا يبدو موقف "الشعب الجمهوري" بعيداً عن "الحركة القومية" الذي بدا أكثر شدة في شروطه. وبعد رفض زعيم "الحركة القومية" دولت بهجلي أيضاً دعوة أردوغان، صعّد بهجلي بشكل أكبر، أمس الإثنين، مطالباً بإعادة فتح ملف عمليات الفساد التي يطلق عليها الإعلام التركي عمليتي 17 و25 ديسمبر التي طالت عدداً من الوزراء والمقربين من أردوغان، بما فيه ابنه بلال. وقام الادعاء العام بتبرئتهم لعدم كفاية الأدلة، فطالب بهجلي بإعادة فتح القضايا، قائلاً: "فليعطنا بلال وليأخذ الحكومة".

أما "الشعوب الديمقراطي"، وعلى الرغم من معرفته بأن إخراج "العدالة والتنمية" من الحكومة قد يكون سبباً كافياً للقضاء على عملية السلام، إلا أنه يبدو عاجزاً عن تخفيف لهجته المعادية للأخير، ورفض الحزب على لسان زعيمه صلاح الدين دميرتاش أيضاً اللقاء بأردوغان.

وفي مواجهة السقف المرتفع لشروط المعارضة، أو ما يشبه الاستعصاء الذي تحاول الأخيرة فرضه على تشكيل الحكومة، في سبيل ضرب أردوغان، تحرّكت الفعاليات الاقتصادية وتجمعات رجال الأعمال الأتراك للتخفيف من وطأة الأمر، والدفع باتجاه تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن، لتفادي أي آثار جانبية قد تكلف الاقتصاد ثمناً باهظاً.

وفي هذا الإطار، تحرّكت جميعية رجال الأعمال المستقلين (مويساد)، التي تشكلت في التسعينات وتمثّل تجمعاً لرجال الأعمال المساندين للتيار الإسلامي، وتعتبر من أهم داعمي "العدالة والتنمية"، لدعم أردوغان والتخفيف من الاحتقان السياسي. والتقى رئيس الجمعية نائل أولباك بأردوغان، يوم الإثنين، مؤكداً الثقة العالية بالرئيس التركي، قائلاً: "أنا مقتنع تماماً بأنّ الرجل الذي عرفته منذ سنوات، والذي بات رئيساً للجمهورية، سيتحمل كافة المسؤوليات الملقاة على عاتقه".

اقرأ أيضاً: أسهم الحكومة الائتلافية ترتفع

وأكد أولباك بأنه سيلتقي بقائد "العدالة والتنمية" أحمد داود أوغلو اليوم الأربعاء، كما أن الجميعة تقدمت بطلبات للقاء باقي قيادات الأحزاب المعارضة الثلاثة، وذلك بعد أن أعلنت الجمعية، منذ أيام، إثر الاجتماع الذي عقدته في مقرها العام في أنقرة، عن قائمة بالحكومات الائتلافية التي تجدها الأنسب للبلاد. وجاء على رأسها حكومة ائتلافية تجمع بين "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية"، ومن ثم بين "العدالة والتنمية" و"الشعب الجمهوري"، وأخيراً حكومة تضم كل من "العدالة والتنمية" و"الشعوب الديمقراطي". وفي حال فشلت هذه الخيارات، فهي تفضل التوجه نحو انتخابات مبكرة.

من جانبها، أعلنت جمعية الصناعيين ورجال الأعمال الأتراك، المكونة من الرأسماليين العلمانيين الكماليين المساندين لـ"الشعب الجمهوري"، أنها ستتحرك هي الأخرى للبحث في احتمالات الحكومة الائتلافية مع قيادات الأحزاب السياسية، والتقت أمس الثلاثاء، كلاً من زعيم "الشعب الجمهوري" كمال كلجدار أوغلو، وزعيم "الحركة القومية" بهجلي، بينما ستلتقي اليوم الأربعاء بزعيم "العدالة والتنمية" داود أوغلو، من دون أن تعلن عن موعد للقاء زعيم "الشعوب الديمقراطي" صلاح الدين دميرتاش.



في غضون ذلك، صدر كتاب بعنوان "12 عاماً مع عبد الله غول" لكبير مستشاري الرئيس التركي السابق عبد الله غول، أحمد سِفِر، بعد أن قام غول بمراجعته. وكشف سفر من خلاله، خلافات كثيرة شابت العلاقة بين غول من جانب وأردوغان وداود أوغلو من جانب آخر، وذلك خلال فترة رئاسة غول لمنصب رئاسة الجمهورية التي انتهت في أغسطس/آب الماضي.
وأضاف سِفِر أن تلك الحقبة شهدت خلافات حادة بين غول وداود أوغلو حول الشأن الخارجي، وبالذات سياسات الحكومة، في ما يخص الشأن السوري والمصري، إذ أكد أن غول كان يرى أن أردوغان وداود أوغلو ذهبا بعيداً في سياستهما الخارجية في الشأن السوري والمصري بما يتعارض مع مصالح تركيا.

اقرأ أيضاً: مؤشرات إيجابية للاقتصاد التركي رغم الارتباك السياسي

وأشار سفر إلى أن غول كان يرغب بالعودة إلى قيادة "العدالة والتنمية"، وتسلم منصب رئيس الوزراء بخطة تهدف إلى "إعادة إحياء العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وتصحيح الأخطاء التي شابت السياسة الخارجية، والتخفيف من الاستقطاب الحاد في البلاد، وإرسال الوزراء الأربعة المتهمين بالفساد إلى المحكمة العليا لمحاكمتهم"، لكن كل هذا اصطدم برفض أردوغان.
وأكد سفر أن غول غير متحمس للعودة إلى السياسة والحزب، لكن لا يمانع بذلك إن استدعت الحاجة. واشترط لعودته شروطاً لخّصها كالتالي، موجهاً كلامه لأردوغان، "لا يمكن السماح بقيادتين، إن أصبحت رئيساً للوزراء. لن أسمح لأحد بالتدخل، وكما أمضيت ولايتي في رئاسة الجمهورية، عليك أنت أيضاً أن تمضيها بنفس الطريقة، ضمن الصلاحيات الدستورية، بينما أقضي أنا فترتي في رئاسة الوزراء كما أمضيتها أنت".

وفي ما يخص عملية السلام، أكد سفر أن غول هو من شجع رئيس المخابرات التركية على الذهاب إلى أوسلو واللقاء بقيادات "العمال الكردستاني" في أوروبا، لبحث عملية السلام، مشيراً إلى الدور الكبير الذي كانت تقوم بها حركة الخدمة في مفاصل الدولة وكأنها دولة ضمن الدولة، موجهاً انتقادات شديدة لزعيم الحركة الداعية فتح الله غولان.

اقرأ أيضاً: لم يُهزَم أردوغان ولم تخسر المرأة التركية

المساهمون