22 نوفمبر 2024
تركيا الجديدة
لم تكن إطاحة أحمد داود أوغلو من رئاسة الحكومة التركية مجرد عملية داخلية في إطار حزب العدالة والتنمية، أو إعادة توزيع مهام تمنح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مزيداً من السيطرة على قواعد الحزب وسياسات الحكومة. يبدو أن المشهد أوسع من ذلك بكثير، وهو ما تظهره التحولات البارزة في السياسة التركية في أكثر من ملف. تحولات توحي بأننا أمام تركيا جديدة، مختلفة كلياً عما كانت عليه قبل خمس سنوات، يوم اصطفت بالكامل إلى جانب الثورات العربية، وتحديداً السورية، ورسمت سياستها على قاعدة موالاة هذه الثورة ومعاداتها.
قد لا يعني المشهد، اليوم، خروج تركيا بالكامل عن هذه القاعدة، إلا أنه من الواضح أنها لم تعد محدّداً أساسياً في رسم السياسات التركية التي يبدو أنها تعود تدريجياً إلى قاعدة "تصفير المشكلات" التي رسمها داود أوغلو قبل توليه رئاسة الحكومة، وقبل الغوص التركي في أزمات المنطقة واصطفافاتها.
تحولات سريعة جداً عرفتها السياسة التركية في أقل من شهر، بعد تولي بن علي يلدريم رئاسة الحكومة. تحولات عنوانها الأساس المصالحات، والتي من الواضح أنها بدأت تضع تركيا على مسار جديد من التحالفات الإقليمية والدولية. البداية كانت مع إسرائيل. وعلى الرغم من أن الخبر لم يكن مفاجئاً إلى حدٍّ ما، على اعتبار أن المصالحة توّجت سلسلة طويلة من المفاوضات كان بدأها داود أوغلو، إلا أن ختامها كان أقل بكثير من المتوقع، ولا سيما بعدما رفعت أنقرة سقف المطالب في مفاوضاتها، وتحديداً في ما يخصّ رفع الحصار عن قطاع غزة، وإنشاء ميناء بحري يمثّل متنفساً للقطاع. اختفت هذه المطالب فجأة من لائحة تركيا التي بات من الواضح أنها مستعجلة في إغلاق الملف، وفتح صفحة جديدة في العلاقات الإقليمية والدولية.
خيبة الأمل من المصالحة التركية - الإسرائيلية، والتي يمكن القول إنها دون المستوى المأمول، لم تتوقف عند هذا الحد، بل توسّعت مع مراقبة توجهات أنقرة الجديدة نحو روسيا، والاعتذار الذي قدمه أردوغان إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، برعايةٍ من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. اعتذار بات واضحاً أنه ليس فقط لإعادة العلاقات الاقتصادية، وخصوصاً السياحية، بين البلدين، بل يفتح على ما هو أبعد، ولا سيما مع الإعلان عن تنسيقٍ عسكريٍّ في ما يخص الوضع في سورية. من الغريب أن يكون "التنسيق العسكري" بين بلدين من المفترض أنهما على طرفي نقيض من الوضع في سورية، إلا إذا كان هناك نوع من إعادة التموضع بالنسبة لأحدهما. ومن الواضح أن الحديث لا يتم عن إعادة تموضع روسي، بل عن توجهات تركية جديدة لا تزال في بداية تحولاتها، ولا يزال من المبكر الحديث عن تأثيراتها، وتحديداً على الساحة السورية، والتي ترى فيها تركيا خطراً وجودياً متمثلاً في التوسع الكردي المحمي من روسيا بالدرجة الأولى. هذا الخطر جزء أساسي من التحولات التركية الجديدة، والتي قد تدفع أنقرة نحو مزيد من التنسيق، ليس فقط مع روسيا، بل ربما مع النظام السوري نفسه الذي ناصبته العداء خلال السنوات الخمس الماضية.
هذا الكلام تدعمه تصريحات بن علي يلدريم، في لقاء مع صحافيين أتراك عقد في 17 يونيو/ حزيران الماضي، حين شدّد على ضرورة إعادة العلاقات بين تركيا وكل من سورية ومصر وإسرائيل وروسيا من جهة أخرى إلى مستواها الطبيعي، قائلاً "إسرائيل، سورية، روسيا، مصر... لا يمكن البقاء في حال عداء دائم مع هذه الدول المحيطة بالبحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط".
تصريحات تؤكد أن تركيا جديدة بدأت تظهر، وأن مشهداً جديداً من التحالفات الإقليمية والدولية في طريقه إلى التشكل. مشهد سيكون له ضحايا كثيرون، لعل المعارضة السورية أولهم.
قد لا يعني المشهد، اليوم، خروج تركيا بالكامل عن هذه القاعدة، إلا أنه من الواضح أنها لم تعد محدّداً أساسياً في رسم السياسات التركية التي يبدو أنها تعود تدريجياً إلى قاعدة "تصفير المشكلات" التي رسمها داود أوغلو قبل توليه رئاسة الحكومة، وقبل الغوص التركي في أزمات المنطقة واصطفافاتها.
تحولات سريعة جداً عرفتها السياسة التركية في أقل من شهر، بعد تولي بن علي يلدريم رئاسة الحكومة. تحولات عنوانها الأساس المصالحات، والتي من الواضح أنها بدأت تضع تركيا على مسار جديد من التحالفات الإقليمية والدولية. البداية كانت مع إسرائيل. وعلى الرغم من أن الخبر لم يكن مفاجئاً إلى حدٍّ ما، على اعتبار أن المصالحة توّجت سلسلة طويلة من المفاوضات كان بدأها داود أوغلو، إلا أن ختامها كان أقل بكثير من المتوقع، ولا سيما بعدما رفعت أنقرة سقف المطالب في مفاوضاتها، وتحديداً في ما يخصّ رفع الحصار عن قطاع غزة، وإنشاء ميناء بحري يمثّل متنفساً للقطاع. اختفت هذه المطالب فجأة من لائحة تركيا التي بات من الواضح أنها مستعجلة في إغلاق الملف، وفتح صفحة جديدة في العلاقات الإقليمية والدولية.
خيبة الأمل من المصالحة التركية - الإسرائيلية، والتي يمكن القول إنها دون المستوى المأمول، لم تتوقف عند هذا الحد، بل توسّعت مع مراقبة توجهات أنقرة الجديدة نحو روسيا، والاعتذار الذي قدمه أردوغان إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، برعايةٍ من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. اعتذار بات واضحاً أنه ليس فقط لإعادة العلاقات الاقتصادية، وخصوصاً السياحية، بين البلدين، بل يفتح على ما هو أبعد، ولا سيما مع الإعلان عن تنسيقٍ عسكريٍّ في ما يخص الوضع في سورية. من الغريب أن يكون "التنسيق العسكري" بين بلدين من المفترض أنهما على طرفي نقيض من الوضع في سورية، إلا إذا كان هناك نوع من إعادة التموضع بالنسبة لأحدهما. ومن الواضح أن الحديث لا يتم عن إعادة تموضع روسي، بل عن توجهات تركية جديدة لا تزال في بداية تحولاتها، ولا يزال من المبكر الحديث عن تأثيراتها، وتحديداً على الساحة السورية، والتي ترى فيها تركيا خطراً وجودياً متمثلاً في التوسع الكردي المحمي من روسيا بالدرجة الأولى. هذا الخطر جزء أساسي من التحولات التركية الجديدة، والتي قد تدفع أنقرة نحو مزيد من التنسيق، ليس فقط مع روسيا، بل ربما مع النظام السوري نفسه الذي ناصبته العداء خلال السنوات الخمس الماضية.
هذا الكلام تدعمه تصريحات بن علي يلدريم، في لقاء مع صحافيين أتراك عقد في 17 يونيو/ حزيران الماضي، حين شدّد على ضرورة إعادة العلاقات بين تركيا وكل من سورية ومصر وإسرائيل وروسيا من جهة أخرى إلى مستواها الطبيعي، قائلاً "إسرائيل، سورية، روسيا، مصر... لا يمكن البقاء في حال عداء دائم مع هذه الدول المحيطة بالبحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط".
تصريحات تؤكد أن تركيا جديدة بدأت تظهر، وأن مشهداً جديداً من التحالفات الإقليمية والدولية في طريقه إلى التشكل. مشهد سيكون له ضحايا كثيرون، لعل المعارضة السورية أولهم.