تركيا... الفكرة تنتصر

29 ابريل 2018
+ الخط -
يقدم الأتراك اليوم نموذجاً لنا عن كيف يكون الخلاف السياسي والحزبي الذي أضاع منا ثورة، وقدم رؤوس أبنائها إلى العسكر فداء ليحكمونا مرة أخرى بعد أن كنا على وشك التخلص منهم للأبد، وذلك بعد إعلان رئيس الجمهورية السابق، عبدالله غول عن عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية التركية، وهو الأمر الذي سبقه إليه قبل أيام رئيس الوزراء السابق ووزير الخارجية الأسبق، أحمد داود أوغلو.

اختلف أحمد داود أوغلو مع الرئيس فترك رئاسة الوزراء وانصرف يدرس للناس كيف تكون السياسة في ساحات الجامعات، واختلف عبدالله غول مع تلميذه السابق ورئيس الدولة الحالي لكنه أبداً لم ينازعه الحكم ولم يقدم نفسه مرشحاً مفتتاً أصوات كتلة الرئيس الحالي وكتلته هو نفسه حين كان رئيساً، ولم يضطر للجلوس على طاولات النظام القديم ومناهضي المشروع الذي جاء به ليفرضوا عليه شروطهم.


قرار غول وأوغلو بعدم دخول الانتخابات ليس تأييداً لأردوغان بقدر ما هو إثبات أن الرجلين كانا ولا يزالان ينتميان إلى مشروع الأمة ونهضة الدولة أيا كان من على رأسها، فيتقدمون وقت احتياج المشروع لهم في المقدمة، ويتأخرون وقت التناحر على كرسي أو منصب ليدللوا بذلك على تجردهم الكامل لفكرة أن الوطن أولاً والأشخاص والانتماءات تأتي في المقام ليس الثاني وإنما الأخير، أو حتى بعد الأخير، أراد الرجلان أن يقولا: لتحيا تركيا دولة ناهضة متقدمة أيا من كان على رأسها، ويسقط كل من أراد بوطنه أن يكون معسكراً يأمر فيه فيطاع ولا سبيل لمراجعته بأي حال.

سيخرج الشعب التركي من هذه المرحلة، وقد استلهم من السياسيين الموجودين على سدة الحكم ورأس السلطة في بلاده درساً عظيماً أن المصلحة الوطنية أهم من المصلحة الشخصية وأن المنهج الذي تحكم به البلاد أولى من الشخص الذي يطبقه وأن الرئيس مهما طال عمره في الحكم أو قدم للشعب والوطن الكثير فإنه سيظل محل مسؤولية شعبية ووطنية كبيرة لا تنفك عنه طالما أنه لم يترك السلطة.