يُجمع الكثير من المحللين الإسرائيليين، بينهم مؤيدو رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن خطاب الأخير أمام الكونغرس ليس أكثر من خطاب انتخابي، جاء بالأساس لخدمته في المعركة الانتخابية، وترسيخ صورته كمن لا يرتدع عن مواجهة الولايات المتحدة ورئيسها في سبيل ضمان الأمن لإسرائيل. مع ذلك فإن ما رافق الخطاب وما سبقه بالأساس من تراشق للاتهامات بين إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وبين نتنياهو، دفع ببعض المحللين إلى الاعتقاد بأن رد أوباما قد يكون شديداً في السياق السياسي وفي المسار الفلسطيني على وجه التحديد، ناهيك عن احتمالات أن ينعكس ذلك على المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل.
وفي هذا السياق، كتب المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عاموس هرئيل، أن كون أوباما في ولايته الثانية ولم يعد بحاجة للتنافس على منصبه، فهو محرّر من التأثير اليهودي والصوت اليهودي، ما قد يدفعه إلى اتخاذ سلسلة خطوات رداً على خطاب نتنياهو وما اعتبرته السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة سامانثا باور "خيانة للثقة والأمانة" في حال أفصح نتنياهو عن تفاصيل غير معلنة بخصوص المفاوضات بين إيران والغرب.
ومع أن هرئيل يشير إلى أن الضجة التي رافقت وترافق خطاب نتنياهو وزيارته للولايات المتحدة لا تتطرق في واقع الحال إلى "المساهمة" أو النتيجة المباشرة والمحتملة لخطاب نتنياهو على طبيعة الاتفاق المرتقب مع إيران، إلا أن الأزمة في العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة من شأنها أن تُعرّض في نهاية المطاف للخطر، تأييد مشرّعين ديمقراطيين لفرض عقوبات جديدة على إيران، والأخطر من ذلك أن يدفع هذا التحدي الفظ والصريح من قِبل نتنياهو، بأوباما إلى المسارعة إلى التوقيع على اتفاق مع إيران قبل نهاية مارس/آذار الحالي ولو للتأكيد على أنه لا يخشى ولا يرضخ للضغوط الإسرائيلية.
إلا أن أكثر ما يقلق الجانب الإسرائيلي، على الرغم من محاولات نتنياهو خلال خطابه أمام مؤتمر اللوبي الإسرائيلي التقليل من حدة الخلاف مع الإدارة الأميركية والقول إن الخلاف يظل "داخل الأسرة"، هو أن يأتي الانتقام الأميركي في ميدان آخر تماماً، ليُقوّض محاولات نتنياهو وسياسته بإبعاد الأنظار عن القضية الفلسطينية.
اقرأ أيضاً: الملف الإيراني مخرج نتنياهو من القضية الفلسطينية
وفي هذا السياق، يستذكر هرئيل أن أوباما قد يردّ على خطاب نتنياهو، في حال فاز الأخير في الانتخابات الإسرائيلية، بتفعيل المسار الفلسطيني من جديد والحديث عن إطلاق مبادرة سياسية جديدة، من جهة، وقد يُطلق أوباما يد مجلس الأمن الدولي لاتخاذ قرارات تُصعّد من لهجة الخطاب الدولي ضد إسرائيل والاحتلال وتكون أقرب إلى الموقف المناهض لإسرائيل.
وقد سبق لعدد من السياسيين والمعلّقين الإسرائيليين أن أبدوا مخاوف من هذا الأمر، محذرين من احتمالات فقدان إسرائيل للمظلة الأميركية في مجلس الأمن الدولي وفي باقي المؤسسات الدولية، لتُترك إسرائيل تواجه بعيداً عن حق النقض، النشاط الدبلوماسي الفلسطيني في العالم مع ازدياد موجة الاعترافات بالدولة الفلسطينية التي تنامت أواخر العام الماضي وسجّلت اعترافاً من عدد من البرلمانات الأوروبية، بينها فرنسا وبريطانيا وإسبانيا بدولة فلسطين.
إلى ذلك فإن عاموس هرئيل يرى أن خطوة كهذه قد تشقّ الطريق أمام محاولات عربية جديدة لتسليط سلاح المقاطعة والعقوبات الاقتصادية ضد إسرائيل. ومع أن هرئيل وغيره من المحللين يحذرون أيضاً من مخاطر أخرى تتمثل بالمسّ في المعونات العسكرية الأميركية لإسرائيل، إلا أن هذا الأمر مستبعد في ظل تكرار أوباما نفسه وأقطاب الإدارة والمسؤولين الأميركيين لالتزامهم بأمن إسرائيل، إضافة إلى أن هذا الملف مرهون أيضاً بمصادقة الكونغرس الأميركي الواقع أصلاً في قبضة الجمهوريين المعارضين لأوباما.
مع ذلك يتعين القول إن كل السيناريوهات والمخاوف التي يبديها معارضو نتنياهو وبعض المحللين الإسرائيليين في هذا السياق، قد لا تتعدى عملياً كونها جزءاً من حملة إسرائيلية داخلية موجّهة بالأساس لضرب نتنياهو نفسه، وخصوصاً أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حافظت وتحافظ بشكل ثابت على تعاون وثيق مع نظيرتها الأميركية، طالما تعلّق الأمر بأمن إسرائيل.
الانشغال بخطاب نتنياهو على الرغم من أن ما قاله لم ينطوِ على جديد فيما يتعلق بالموقف الإسرائيلي من الملف الإيراني، يبقى في واقع الحال جزءاً من ديناميكية السياسات الداخلية في الولايات المتحدة، والمتعلقة بسعي الجمهوريين واليمين الأميركي الدؤوب والمثابر لضرب إدارة أوباما والرئيس الأميركي نفسه، كما يتعلق في الوقت ذاته بتطورات وديناميكية السياسة والانتخابات الإسرائيلية نفسها، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار ما أشار إليه الصحافي الإسرائيلي المخضرم دان مرغليت، والعامل في صحيفة "يسرائيل هيوم" الموالية لنتنياهو، إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي فضّل في خطابه أمام الكونغرس مصلحته الحزبية والشخصية على مصلحة إسرائيل العامة، ولو أن دوافعه كانت فعلاً غير حزبية وغير سياسية لكان أرجأ الخطاب إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية.