ترحيل المهاجرين... أوروبا تلجأ إلى حوافز مالية

19 يونيو 2019
ضد سياسات الهجرة الأوروبية (باكو فريريه/ Getty)
+ الخط -

يسعى الأوروبيون إلى ترحيل مئات آلاف المهاجرين طالبي اللجوء إلى بلدانهم الأصلية، من خلال إغرائهم بحوافز مالية. ويبدو أنّهم جديّون في هذا الشأن
يتّجه الاتحاد الأوروبي خلال الفترة المقبلة إلى تفعيل تعاونه الهادف إلى إعادة مهاجري أفريقيا إلى دولهم، عبر حزمة مساعدات مالية فردية تُمنح لهؤلاء الأشخاص حتى يطلقوا مشاريع عمل في بلدانهم الأصلية بدلاً من البقاء في أوروبا بعد رفض طلبات إقاماتهم. وما يقلق سياسيي أوروبا هو أنّ مئات آلاف المرفوضين ما زالوا يقيمون بصفة غير قانونية في مختلف دول القارة، بعضهم حصل على قرار رفض مع ضرورة المغادرة فيما اختفى آخرون عن رادارات أجهزة السلطات التي تؤكّد أنّهم "يعيشون في الخفاء".

تفيد مصادر برلمانية أوروبية خاصة "العربي الجديد" بأنّ "ثمّة أطرافاً في الاتحاد الأوروبي تجري مفاوضات خلف الأبواب المغلقة لمراجعة سياساتها في ما يخصّ المقيمين بصورة غير قانونية في دولها، ويشمل ذلك تشجيعاً مالياً لمن يلتحق بمشروع العودة الطوعية إلى البلد الأصلي". يُذكر أنّ الأوروبيين يسعون إلى تفعيل وتنشيط برنامج "الشبكة الأوروبية للعودة وإعادة الدمج" (إيرين) بالتعاون مع منظمات إغاثية وغير حكومية في البلدان الأصلية.

وتوضح المصادر الأوروبية نفسها، المطلعة على حيثيات التفاوض، أنّ "المحاولة الأولى تركّز على الذين رُفضت طلبات لجوئهم، من خلال تحرّك يمين الوسط للتخفيف من التقدّم الذي يحرزه اليمين المتطرّف في استخدام قضية اللاجئين لكسب مزيد من الشعبية في الشارع الأوروبي". تضيف المصادر أنّ "اللافت في المشروع الأوروبي المشترك هو أنّ موازنته سوف تكون ضخمة، ويحاول سياسيون من دول اسكندنافية ومن فرنسا وألمانيا تحقيقه بالتعاون مع النمسا وإيطاليا"، مؤكدة أنّ "المستهدفين بالمشروع يقدَّرون بعشرات الآلاف بل مئات الآلاف، علماً أنّ الحوافز المالية هي للفئة الأفقر من بين طالبي اللجوء".

وكان عدد الوافدين إلى أوروبا، بقصد اللجوء والهجرة، عبر مياه البحر الأبيض المتوسط، قد سجّل تراجعاً منذ عام 2015 عندما فاق عدد طالبي اللجوء في أوروبا المليون ونصف المليون شخص وفقاً للمكتب الإحصائي للاتحاد الأوروبي (يوروستات)، ووصل إلى نحو 630 ألف طالب لجوء في العام الماضي. لكن، على الرغم من ذلك، فإنّ عدد الذين رُفضت طلباتهم، والذين يُحسبون كـ"مقيمين غير شرعيين"، زاد عن 620 ألفاً فقط في عام 2017 في مختلف دول الاتحاد. وتشير أرقام "يوروستات" إلى أنّ عام 2017 شهد ترحيل نحو 188 ألفاً نحو دولهم خارج أوروبا. ويبدو أنّها في تصاعد مع توسّع رفض لجوء الوافدين بعد عام 2015. وتسجّل الأرقام الأوروبية زيادة في رفض دخول "غير الأوروبيين" إلى الدول الأعضاء في الاتحاد، وقد شهد عام 2017 وحده رفض/ منع دخول نحو 439 ألفاً عبر حدود الاتحاد، وهي زيادة بنسبة 13 في المائة بالمقارنة بعام 2016.



ويبدو أنّ تراجع عدد طالبي اللجوء وفقاً لأوروبيين متخصصين في قضايا الهجرة وسياسيين مهتمين باللجوء في دول أوروبا، يعود إلى "اتفاق الأوروبيين مع تركيا الذي سمح بتخفيف التدفّق عبر بحر إيجة، إلى جانب الجهود في البحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى تشدد الإيطاليين حول ما يتعلق برفض استقبال سفن الإنقاذ، والاتفاق الأوروبي الأفريقي من خلال صندوق الاتحاد الأوروبي الائتماني من أجل أفريقيا الذي يعمل من بين أشياء أخرى على مكافحة شبكات تهريب البشر وإغلاق طرق الهجرة الأفريقية".

مهاجرون وصلوا إلى مالطا (ماثو ميرابيلي/ فرانس برس) 


وما يقلق الأوروبيين ويدفعهم إلى البحث عن حلول، بحسب مصادر أخرى لـ"العربي الجديد" في بروكسل وكوبنهاغن، "التصاعد المستمر في عدد المختفين سنوياً بعد تلقّيهم رفضاً وبلاغاً لمغادرة أوروبا. بالإضافة إلى نحو 620 ألفاً في عام 2017، شهد العام الماضي زيادة بنحو 192 ألف مرفوض، يختفي من بينهم عشرات الآلاف. وهؤلاء يقيمون ربّما بصفة غير قانونية في البلد حيث رُفِض لجوؤهم أو في بلد أوروبي آخر". يُذكر أنّه من بين نحو 630 ألف طالب لجوء في العام الماضي، رُفض 192 ألفاً و902 طالب لجوء، فيما مئات الآلاف ما زالوا ينتظرون حسم وضعهم. ومع التشديد المنتهج في أكثر من دولة أوروبية لمنح اللجوء،
لا يبدو أنّ الأرقام سوف تنخفض مستقبلاً.

على سبيل المثال، كانت الدنمارك في عام 2015 قد منحت 10 آلاف و800 لجوء، فيما رفضت في عام 2018 أكثر من 50 في المائة من طالبي اللجوء البالغ عددهم 3290 شخصاً. ولدى كوبنهاغن مشروعها الخاص بإعادة المهاجرين وطالبي اللجوء المرفوضين. في ما يتعلق بالفئة الأولى، أي المقيمين إقامة مشروعة، فبإمكان الشخص الحصول على نحو 139 ألف كرونه (نحو 21 ألف دولار أميركي) إذا عبّر عن رغبته في التخلي عن إقامته والعودة إلى بلده الأصلي لبدء حياته هناك. ويشمل ذلك الذين يعيشون في البلاد بصفة مهاجرين (لمّ شمل) أو لاجئين مع إقامات. ويمنح مبلغ التأسيس بعد وصول الشخص إلى موطنه الأصلي، علماً أنّ نحو 400 شخص استفادوا من هذا المشروع خلال الأعوام الخمسة الماضية. أمّا مشروع دعم عودة "غير الشرعيين"، فميزانيته نحو 20 ألف كرونه (ثلاثة آلاف دولار) للشخص الواحد، فيضمن له مساعدة على تأسيس مزرعة دواجن مثلاً أو شراء سيارة أجرة. وفي السياق، تشير تقديرات الشرطة الدنماركية إلى أنّ نحو 2835 مهاجراً/ طالب لجوء من الذين رفضت طلباتهم في العام الماضي 2018 اختفوا ويعيشون سراً في الدنمارك أو غادروها إلى دول أخرى"، لينضم هؤلاء إلى مئات آلاف شملتهم الأرقام الأوروبية خلال الأعوام القليلة الماضية.



تجدر الإشارة إلى أنّ طالبي اللجوء المرفوضين الذين يتنقلون في الاتحاد الأوروبي مجرّبين حظوظهم بالحصول على إقامة، هم أكثر مَن يقلق الأوروبيين. في السياق، كانت الشرطة الألمانية قد أعلنت في إبريل/ نيسان الماضي عن زيادة في عدد طالبي اللجوء الهاربين من الدنمارك عبر الحدود الشمالية. ففي حين وصل رقم الذين أوقفتهم الشرطة الألمانية في عام 2016 إلى 1750 شخصاً، شهد عام 2018 توقيف 2350 أثناء عبورهم إلى ألمانيا من الجارة الشمالية. وكانت وزارة الداخلية الألمانية قد أشارت في العام الماضي إلى أنّ هؤلاء الذين دخلوا عبر الحدود الدنماركية هم بمعظمهم من الأفغان والعراقيين والسوريين الذين رُفضت طلبات لجوئهم في الدول الاسكندنافية، أي أنّهم لم يُرفَضوا جميعاً في الدنمارك. يُذكر أنّ الدولتَين أعادتا العمل بنظام مراقبة الحدود، مع تفتيش السيارات والقطارات والبواخر، منعاً لتدفق الذين لا يحملون إقامات. وفي آخر أرقامها، بيّنت الدنمارك أنّها رفضت دخول نحو سبعة آلاف شخص عبر حدودها البرية، بعد شكوك لديها في أنّهم يحاولون إمّا تقديم لجوء في البلد أو عبوره نحو دولة اسكندنافية أخرى.
المساهمون