ترامب يكذب على الأميركيين: تقليل متعمد من خطورة فيروس كورونا

11 سبتمبر 2020
نفى البيت الأبيض تضليل ترامب للأميركيين (Getty)
+ الخط -

في الوقت الذي يسابق فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب الزمن قبل أسابيع قليلة من موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ويبذل جهوداً مضنية لتحسين صورته والدفاع عن النهج الذي اتبعه في مختلف القضايا الداخلية والخارجية على مدى أربع سنوات قضاها في البيت الأبيض، فإنّ الأمور تأتي على عكس رغبته، مع توالي الفضائح التي تبرز أنّ الرئيس عمل في مختلف الملفات وفق حسابات شخصية وهاجس وحيد هو الحصول على ولاية ثانية حتى لو تطلب الأمر منه الكذب مرة تلو الأخرى.
وفيما كان ترامب يحاول إعادة الزخم لحملته أخيراً، من خلال الإعلان عن سحب المزيد من القوات الأميركية من العراق، ولاحقاً من أفغانستان، للإيحاء بأنه أكثر الرؤساء التزاماً بوعوده التي قطعها خلال حملته الانتخابية الأولى، جاء اعترافه بالتقليل عمداً من خطورة فيروس كورونا لـ"عدم إثارة هلع" الأميركيين، وإقرار مسؤول استخباراتي أميركي بأنّ البيت الأبيض أمره بـ"كتم" التقارير بشأن التدخل الروسي بالانتخابات، لتزيد من أزمة الرئيس. وتصبّ هذه التطورات في المقابل في صالح المرشح الديمقراطي جو بايدن الذي يتحيّن أخطاء منافسه للاستفادة منها والهجوم عليه. ومن المتوقّع أن يجتمع الرجلان اليوم الجمعة في مكان واحد وذلك في شانكسفيل في ولاية بنسلفانيا، خلال إحياء ذكرى هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.

ترامب كان يعلم منذ فبراير الماضي تداعيات "كوفيد -19"

وأقر ترامب بأنه كان يعرف منذ فبراير/شباط الماضي مدى خطورة فيروس كورونا المستجد وقدرته على الانتشار، لكنه لم ينقل هذه المعلومات إلى الشعب الأميركي لأنه لم يكن يرغب "في إثارة الذعر"، حسبما ورد في مقابلات أٌجريت من أجل كتاب جديد. وظهرت المقابلات المسجلة، التي حصلت عليها شبكة "سي.أن.أن" وكانت أساساً لكتاب جديد بعنوان "الغضب" للصحافي بوب وودورد والمقرّر نشره في 15 سبتمبر المقبل، في وقت تتعرض فيه جهود ترامب في محاربة كوفيد-19 لانتقادات لاذعة تصفها بأنها ضعيفة ومتأخرة للغاية.
وقال ترامب في مقابلة مع وودورد أُجريت في 19 مارس/آذار الماضي: "أردت أن أقلل على الدوام من مدى خطورته (الفيروس)". وأضاف: "ما زلت أرغب بالتقليل من مدى خطورته، لأني لا أريد أن أخلق حالة من الذعر". وفي تلك المحادثة، قال ترامب لوودورد أيضاً إن بعض "الحقائق المدهشة" ظهرت على الفور بشأن من يستهدفهم الفيروس، مضيفاً "ليسوا كبار السن فقط... الشباب أيضاً... كثير من الشباب".
وفي مقابلة أخرى مسجّلة في السابع من فبراير/شباط الماضي، قال ترامب لوودورد إن الفيروس "ينتقل عبر الهواء... هذا أصعب دائماً من اللمس. لست مضطراً للمس الأشياء. صحيح؟ لكن بالنسبة للهواء... أنت تتنفسه وهذه هي الطريقة التي ينتقل بها". هذا رغم أن الرئيس الأميركي كان يسخر دائماً من الناس الذين يضعون كمامات في الأسابيع والأشهر اللاحقة، واستغرق الأمر حتّى يوليو/تموز الماضي قبل أن يقتنع الرئيس الأميركي بوضع كمامة خلال ظهوره العلني.
وتفاقم التصريحات التي نُشرت قبل ثمانية أسابيع من موعد الاستحقاق الرئاسي الضغوط على ترامب. وتظهر الاستطلاعات أن نحو ثلثي الأميركيين غير راضين عن طريقة إدارته للأزمة الصحية، وتطاوله اتّهامات بأنه يقلّل من مدى خطورة الأزمة من أجل تعزيز فرص فوزه بولاية رئاسية ثانية.
وفي تصريح للصحافيين في البيت الأبيض الأربعاء، ندّد ترامب بالكتاب ووصفه بأنه "عملية اغتيال سياسي جديدة". وقال إنّه قلل من مدى خطورة كوفيد-19 لتجنّب "هستيريا". وتابع الرئيس الأميركي "لا أريد أن يصاب الشعب بالذعر، لن أقود هذا البلد أو العالم إلى الهستيريا"، مؤكداً أنّه "علينا أن نظهر الريادة وآخر ما نريد القيام به هو إثارة الهلع". وقال "على الأرجح، ومن شبه المؤكد أنني لن أقرأه (كتاب وودورد) لأن ليس لدي الوقت لأقرأه".
ونفى البيت الأبيض، بدوره، تضليل ترامب للأميركيين عن عمد حول الفيروس. وبعد فترة وجيزة من ظهور التقارير حول الكتاب، ردت المتحدثة باسم البيت الأبيض كايلي ماكيناني، في إفادة صحافية قائلةً: "لا... على الإطلاق، الرئيس لم يهون أبداً من شأن الفيروس".
ويتوقّع مراقبون أن يوفّر الكتاب حججاً جديدة سيستخدمها الديمقراطيون الذين يعتبرون أنّ ترامب فشل في تحضير الأميركيين لمواجهة خطورة تفشي الفيروس وفي قيادتهم نحو الاستجابة المناسبة. وفي مقابلات سابقة مع وودورد، أوضح ترامب أنه كان مدركاً أنّ الفيروس "فتّاك" وأكثر خطورة بأشواط من الإنفلونزا العادية. لكنّ ترامب كان يطمئن دوماً الأميركيين مطلع 2020 بأنّ الفيروس ليس خطيراً وبأنه "سيزول" من تلقاء نفسه.
من جهته، وجد جو بايدن حجة جديدة وقوية لمهاجمة منافسه الجمهوري، الذي هوّن من شأن الفيروس لشهور في الوقت الذي كان يستفحل فيه الوباء وينتشر بسرعة، وضرب على وتر بطء الحكومة في اتخاذ إجراءات المكافحة. وقال بايدن أثناء تجمع انتخابي في ميشيغن الأربعاء، إنّ ترامب "كان يعلم كم كان (الفيروس) مميتاً". وأضاف "كذب على الشعب الأميركي. كذب عن دراية وعن قصد بشأن التهديد الذي كان يشكله (الفيروس) على البلاد على مدى أشهر". وتابع بايدن "لقد كانت خيانة في مسألة حياة أو موت للشعب الأميركي". كما اعتبر أن الركود الاقتصادي الذي تعاني منه الولايات المتحدة سببه "سوء إدارة ترامب لأزمة" وباء كوفيد-19. وقال: "هذا الركود تسبّب به إهمال دونالد ترامب، وبالتالي فهو غير أهل لهذا المنصب".

إلا أن ترامب كان يحظى بدعم الخبير الكبير في الأمراض المعدية أنطوني فاوتشي الذي كان يقول للرأي العام بشكل مستمر إن الفيروس يتطلب استجابة صارمة، حتى عندما بدأ الرئيس يقول أمراً مختلفاً. وقال فاوتشي لقناة "فوكس نيوز": "لا أتذكر أي شيء شكل تشويهاً كبيراً في الأمور التي تحدثت معه عنها". وأضاف أن ترامب كان حريصاً على منع البلاد من "التدهور".
وتعليقاً على الفضيحة الجديدة، قالت جنيفير روبن في مقال بصحيفة "واشنطن بوست" إنه "عندما يكذب الرئيس عمداً على الشعب الأميركي، ويموت العديد من الأميركيين نتيجة لذلك، فيجب على الأعضاء المخلصين من حزبه إدانته والمطالبة بإبعاده". وأضافت "منعت قراراته عمليات الإغلاق المسبقة، وقدمت إحساساً زائفاً بالأمان للأشخاص الضعفاء. كان عشرات الآلاف من الضحايا الأميركيين على قيد الحياة اليوم، لو أنه تصرف بأقل قدر من الكفاءة والصدق"، فيما وصفت صحيفة واشنطن بوست ما قام به بـ"الخطيئة التي لا تغتفر".
من جهتها، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إنه رغم ما ظهر من فهم الرئيس الواضح منذ فبراير/شباط الماضي لشدة خطورة الفيروس وطريقة انتقاله، عقد خلال الشهر التالي (مارس)، تجمعات انتخابية في مدن عدة، حضرها الآلاف من أنصاره. وتابعت موجهة سؤالها لترامب: "لماذا تكذب على الشعب الأميركي، وأنت الذي تتهم الصين بالكذب"؟ وتابعت الصحيفة: "يكاد يكون من المؤكد أن افتقار ترامب للقيادة جعل معاناة الأمة أكبر، وعدد الضحايا فيها أعلى، والتكاليف الاقتصادية أكثر حدة على المدى الطويل".

مسؤول استخباراتي أميركي يقول إن البيت الأبيض أمره بـ"كتم" التقارير بشأن التدخل الروسي في الانتخابات

في الأثناء، وفيما أرّق التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016، جزءاً كبيراً من ولاية الرئيس الأولى وقاد إلى سلسلة من التحقيقات التي رفضها ترامب، عادت هذه القضية أخيراً إلى الواجهة، من خلال مسؤول رفيع في مكتب الاستخبارات والتحليل في وزارة الأمن الداخلي، قال إنّ البيت الأبيض أمره بـ"كتم" التقارير بشأن التدخل الروسي بالانتخابات.
وقال براين مورفي، نائب وكيل وزارة الأمن الداخلي السابق، إنّ البيت الأبيض أمره بالكفّ عن إعداد تقارير بشأن التدخّل الروسي في الانتخابات الأميركية والتركيز بدلاً من ذلك على التدخّلات الصينية والإيرانية، وفق ما جاء في شكوى قدّمها نشرت أول من أمس الأربعاء.
وتم تقديم شكوى مورفي لدى المفتّش العام في وزارة الأمن الداخلي. لكنّ لجنة الاستخبارات في مجلس النواب نشرت الشكوى واستدعت مورفي ليدلي بشهادته أمامها في 21 سبتمبر الحالي.
وكشف مورفي أنّ القائم بأعمال وزير الأمن الداخلي تشاد وولف أمره في مايو/أيار الماضي، بالكفّ عن إعداد تقارير استخبارية لتقييم مخاطر التدخل الروسي في الولايات المتحدة. وقال في الشكوى إنّ وولف أبلغه بأنّ الأمر صادر عن روبرت أوبراين مستشار ترامب للأمن القومي. وتابع مورفي إنه عوقب بخفض رتبته في الأول من أغسطس/آب الماضي، بعدما قاوم على مدى سنتين الضغوط لتحريف تقارير استخبارية لغايات سياسية. وأضاف أنّ هذا الأمر شمل تضخيم مخاطر دخول "إرهابيين" إلى البلاد من المكسيك، والتقليل من شأن التهديد الذي تطرحه "القومية البيضاء" (السعي إلى الحفاظ على هوية عرقية وقومية بيضاء والتمسّك بها وتطويرها)، وكتم تقارير حول التدخّل الروسي.
وجاءت معاقبة مورفي بعد مجموعة إحاطات وتقارير أعدّها حول التدخّل الروسي في الانتخابات والأنشطة الروسية على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيّما بعد التحذير الذي وجّهه إليه وولف في مايو الماضي.
واستُدعي مورفي للقاء وولف في 8 يوليو/تموز الماضي، وجاء في الشكوى أنّ "وولف أبلغ مورفي بأنه يجب كتم التقارير الاستخبارية لأنها تجعل الرئيس يبدو بمظهر سيّئ". وبعد ذلك أقصى وولف مورفي عن الاجتماعات اللاحقة التي عقدت حول هذا الموضوع، وقلّل تقرير حول هذه المسألة من أهمية الأنشطة الروسية التي تبدو داعمة لجهود ترامب في سعيه للفوز بولاية رئاسية ثانية، وركّز في المقابل على أنشطة الصين وإيران.

وقال مورفي إنّه تمّ الاعتراض على تقييم رسمي للمخاطر التي تتهدّد الأمن الداخلي أعدّه مع آخرين في مارس الماضي، بسبب تركيزه على أتباع نظرية تفوّق العرق الأبيض وعلى الروس. وقال إنّ مسؤولاً آخر في وزارة الأمن الداخلي أبلغه بتعذّر توزيع التقرير بسبب مخاوف "تتعلق بكيفية انعكاس التقييم على ترامب". ونقلت الشكوى عن كين كوتشينيلي القائم بأعمال مساعد وزير الأمن القومي قوله في مايو ويونيو/حزيران الماضيين إنّه "يتعين على مورفي أن يعدّل تحديداً القسم المتعلّق بتفّوق العرق الأبيض بطريقة تجعل التهديد يبدو أقلّ خطورة، وكذلك أيضاً تضمينه معلومات حول بروز مجموعات عنفية يسارية".
وقال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب آدم شيف إنّ الشكوى تتضمّن "مزاعم خطيرة ومثيرة للقلق بشأن سعي ملتوٍ لمسؤولين كبار في البيت الأبيض ووزارة الأمن الداخلي لتسييس معلومات استخبارية والتلاعب بها وحجبها خدمة لمصالح الرئيس ترامب السياسية". وأضاف شيف أنّ "هذا الأمر يعرّض بلادنا وأمنها لخطر بالغ".
إلى ذلك، وبعدما كانت وكالات الاستخبارات الأميركية قد دقت أجراس الإنذار من جهود محتملة من جانب حكومات أجنبية، ولا سيما روسيا، للتدخل في الانتخابات الرئاسية المقبلة، قالت ثلاثة مصادر مطلعة لوكالة "رويترز"، إنّ شركة مايكروسوفت نبهت الشركة الاستشارية الرئيسية في الحملة الانتخابية للمرشح الديمقراطي جو بايدن إلى أنها كانت هدفاً لمتسللين عبر الإنترنت يعتقد أنهم مدعومون من الدولة في روسيا. وقالت المصادر إن محاولات الاختراق استهدفت العاملين في شركة "إس.كيه.دي.كيه نيكر بوكر" المتخصصة في استراتيجيات حملات الدعاية ومقرها واشنطن، والتي تعمل مع بايدن وغيره من الديمقراطيين البارزين وذلك خلال الشهرين الأخيرين.
وقال مصدر مطلع على جهود الشركة للتصدي للمحاولات، إنّ المتسللين فشلوا في اختراق شبكات الشركة. وأوضحت المصادر الثلاثة إنّ المحاولات التي كشفتها مايكروسوفت اشتملت على وسائل لمحاولة خداع المستخدمين لشبكة الشركة للكشف عن كلمات السر الخاصة بهم ومحاولات أخرى للتسلل عبر شبكتها. وامتنع متحدث باسم مايكروسوفت عن التعليق.