النتيجة كانت متوقعة بحكم سيطرة الأول على الأغلبية في المجلس. لكن المشروع بالنهاية لن يمر على الأرجح في مجلس الشيوخ، الذي يتحكم الحزب الجمهوري بالأكثرية فيه.
مداخلة خصوم ترامب دارت حول وجوب عودة الرئيس إلى الكونغرس لأخذ موافقته في أي خطوة من هذا النوع، حتى لا يتفرد بقرار الحرب وبما قد يقود إلى ورطة جديدة مكلفة، على غرار قراره بتصفية قائد "فيلق القدس" الإيراني، قاسم سليماني، الذي كاد أن يفجر حرباً طاحنة ومديدة في الشرق الأوسط.
أمّا أنصاره الجمهوريون فاعترضوا من باب أن مثل هذا الشرط من شأنه تكبيل يدي الرئيس باعتباره القائد العام للقوات المسلحة. وذهبوا إلى حدّ اتهام الديمقراطيين "بالتساهل" مع إيران حين يدعون إلى الحدّ من صلاحيات الرئيس في التعامل مع حالات من هذا النوع.
الجدل حول الصلاحيات الحربية للرئيس ليس بجديد. فهو مستمر منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، رغم وجود نص دستوري يحصر صلاحية "إعلان الحرب" بالكونغرس ويكلف الرئيس "بتوجيه" العمليات العسكرية وإدارتها.
مع ذلك، لم يرجع الرؤساء منذ ذلك الوقت إلى الكونغرس في موضوع استخدام القوات المسلّحة في الخارج، ولا الكونغرس أصرّ على ممارسة دوره الحصري في هذا الخصوص. عمومية النص وحسابات السياسة سمحت بالالتفاف عليه ولي عنقه لصالح الرئيس وتعزيز صلاحياته الحربية. ساهم في ذلك "هروب" الكونغرس من مسؤوليته الحربية حتى لا يدفع ثمنها السياسي.
في الحرب الكورية، بداية خمسينيات القرن الماضي، برّر الرئيس هاري ترومان تدخل الولايات المتحدة بالحاجة إلى صد الاجتياح الشيوعي الكوري الشمالي لكوريا الجنوبية، وبلعب جزء من دور "الشرطة الدولية" التابعة للأمم المتحدة لفض النزاع. كذلك الأمر في الحرب الفيتنامية أيام الرؤساء جون كينيدي وليندون جونسون وريتشارد نيكسون، حيث لم يطلب أي منهم موافقة الكونغرس، بذريعة أن العمليات العسكرية هناك تحصل لدعم حكومة فيتنام الجنوبية الحليفة. في أواخر عهد نيكسون تحرك الكونغرس عام 1973، بعدما أفتضح أمر حملته الجوية السرية في كمبوديا. صوّت بمجلسيه على "قانون الحرب" لتقييد صلاحيات الرئيس وفرض إقراره، رغم حق الفيتو الذي استخدمه نيكسون آنذاك. مقتضاه، على الرئيس "التشاور" مع الكونغرس قبل أخذ قراره، ثم إبلاغ هذا الأخير خلال 48 ساعة من صدور أوامره بعمل عسكري في الخارج، على أن ينتهي مفعول خطوته بعد 60 يوماً ما لم يوافق الكونغرس على الاستمرار بالعمليات العسكرية.
مع ذلك وعلى الرغم من وضوحه، بقي قانون 1973 أقرب إلى حبر على ورق. تجاوزه الرئيس رونالد ريغان في 1981 بإرسال قوت خاصة إلى السلفادور، تحت ستار تكليفها بمهمة تدريبية. ثم تجاهله بيل كلينتون في كوسوفو في 1999، وتحايل عليه باراك أوباما في ليبيا عام 2011. في كل هذه الحالات جرى التذرع بقانون 2001 الذي أجاز العمل العسكري لمحاربة الارهاب، وقانون 2002 لمواجهة "الخطر" العراقي.
في أغسطس/آب الماضي تحرك الكونغرس من جديد لكبح هذه الصلاحية وإجبار الرئيس على سحب دعمه في حرب اليمن. فازت المحاولة في مجلس النواب لتعود وتفشل في مجلس الشيوخ.
والآن بعد مقتل الجنرال سليماني تتكرر المحاولة ذاتها، علماً بأن مصيرها معروف. الرئيس ترامب استنفر فريقه الجمهوري الذي خاض اليوم معركة شرسة لافشال المشروع في مجلس النواب ولو من دون جدوى. ويتطلع لإسقاطه في مجلس الشيوخ. خصومه الديمقراطيون تحركوا بسرعة على خلفية أن المواجهة مع إيران مسألة وقت، تنفيسها قبل يومين لم يكن أكثر من عملية "تأجيل" لها، "فنحن الآن، على شفير الحرب في الشرق الأوسط"، يقول ليون بانيتا وزير الدفاع السابق. تقدير سائد على أرضية أن التقلب وغياب الوضوح بشأن الأزمة يعزز احتمال وقوع خطأ في الحسابات في أي لحظة، ثم أن الرئيس ترامب مصرّ، مثل أسلافه وأكثر، على كسب هذا الصراع الدستوري – السياسي المزمن، كي لا يتخلى عن صلاحيته العسكرية المطاطة. خاصة في المنازلة مع إيران. وبالأخص في الظروف الصعبة التي يواجهها، من قضية محاكمته إلى معركته الانتخابية. ورقة قد يلجأ إليها في أي وقت إذا ما دعت الحاجة.