تركت لك الباب مفتوحاً

20 مارس 2018
أنتوني تابياس/ إسبانيا
+ الخط -

لا جدوى /ج دوى

رأيت أني في ساحة كأنها هبطت من كتاب سحر. أمامَ مجسّم حروفي ضخم مؤلف من كلمة (ج دوى)، وﻷن الجيم لم تكن متّصلة بالدال، جاهدتُ في دفع ووصل حرف الجيم بالدال، بيدي، بقدمي، بجسدي كلّه. حاولت من جهة الجيم ثم جهة الدال، ولوقت طويل لم أستطع.

وهو يراقبني تعثّر وسقط، هرعتُ لإنهاضه. أشار لي بأن عُدْ، قال: "دعك مني، ارسم بيدك "لا" كبيرة على يمين المجسّم/الكلمة. فعلتُ. ثم قويّاً سمعت صوت ارتطام الجيم، سقوطَ ذيلها، رأيت التحامها بالدال.

ابتسمت للعجوز الذي كان يلملم نفسه ليمضي.

■ ■ ■


باب مفتوح

كنت ماشياً، وفجأة سمعت صوتاً يندهني: "هه، بني، هل لك أن تساعدني؟"، أجبت: "طبعاً". العجوز على العتبة طلب مني أن أدخل.

"اسمعْ بني، أنا مرهق ووحيد ومريض وضجِر، ليس لدي الشجاعة لأنهي حياتي، حاولت مرّات كثيرة ولم أستطع، أحتاج مساعدة أحد ما. كل شيء مرتب، وصيتي موقّعة مع شرح وافٍ لمسؤوليتي. هنا مسدّس كاتم للصوت ومبلغ في الظرف لقاء خدمتك. إن وافقت ستكون قد قدّمت لي خدمة عظيمة".

فكّرت بأن أقول له كم من العبث الإقدام على فعل كهذا. ولكن بينما أنا أسمع ما يقوله بصوت بطيء مرتجف، قرّرت أنه من الأفضل أن أستجيب بطريقة مختلفة. ألقيت بجسدي على الكنبة، وأخذت نفساً عميقاً. بدأ العجوز يفقد صبره، قال: "بني، لستَ مجبراً، أجب بنعم أو لا".

قلت: "أفهمك تماماً، وليس لدي مشكلة في إنقاذك برصاصة واحدة. لكن قبل أن أقوم بذلك، أود سؤالك إذا كان لديك مسدس آخر". مندهشاً أجاب العجوز: "نعم. لكن لماذا؟". قلتُ: "ببساطة، أنا أقتلك وأنت تقتلني في نفس اللحظة. حياتي أيضاً خالية من أي معنى، ومنذ وقت طويل وأنا أفكّر في الانتحار، لكن لا أعرف كيف".

لم يتردّد العجوز، وردّ على الفور: "لا لا لا لا… بني. أنت ما زلت فتياً والحياة أمامك". قلت: "خذ وقتك وفكّر في العرض، وسأعود لأراك بعد أسبوع تماماً، في نفس الوقت يوم الثلاثاء القادم"، وغادرت.

عدت بعد أسبوع في الموعد المحدّد، طرقت الباب مرّات ومرّات وبقوّة، لكن ليس من رد. أدرت أكرة الباب ودخلتُ، عاينت البيت كلّه، ولم أر أحداً... وجدت ورقة على الطاولة مكتوباً عليها بخطّ كبير ومرتجف: "تركت لك الباب مفتوحاً".


* شاعر سوري مقيم في نيويورك.

المساهمون