08 نوفمبر 2024
ترامب وكل هذا العداء لفلسطين
يتَّبع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، سياسة معاداة الشعب الفلسطيني، وأرض فلسطين التاريخية، والمقاومة الفلسطينية، عقيدةً ودليلَ عملٍ له في البيت الأبيض. وتعطي ممارساته في هذا الصدد الانطباع أنه يحاول مسابقة الزمن لتقويض كل حقوق الشعب الفلسطيني، وضرب المكتسبات التي حققها، على ندرتها. وتبيَّنَ أن هدف مهمته، هذه، تقوية الموقف الإسرائيلي وإكساب الإسرائيليين مزيدا من الربح على حساب خسارة الشعب الفلسطيني، ودفع أبنائه إلى اليأس، وبذلك إلى التطرّف، بعد أن اعترف بالقدس عاصمةً لـ "إسرائيل"، وأوقف كل أشكال الدعم لمنظمات الإغاثة التي كانت برامجها تعد من مقومات صمود هذا الشعب، وبقائه على قيد الحياة.
تمر هذه الأيام الذكرى الأولى لإصدار ترامب قراره، غير المسبوق، بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ "إسرائيل"، والذي أَتبَعه، في مايو/ أيار الماضي، بخطوة نقل السفارة الأميركية إليها. وكان القرار بمثابة التحدي الصارم لإرادة المجتمع الدولي الذي خرجت فيه أصواتٌ شاجبة، رسمياً وشعبياً، لم يستمع ترامب إليها، بل استمر في غيِّه، ضارباً بمبدأ الحل النهائي عرض الحائط، مستشرفاً سبلاً أخرى تساهم في زيادة مأسي هذا الشعب، على عكس من سبقه من رؤساء، أميركيين أو غربيين، لم يكونوا أقل عداءً لهذا الشعب، بل كانوا أقلّ جرأة في استهدافه على الطريقة التي فعلها ترامب.
لطالما كانت السياسة الأميركية شديدة الانحياز لإسرائيل، وسخيةً بالعطاءات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية لها، لكنها كانت حريصةً على السير بمسيرة التسوية لحل الصراع العربي - الإسرائيلي، والفلسطيني - الإسرائيلي لوقف حالة العداء بين الجانبين، من دون أن ننسى سياسة تفضيل المصالح الإسرائيلية، لكن الإدارات الأميركية كانت جميعها تأخذ باعتبارها الجانب الفلسطيني ووجوده، وإيجاد كيانٍ له، ولو على جزرٍ متناثرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، غير أن ترامب يحاول أن يمحو أثر هذا الشعب، ويقضي على قضيته، متبعاً سياسة راديكالية، قال مرة إن من سبقوه في إدارة البيت الأبيض كانوا متردّدين في اتباعها. كما كان مناقضاً لمن سبقوه من رؤساء بتميزه عنهم بعدم انتقاده الاستيطان غير الشرعي في الضفة الغربية.
وأتبَع ترامب خطوة الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، بخطواتٍ أخرى، يمكن وصفها بالجذرية أيضاً، منها وقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وهو الدعم السنوي الذي كانت تتلقاه من الولايات المتحدة، وكان يشكل ثلث ميزانية الوكالة، قبل أن يتدهور وتتضاءل نسبته، إلى أن وصل إلى حد القطع على يد ترامب، نهاية أغسطس/ آب الماضي. وتندرج هذه الخطوة ضمن خطة تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين. كما برز قرار وقف أنشطة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، في الأراضي الفلسطينية. وهنالك أيضاً وقف تمويل مشافي شرق القدس. علاوة على تشجيع واشنطن السلطات الإسرائيلية على التضييق على عمل منظمات الأمم المتحدة. وتزامنت جميع هذه القرارات والممارسات مع قرار إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وهو ما يعد مؤشراً على نية واشنطن إيلاء الأذن الأميركية الصماء للصوت الفلسطيني الذي قد يضعها أمام تداعيات قراراتها.
وتندرج هذه القرارات جميعها في إطار خطة تصفية القضية الفلسطينية، المتوافق عليها أميركياً مع الإسرائيليين، فقضيتا القدس واللاجئين كانتا عقبة دائمة في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وحيث أن القضيتين من القضايا المركزية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي جعل على مر زمن النكبة جذوته مشتعلة، يُراد إلغاؤهما من أجل أن تخفت هذه الجذوة. وتهدف إدارة ترامب من هذه الممارسات إلى زيادة يأس الشعب الفلسطيني، للضغط على قيادته لقبول "صفقة القرن" التي جرى ترويجها منذ أيام ترامب الأولى في البيت الأبيض. ولم تكن خطوة ترامب تشجيع الإسرائيليين على التضييق على عمل الأمم المتحدة سوى من أجل قطع الطريق على من يود، من العرب وغيرهم، تعويض نقص التمويل الأميركي، لكيلا تذهب القرارات الأميركية سدىً، وتفشل خطة فرض صفقة القرن.
ربما لم يحسب الرئيس الأميركي أن حالة التجويع واليأس التي يريد أن يُدخل الشعب الفلسطيني فيها قد تكون لها انعكاسات تتعدى الأراضي الفلسطينية، فتضرب الأراضي المحتلة، وتؤثر على علاقة ترامب مع عدد من حلفائه الذين يؤوون اللاجئين الفلسطينيين، والذين قد يرفضون صفقة القرن التي تتضمن بند توطين اللاجئين الفلسطينيين وتجنيسهم في دول الشتات العربي، فهذه المسألة هي، على سبيل المثال، مسألة مصيرٍ بالنسبة للبنانيين كثيرين يرون في توطينهم وإعطائهم الجنسية اللبنانية إلغاءً لحالة التوازن الطائفي التي تقوم عليها صيغة التوافق اللبنانية. كما إنها مسألة محسومة، رفضتها الحكومات السورية، ولا يساعد الوضع السوري في الخوض فيها هذه الأيام.
يرى محللون غربيون أن هذه القرارات جزء من المهمة التي باتوا مقتنعين أن ترامب ضالع فيها، وهي مهمة التدمير التي تقف خلفها نزعته التدميرية التي تدك حصون كل المرتكزات الأخلاقية وقيم العمل السياسي والمؤسسات، وهي لذلك ستكون جالبة التطرّف والعنف إلى المنطقة؛ تطرّف حكومات ومؤسسات، ربما، وتطرّف أفراد ينازعون للبقاء، وليس لديهم سوى أكل أعدائهم للمحافظة على وجودهم. وسيكون المحتلون الإسرائيليون أول من سيدفع ثمن هذه السياسات، حيث ستؤدي إلى ترجيح كفة المعارضين للحل السياسي على كفة المنادين به بين القيادات الفلسطينية. كما أنها ستعيد خيارات الانتفاضة والعمليات العسكرية والانتحارية لتغيير الواقع. وقد أثبتت مسيرات العودة في غزة استعداد الشعب للتضحية من جديد، حيث سيدفع الإحباط واليأس الفلسطينيين في المناطق الأخرى إلى ابتداع أشكال مقاومةٍ شبيهةٍ بالتي ابتدعها الغزّيون، وهنا سيكون مبدأ "أمن إسرائيل" أول ضحايا سياسة ترامب.
هنالك من وصف الرئيس الأميركي بالمتهور، وهنالك من شكّك بقدراته الذهنية ورجاحة عقله، لكن الجميع لمسوا مدى عدائه للعشب الفلسطيني. الأمر هنا مختلف عما برز في سياساته تجاه كوريا الشمالية والصينيين والأوروبيين، إنها قضية عداء منقطع النظير، لم يسبقه إليها رئيس أميركي من قبل. كما إنها قضية صبغت نصف القرن السابق بصبغتها، ومآسيها، وها هي تصبغ الربع الأول من القرن الحالي، وليس معلوماً كم ستساهم قرارات ترامب في امتدادها المستقبلي.
لطالما كانت السياسة الأميركية شديدة الانحياز لإسرائيل، وسخيةً بالعطاءات الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية لها، لكنها كانت حريصةً على السير بمسيرة التسوية لحل الصراع العربي - الإسرائيلي، والفلسطيني - الإسرائيلي لوقف حالة العداء بين الجانبين، من دون أن ننسى سياسة تفضيل المصالح الإسرائيلية، لكن الإدارات الأميركية كانت جميعها تأخذ باعتبارها الجانب الفلسطيني ووجوده، وإيجاد كيانٍ له، ولو على جزرٍ متناثرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، غير أن ترامب يحاول أن يمحو أثر هذا الشعب، ويقضي على قضيته، متبعاً سياسة راديكالية، قال مرة إن من سبقوه في إدارة البيت الأبيض كانوا متردّدين في اتباعها. كما كان مناقضاً لمن سبقوه من رؤساء بتميزه عنهم بعدم انتقاده الاستيطان غير الشرعي في الضفة الغربية.
وأتبَع ترامب خطوة الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، بخطواتٍ أخرى، يمكن وصفها بالجذرية أيضاً، منها وقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وهو الدعم السنوي الذي كانت تتلقاه من الولايات المتحدة، وكان يشكل ثلث ميزانية الوكالة، قبل أن يتدهور وتتضاءل نسبته، إلى أن وصل إلى حد القطع على يد ترامب، نهاية أغسطس/ آب الماضي. وتندرج هذه الخطوة ضمن خطة تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين. كما برز قرار وقف أنشطة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، في الأراضي الفلسطينية. وهنالك أيضاً وقف تمويل مشافي شرق القدس. علاوة على تشجيع واشنطن السلطات الإسرائيلية على التضييق على عمل منظمات الأمم المتحدة. وتزامنت جميع هذه القرارات والممارسات مع قرار إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وهو ما يعد مؤشراً على نية واشنطن إيلاء الأذن الأميركية الصماء للصوت الفلسطيني الذي قد يضعها أمام تداعيات قراراتها.
وتندرج هذه القرارات جميعها في إطار خطة تصفية القضية الفلسطينية، المتوافق عليها أميركياً مع الإسرائيليين، فقضيتا القدس واللاجئين كانتا عقبة دائمة في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وحيث أن القضيتين من القضايا المركزية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي جعل على مر زمن النكبة جذوته مشتعلة، يُراد إلغاؤهما من أجل أن تخفت هذه الجذوة. وتهدف إدارة ترامب من هذه الممارسات إلى زيادة يأس الشعب الفلسطيني، للضغط على قيادته لقبول "صفقة القرن" التي جرى ترويجها منذ أيام ترامب الأولى في البيت الأبيض. ولم تكن خطوة ترامب تشجيع الإسرائيليين على التضييق على عمل الأمم المتحدة سوى من أجل قطع الطريق على من يود، من العرب وغيرهم، تعويض نقص التمويل الأميركي، لكيلا تذهب القرارات الأميركية سدىً، وتفشل خطة فرض صفقة القرن.
ربما لم يحسب الرئيس الأميركي أن حالة التجويع واليأس التي يريد أن يُدخل الشعب الفلسطيني فيها قد تكون لها انعكاسات تتعدى الأراضي الفلسطينية، فتضرب الأراضي المحتلة، وتؤثر على علاقة ترامب مع عدد من حلفائه الذين يؤوون اللاجئين الفلسطينيين، والذين قد يرفضون صفقة القرن التي تتضمن بند توطين اللاجئين الفلسطينيين وتجنيسهم في دول الشتات العربي، فهذه المسألة هي، على سبيل المثال، مسألة مصيرٍ بالنسبة للبنانيين كثيرين يرون في توطينهم وإعطائهم الجنسية اللبنانية إلغاءً لحالة التوازن الطائفي التي تقوم عليها صيغة التوافق اللبنانية. كما إنها مسألة محسومة، رفضتها الحكومات السورية، ولا يساعد الوضع السوري في الخوض فيها هذه الأيام.
يرى محللون غربيون أن هذه القرارات جزء من المهمة التي باتوا مقتنعين أن ترامب ضالع فيها، وهي مهمة التدمير التي تقف خلفها نزعته التدميرية التي تدك حصون كل المرتكزات الأخلاقية وقيم العمل السياسي والمؤسسات، وهي لذلك ستكون جالبة التطرّف والعنف إلى المنطقة؛ تطرّف حكومات ومؤسسات، ربما، وتطرّف أفراد ينازعون للبقاء، وليس لديهم سوى أكل أعدائهم للمحافظة على وجودهم. وسيكون المحتلون الإسرائيليون أول من سيدفع ثمن هذه السياسات، حيث ستؤدي إلى ترجيح كفة المعارضين للحل السياسي على كفة المنادين به بين القيادات الفلسطينية. كما أنها ستعيد خيارات الانتفاضة والعمليات العسكرية والانتحارية لتغيير الواقع. وقد أثبتت مسيرات العودة في غزة استعداد الشعب للتضحية من جديد، حيث سيدفع الإحباط واليأس الفلسطينيين في المناطق الأخرى إلى ابتداع أشكال مقاومةٍ شبيهةٍ بالتي ابتدعها الغزّيون، وهنا سيكون مبدأ "أمن إسرائيل" أول ضحايا سياسة ترامب.
هنالك من وصف الرئيس الأميركي بالمتهور، وهنالك من شكّك بقدراته الذهنية ورجاحة عقله، لكن الجميع لمسوا مدى عدائه للعشب الفلسطيني. الأمر هنا مختلف عما برز في سياساته تجاه كوريا الشمالية والصينيين والأوروبيين، إنها قضية عداء منقطع النظير، لم يسبقه إليها رئيس أميركي من قبل. كما إنها قضية صبغت نصف القرن السابق بصبغتها، ومآسيها، وها هي تصبغ الربع الأول من القرن الحالي، وليس معلوماً كم ستساهم قرارات ترامب في امتدادها المستقبلي.