تركمان سورية... ضحايا يدفعون مرتين ثمن الجذور التركية

25 نوفمبر 2015
من تدريبات القوات التركمانية السورية (فاتح أكتاش/ الأناضول)
+ الخط -
عاد تركمان سورية إلى الواجهة من جديد في الأيام القليلة الماضية، إثر قيام قوات النظام بهجومٍ بري وجوي عليهم في جبل التركمان بريف اللاذقية، بدعمٍ من المليشيات المتحالفة معه، والطيران الروسي. وقد خرجت تظاهرات عدة في مختلف المدن التركية، احتجاجاً على الغارات الجوية الروسية المكثفة، وهجمات قوات النظام التي أدت إلى نزوح 1500 شخص، في حين بدأت في ولاية هاتاي، جنوبي تركيا، حملة لمساعدة النازحين من التركمان الذين لا يزالون بالنسبة للعقل القومي التركي بمثابة "وديعة تركية" و"إخوة الدم وأبناء العمومة"، أو "سكان منطقة بايربوجاك"، أي جبل التركمان بالتركية. وازداد الأمر تعقيداً، بعد قيام مقاتلتين تركيتين بإسقاط طائرة روسية فوق جبل التركمان، صباح الثلاثاء، وما تبع ذلك من شد وجذب سياسي وعسكري بين أنقرة وموسكو، من المتوقع أن تدفع فاتورته الأعلى المناطق التي يتمركز بها التركمان، تحديداً في منطقة الساحل السوري. مع العلم أن تركيا دعت لعقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي، لمناقشة الهجمات على التركمان في سورية، بعد أيام من استدعائها السفير الروسي أندري كارلوف، للاحتجاج على القصف المكثف للقرى.

ويُعدّ التركمان من أكبر القوميات الموجودة في سورية بعد العرب، وعلى الرغم من غياب إحصاءات دقيقة يُمكن الركون إليها لعدد التركمان في سورية، إلا أن مصادر عدة تُفيد بأن عددهم يفوق عدد الأكراد، ما يجعلهم القومية الثانية في سورية، والتي عُرفت بتنوعّها الطائفي والقومي والإثني. وهذا ما يؤكده نائب رئيس حزب "الحركة التركمانية في سورية" طارق سلو، والذي يشرح في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أن "تركمان سورية موزّعون على ثلاث فئات: الأولى التي يقدّر عددها بمليون شخص، يتكلمون اللغة التركية، ويتوزعون في ريف حلب واللاذقية والرقة والجولان. أما الفئة الثانية فيعترفون بأنهم تركمان، ولكنهم فقدوا لغتهم التركية، بينما ذابت الفئة الثالثة في المحيط العربي، لكنها بقيت معروفة بتحدّرها من الأصول التركمانية".

ويلفت سلو إلى أن "السوريين بكل أطيافهم متساوون أمام القانون التركي، ولكن إتقان التركمان للغة التركية جعلهم أقرب للمجتمع التركي لجهة التعامل". مع هذا، يرى أن "التمثيل السياسي لتركمان سورية ضعيف ورمزي في مؤسسات الثورة، على الرغم من الدور الكبير الذي قاموا به، لذا لا يصل صوتهم كما يجب".

ويُشير إلى أن "مستقبل التركمان في سورية غير واضح المعالم، فمجمل الأراضي التي كان يسكنها التركمان باتت خارج نطاق سيطرتهم، وخصوصاً في ريف حلب، حيث يفرض تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) سيطرته على قراهم. وكذلك في ريف الرقة، الذي وقع تحت سيطرة قوات حماية الشعب الكردية، وفي اللاذقية أغلب مناطق التركمان باتت تحت سيطرة قوات النظام".

اقرأ أيضاً: "المنطقة الآمنة" أول الفائزين: تسريع وتوسيع جغرافي ووظيفي 

ويشدد سلو على أن "ليس للتركمان نوايا انفصالية على الإطلاق"، لكنه يطالب بمراعاة خصوصيتهم في "سورية الجديدة" لجهة العادات والتقاليد والتعليم باللغة التركية. ويضيف أنه "لدينا خصوصية اجتماعية وسياسية، ولكن هناك مخاوف من قبلنا لجهة عدم احترامها في سورية التي نحلم بها، سورية التي تؤمن بمبدأ المواطنة والمساواة".

ويبدو أن ذوبان غالبية التركمان كمكوّن قومي ضمن محيطهم العربي وتوزعهم على معظم الجغرافيا السورية، واندماجهم ضمن المجتمع الأكبر، كان سبباً رئيسياً في عدم ظهور مشاكل تتعلق بالقومية التركمانية، كالتي ظهرت لدى القومية الكردية. إلا أن وقوف تركيا إلى جانب الثورة السورية واهتمامها بالقومية التركمانية، دفع النظام إلى الضغط عليهم وارتكاب مجازر بحقهم، في ظلّ ازدياد اهتمام تركيا بهم وتفضيلهم عن باقي المكوّنات، ومنحهم حق الحصول على الجنسية التركية، والذي يعطي الأفضلية لمن يجيد اللغة التركية، ولمن يحمل شهادات عليا أو لديه تفوق في مجال ما.

من جهته، يقول الصحافي السوري التركماني فراس محمد لـ"العربي الجديد"، إنّ التركمان "دفعوا ثمن موقفهم من الثورة، وثمن موقف الحكومة التركية مما يجري في سورية، إذ تحولنا إلى أعداء مباشرين للنظام، فتم ارتكاب مجازر عدة بحق التركمان، تحديداً في حي بابا عمرو الحمصي، وفي قرية الزارة، التي تمّ تهجير ما تبقّى من سكانها بعد قتل عدد كبير منهم. وعندما نزح بعض منهم إلى منطقة الحصن لاحقتهم قوات النظام إلى هناك، فاضطر من بقي منهم للذهاب إلى لبنان (حيث لا يزال هناك أقلية تركمانية في منطقة عكار في أقصى الشمال اللبناني). كما وقعت مجزرة مروّعة في قرية تسنيم، بالقرب من الحولة بحق التركمان، وفي أحياء عدة، جنوبي دمشق". ويُذكر أن "قوات النظام قامت بتهجير كل التركمان الذين كانوا في قرى جنوب حلب بالقرب من مدينة السفيرة. وقد اتجه أغلب التركمان المهجرين إلى تركيا، خصوصاً مدن الجنوب".

ويُشدّد على أن "التركمان السوريين لم يجدوا معاملة خاصة من قبل السلطات. وقد عاملتهم الحكومة التركية على أنهم جزء من الشعب السوري، لذا لم تفرّق بينهم وبين العرب، بل على العكس دائماً ما تحضّ على أننا يجب أن نبقى ضمن النسيج السوري، وألا نضع حاجزاً بيننا وبين باقي مكونات الشعب السوري".

وعن مستقبل التركمان في سورية يقول محمد: "دفع التركمان الثمن الأكبر نتيجة موقفهم من الثورة، وقُتلوا وهُجروا من مناطقهم". مع ذلك يصرّ أن "ليس للتركمان غايات انفصالية على الإطلاق. نحن سوريون ضمن المجتمع السوري، لنا ما له، وعلينا ما عليه، لم نفكر، ولن نفكر بنحوٍ انفصالي، وخيارنا الوحيد هو إسقاط هذا النظام، لأنه في حال لم يسقط لن يعود هناك وجود للتركمان في سورية".

من جهته يؤكد عضو "مجلس قيادة الثورة في تل أبيض"، عمر الدادا، أن "التركمان لن يقبلوا بالتقسيم ولا التجزئة"، مشيراً إلى أنه "يرفض تقسيم الشعب السوري إلى قوميات وطوائف، وتأسيس أحزاب على أساس عرقي أو طائفي". ويضيف الدادا في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "خرجنا في الثورة سوريين لا فوارق بيننا، وهذه الكيانات السياسية التي تشكّلت خارج سورية، تحاول تجزئة السوريين، وهو ما لم يستطع فعله (الرئيس السوري) بشار الأسد على الرغم من كل إجرامه".

مع العلم أن تركمان سورية تعرّضوا لعمليات تهجير واسعة من قبل "وحدات حماية الشعب" الكردية، تحديداً في تل أبيض وريفها شمالاً، إبان تقدمها، بمساعدة طيران التحالف، للسيطرة على المدينة وانتزاعها من "داعش" في يونيو/حزيران الماضي. وقد هجّرت وحدات "حماية الشعب" عدداً كبيراً من التركمان، تحديداً من بلدة حمام التركمان ومحيطها، ما ولّد ردة فعل منددة من قبل الحكومة التركية التي فتحت الحدود أمام المهجرين، من دون أن تتخذ إجراءً عسكرياً رادعاً، عدا بعض المناوشات الحدودية التي لم تغيّر من واقع الأمر شيئاً.

حاول تركمان سورية توحيد جهودهم السياسية ضمن تيار واحد، فشكّلوا "المجلس التركماني" في عام 2013 بمباركة ورعاية مباشرة من الحكومة التركية، وضمّ المجلس الذي انضمّ إلى "الائتلاف الوطني السوري"، برئاسة خالد خوجة، المتحدر من أصول تركمانية، ممثلين اثنين عن "الحركة التركمانية"، و"الكتلة التركمانية".

وعندما تحولت الثورة إلى العمل المسلّح، ظهرت فصائل عسكرية تركمانية عدة، وخصوصاً في ريف حلب الشمالي، ولكنها انضوت كلها تحت "لواء السلطان مراد الفاعل" في شمال حلب، الذي شهد منذ أيام عمليات عسكرية انتهت بسيطرة الجيش السوري الحر على قريتين تركمانيتين، بمساعدة مباشرة غير مسبوقة من الطيران التركي. ما يُعدّ خطوة أولى، وفق مراقبين، باتجاه إنشاء منطقة آمنة، تمتد من مدينة جرابلس، والتي تضم عشرات القرى التركمانية، إلى الساحل السوري. وذلك لقطع الطريق نهائياً أمام الأكراد للعبور إلى غرب الفرات، بغية ربط مدن وبلدات كردية جغرافياً. وهو ما تخشاه تركيا وترفضه، خشية من أن يكون ذلك توطئة لتشكيل كيان كردي على الحدود.

اقرأ أيضاً: إسقاط الطائرة الروسية مفصلي سوريّاً:منطقة آمنة وتغيير قواعد الاشتباك

المساهمون