ربما تعود فكرة إنشاء قسم أو وحدة للدراسات الأميركية في الجامعات العربية، إلى المفكر الفلسطيني، إدوارد سعيد، فقد صرّح بذلك في غير ما مناسبة، لافتًا إلى أهمية أمرٍ مماثل لمعرفة "الآخر" الذي يسيطر، بطريقة غدا فيها مرجعًا كما لا يخفى، على عالمنا العربي من نواحٍ عديدة. ليست السيطرة دائمًا خشنة، كاحتلال العراق، بل إن للسيطرة وجوهاً ناعمة، ولها اسم شهير : القوّة الناعمة.
تتقاطع فكرة سعيد هذه، مع ما يقوله، أيضًا، ويدعو إليه ضيف ملحق الثقافة لهذا العدد، السوري منير العكش، الذي اهتمّ كثيرًا بالدراسات الأميركية وكرّس جلّ كتبه تقريبًا لدراسة السيطرة الخشنة قديمًا والناعمة حديثًا على "الهنود الحمر" أو "السكان الأصليين" لتلك القارّة الهائلة الحجم. وربّما يتفرّد فعلًا العكش الذي يصف نفسه سوريًا بالولادة وفلسطينيًا بالاختيار، في الجمع بين الدعوة إلى الفكرة وتنفيذها.
وبقطع النظر فيما لو كانت الفكرة في أصلها لسعيد أو العكش، إلا أن "دراسة أميركا" فكرة مشرقية على ما يبدو، ولها جانبٌ فلسطيني واضح.
وفي حال نظرنا في بلادنا العربية، لنعرف إن كان ثمة "استجابة" للفكرة، وإن كان ثمّة كليات أو وحدات أو مراكز تهتم بالدراسات الأميركية، لوجدنا منها ما لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة؛ ففي جامعة القدس التي أنشئت بعد اتفاق أوسلو، وتحديدًا في أبو ديس، ثمة "وحدة" غامضة تحت هذ العنوان: برنامج الدراسات الأميركية. كان القائم عليها ومؤسسها، محمّد الدجاني، قرّر، وهو المختصّ في دراسة الهولوكوست لا الدراسات الأميركية أيضًا، "اصطحاب" طلابه في رحلة إلى معسكر أوشفيتز، أكبر معسكرات الاعتقال والإبادة النازية في بولندا. "تبرّأت" الجامعة من فعله بعدما فضحت الأمر جريدة هآرتس الإسرائيلية. وهو من جهته قدّم "استقالته"، ليشيع كذبة لئيمة عن ألا تسامح في دنيا العرب. ويبدو أنه سيذهب إلى الولايات المتحدة الأميركية ليعمل في معهد دراسات في واشنطن: نهاية سليمة لمسار مشكوكٍ في أمره. وبقطع النظر عن "القصّة"، لا يبدو أن الوحدة المذكورة قامت بنشاط بحثي أو أكاديمي ونشرته، ما يفتح نافذة السؤال عن "الشهادة المعتمدة" أصولًا لهذا البرنامج الذي يحصل المنتسبون إليه على درجة الماجستير، ويفتح من بعد النافذة، الباب عن هذه الجامعة أصلًا التي اعتبرها قطاع فلسطيني جامعة للتطبيع.
اقرأ أيضاً: المعجم، على قدر أهل العزم
وخارج المشرق "المفتت"، ثمة وحدتان للدراسات الأميركية؛ واحدة في جامعة الكويت "وحدة الدراسات الأميركية"، وهي تابعة لكلية العلوم الاجتماعية، وتنشر أبحاثاً أكاديمية وتعقد الندوات، وثمة "ندوات تبادلية للأكاديميين والطلبة بين دولتي الكويت والولايات المتحدة الأميركية"، وفقًا لما جاء في موقعها على الشبكة.
وعلى غير توقع ربّما، فإن في اليمن، على ما يبدو وتحديدًا في صنعاء، في جامعة الملكة أروى، ثمة "مركز الدراسات والبحوث الأميركية"، الذي يحصل الطالب بعد سنتين من الانتساب إليه على شهادة دبلوم "يمكن أن يتطور إلى البكالوريوس عبر التنسيق مع بعض الجامعات الأمريكية".
والمحصلة "السليمة" التي يمكن استنتاجها من هذا كلّه، هي الصفر. إذ إن هذه الوحدات الثلاث لا تعبّر البتة عمّا رمى إليه إدوارد سعيد أو منير العكش، بل لعلّها منبتة الصلة أصلًا عن أفكارهما - إذ لا منشورات ولا دوريات ولا كتب ولا بحث علمي ولا من يحزنون - وما الغريب في الأمر؟ إذ منذ متى كان لأفكار المثقّف العربي صدىً لدى المسؤولين وصنّاع القرار؟.
المسؤولون في مراكز القرار العربية كلّها، يستطيعون عدّ ما لا يحصى من كليّات ومعاهد ومراكز أبحاث ووحدات أميركية وأوروبية وآسيوية، تهتم اهتمامًا "منقطع النظير" بالدراسات العربية بكافّة تشعباتها ومجالاتها. وهذا العدد الذي يصعب حصره، غير مرتبط بالحكومات والجامعات الوطنية والخاصّة فحسب، بل هو في أحايين كثيرة تابع لهيئات "مستقلة" أو المراكز الرائجة "Think tanks" التي للقطاع غير الحكومي نصيب فيها أيضًا.
وهنا المسألة، إذ إن تلك المراكز، لا تمنح عامّة الشهادات بدرجاتها المختلفة فحسب، بل يرفدها البحث العلمي بقوّة، ولديها ميزانيات برّمتها من أجل نشر الأبحاث والكتب وأعمال الندوات التي لا تنقطع فيها أصلًا. وهذه المنشورات هي التي تتحوّل لتصبح الـ (مصدر)، بألف التعريف، للدراسات العربية. وإذ تذكّرنا أن الجامعات الأميركية تحديدًا تحتل منذ سنوات عديدة المراتب العليا في تصنيف الجامعات على مستوى العالم، لأدركنا من دون عناء، كيف أننا نعرف عن نفسنا وعن حضارتنا وتاريخنا وحاضرنا بالطبع من خلال "عدسة أميركية".
صحيح أن في غير ما وزارة خارجية عربية، مراكز للدراسات الأميركية، إلا أنها في غالبها تدور في فلك السياسة الأميركية في الحاضر حيال عالمنا العربي، وهي تختلف قطعًا عن إنشاء قسم أو مركز أو وحدة في جامعة عربية ما، يهتمّ بتشعبات الدراسات الأميركية ومجالاتها كافة. ويبدو الكلام السابق كلّه ترفًا من النوع الرفيع حال أردنا عقد مقارنة بين وضع جامعاتنا والجامعات "الأجنبية" في أي مجال.
تتقاطع فكرة سعيد هذه، مع ما يقوله، أيضًا، ويدعو إليه ضيف ملحق الثقافة لهذا العدد، السوري منير العكش، الذي اهتمّ كثيرًا بالدراسات الأميركية وكرّس جلّ كتبه تقريبًا لدراسة السيطرة الخشنة قديمًا والناعمة حديثًا على "الهنود الحمر" أو "السكان الأصليين" لتلك القارّة الهائلة الحجم. وربّما يتفرّد فعلًا العكش الذي يصف نفسه سوريًا بالولادة وفلسطينيًا بالاختيار، في الجمع بين الدعوة إلى الفكرة وتنفيذها.
وبقطع النظر فيما لو كانت الفكرة في أصلها لسعيد أو العكش، إلا أن "دراسة أميركا" فكرة مشرقية على ما يبدو، ولها جانبٌ فلسطيني واضح.
وفي حال نظرنا في بلادنا العربية، لنعرف إن كان ثمة "استجابة" للفكرة، وإن كان ثمّة كليات أو وحدات أو مراكز تهتم بالدراسات الأميركية، لوجدنا منها ما لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة؛ ففي جامعة القدس التي أنشئت بعد اتفاق أوسلو، وتحديدًا في أبو ديس، ثمة "وحدة" غامضة تحت هذ العنوان: برنامج الدراسات الأميركية. كان القائم عليها ومؤسسها، محمّد الدجاني، قرّر، وهو المختصّ في دراسة الهولوكوست لا الدراسات الأميركية أيضًا، "اصطحاب" طلابه في رحلة إلى معسكر أوشفيتز، أكبر معسكرات الاعتقال والإبادة النازية في بولندا. "تبرّأت" الجامعة من فعله بعدما فضحت الأمر جريدة هآرتس الإسرائيلية. وهو من جهته قدّم "استقالته"، ليشيع كذبة لئيمة عن ألا تسامح في دنيا العرب. ويبدو أنه سيذهب إلى الولايات المتحدة الأميركية ليعمل في معهد دراسات في واشنطن: نهاية سليمة لمسار مشكوكٍ في أمره. وبقطع النظر عن "القصّة"، لا يبدو أن الوحدة المذكورة قامت بنشاط بحثي أو أكاديمي ونشرته، ما يفتح نافذة السؤال عن "الشهادة المعتمدة" أصولًا لهذا البرنامج الذي يحصل المنتسبون إليه على درجة الماجستير، ويفتح من بعد النافذة، الباب عن هذه الجامعة أصلًا التي اعتبرها قطاع فلسطيني جامعة للتطبيع.
اقرأ أيضاً: المعجم، على قدر أهل العزم
وخارج المشرق "المفتت"، ثمة وحدتان للدراسات الأميركية؛ واحدة في جامعة الكويت "وحدة الدراسات الأميركية"، وهي تابعة لكلية العلوم الاجتماعية، وتنشر أبحاثاً أكاديمية وتعقد الندوات، وثمة "ندوات تبادلية للأكاديميين والطلبة بين دولتي الكويت والولايات المتحدة الأميركية"، وفقًا لما جاء في موقعها على الشبكة.
وعلى غير توقع ربّما، فإن في اليمن، على ما يبدو وتحديدًا في صنعاء، في جامعة الملكة أروى، ثمة "مركز الدراسات والبحوث الأميركية"، الذي يحصل الطالب بعد سنتين من الانتساب إليه على شهادة دبلوم "يمكن أن يتطور إلى البكالوريوس عبر التنسيق مع بعض الجامعات الأمريكية".
والمحصلة "السليمة" التي يمكن استنتاجها من هذا كلّه، هي الصفر. إذ إن هذه الوحدات الثلاث لا تعبّر البتة عمّا رمى إليه إدوارد سعيد أو منير العكش، بل لعلّها منبتة الصلة أصلًا عن أفكارهما - إذ لا منشورات ولا دوريات ولا كتب ولا بحث علمي ولا من يحزنون - وما الغريب في الأمر؟ إذ منذ متى كان لأفكار المثقّف العربي صدىً لدى المسؤولين وصنّاع القرار؟.
المسؤولون في مراكز القرار العربية كلّها، يستطيعون عدّ ما لا يحصى من كليّات ومعاهد ومراكز أبحاث ووحدات أميركية وأوروبية وآسيوية، تهتم اهتمامًا "منقطع النظير" بالدراسات العربية بكافّة تشعباتها ومجالاتها. وهذا العدد الذي يصعب حصره، غير مرتبط بالحكومات والجامعات الوطنية والخاصّة فحسب، بل هو في أحايين كثيرة تابع لهيئات "مستقلة" أو المراكز الرائجة "Think tanks" التي للقطاع غير الحكومي نصيب فيها أيضًا.
وهنا المسألة، إذ إن تلك المراكز، لا تمنح عامّة الشهادات بدرجاتها المختلفة فحسب، بل يرفدها البحث العلمي بقوّة، ولديها ميزانيات برّمتها من أجل نشر الأبحاث والكتب وأعمال الندوات التي لا تنقطع فيها أصلًا. وهذه المنشورات هي التي تتحوّل لتصبح الـ (مصدر)، بألف التعريف، للدراسات العربية. وإذ تذكّرنا أن الجامعات الأميركية تحديدًا تحتل منذ سنوات عديدة المراتب العليا في تصنيف الجامعات على مستوى العالم، لأدركنا من دون عناء، كيف أننا نعرف عن نفسنا وعن حضارتنا وتاريخنا وحاضرنا بالطبع من خلال "عدسة أميركية".
صحيح أن في غير ما وزارة خارجية عربية، مراكز للدراسات الأميركية، إلا أنها في غالبها تدور في فلك السياسة الأميركية في الحاضر حيال عالمنا العربي، وهي تختلف قطعًا عن إنشاء قسم أو مركز أو وحدة في جامعة عربية ما، يهتمّ بتشعبات الدراسات الأميركية ومجالاتها كافة. ويبدو الكلام السابق كلّه ترفًا من النوع الرفيع حال أردنا عقد مقارنة بين وضع جامعاتنا والجامعات "الأجنبية" في أي مجال.