19 ابريل 2021
ترامب رئيساَ
لم يسقط دونالد ترامب من السماء، لقد أنبتته أرضٌ ألفت إنبات رؤساء ليسوا اليوم، ولم يكونوا بالأمس، أفضل منه، كباراك أوباما الذي لعب دورا مفتاحياً في إنجاحه بانتخابات الرئاسة، وهزيمة هيلاري كلينتون، على الرغم من أنه دعا الأميركيين إلى انتخابها، بيد أنه وضع الأساس اللازم لنجاح ترامب، من خلال سياساتٍ اعتمدها، ناهضت بعنادٍ أي مبدأ يتصل بالحرية، وحقوق الإنسان والمواطن، والنزعة الإنسانية وقيمها الكونية المشتركة التي جعلت حياة البشرية محتملةً وقادرةً على الاستمرار، وتفرّجت بأبرد دمٍ يمكن تصوّره على أفظع مذبحةٍ منظمةٍ، يتعرّض لها شعب سورية الأعزل، من دون أن ترى في وقوعها ما يدعوها إلى فعل أي شيء ضد المجرم بشار الأسد، أو تحجم عن تصفية حساباتها مع إيران وروسيا بدماء ضحاياها السوريين، أو حتى تقلع عن الاستمتاع بمشهد دمائهم، وهي تتدفق أنهاراً من أجساد أطفالهم ونسائهم وشيوخهم، ممن يحاصرهم جيش الأسد وإيران ومرتزقتهما، وقد هدّهم الجوع والمرض، وقضت عليهم صواريخ وبراميل متفجرة تهطل عليهم كالمطر، وقنابل روسية فوسفورية حارقة، وأخرى ارتجاجية، أمر بوتين بتجربتها عليهم، لأن ذلك أفضل من تجربتها في المناورات العسكرية، كما قال لجنرالاته.
في ظل انهيار النظام الدولي، وتداعي النظام القانوني والشرعي الذي نهض عليه، وعطلته تناقضات روسية/ أميركية، ورثاثة الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، التي بلغت حدود الجبن، وأعدمت شعوره بالمسؤولية، وفي ظل افتقار العالم إلى حسٍّ أخلاقي يُلزمه بحماية الشعب السوري من القتل والاعتقال والتهجير والتجويع، هل يتوقع أحد أن يخرج من القدر الأميركية غير ما وضعه عهد أوباما فيها من انحطاطٍ سياسي وأخلاقي؟.
كان المرشح الديمقراطي الآخر للرئاسة، بيرني ساندرز، يؤكد، في حملته الانتخابية القصيرة، حاجة أميركا إلى إصلاح هيكلي وعميق، يطاول نظامها، والأسس التي يقوم عليها. وحين
منعته المؤسسة الديمقراطية، الحزبية والرئاسية، من مواصلة حملته الانتخابية، تصرّفت هيلاري كلينتون وكأن الحاجة إلى إصلاح أميركا انتفت، وتبنت سلوكاً يشبه حكي عجائز الحمامات، جوهره مناقرة ترامب، والنزول إلى مستواه الكلامي و"الرؤيوى"، بينما كان هو يحشد غضب عوام أميركا البيض ضد المسلمين والنساء والسود، وضد الطبقة السياسية الجمهورية/ الديمقراطية ووسائل الإعلام ومراكز الأبحاث، ويصوّر نفسه ثورياً مظلوما تنبذه هذه الطبقة، وتتجنى عليه وسائل إعلامها ومراكز أبحاثها، لأنه يدافع عن "القيم الأميركية" الأصيلة. بهذا السلوك الذي حرّض مشاعر عنصرية ومعادية للآخر والمختلف، استغل ترامب أنانية الفئات الميسورة والشرائح مرتفعة الأجر، ورفضها سياسات أوباما الاجتماعية، وخصوصاً منها تلك التي اتّسمت بشيء من التكافل الاجتماعي كبرنامجه الصحي، وأفاد أيضاً من غياب الفكرة الإصلاحية عن الحملات الانتخابية، ليطرح رؤيته المشحونة بقدرٍ من التعصب والأحكام المسبقة لم تألفه حياة أميركا السياسية من قبل، وأوقظ أحقاد البيض على "ملوّني" أميركا الذين اعتبرهم طفيليين ومعادين لها، سواء كانوا عرباً أم أفارقة أم أميركيين لاتينيين... إلخ. في هذه الأثناء، واصلت حملة كلينتون تجاهل حاجة أميركا إلى الإصلاح، وتعامت عمّا كانت حملة ساندرز قد شهدته من إقبال كثيف للشباب، ومن حماسة سياسية للإصلاح تذكر بحماسة شبان العالم العربي للثورة. وفي حين كان هؤلاء ينتظرون أن تكون استمرارا لساندرز وبديلاً لترامب، وجدوا أنها تشبه خصمها الانتخابي، وإن اختلفت لغتها في هذه الجزئية أو تلك عن لغته، وأنها مستسلمةً لعالم زوجها الذي فات زمانه، ولسياسات أوباما الذي غدا محطّ احتقار أميركي عام، بسبب حكمه العديم الدينامية في الداخل، ولم يحقق أيّ نجاحٍ في الخارج غير استكمال تسليم العراق لإيران الذي كانت قد بدأته إدارة بوش الابن، والموافقة على تدمير سورية بيد الأسد وسادته في طهران، فضلا عن تسليمها وحوض المتوسط الشرقي لروسيا.
هذا الانحطاط في الطبقة السياسية الذي صحبه انحطاط أشد، وعنصري، لدى فئات مجتمعية واسعة، خصوصاً في المدن الصغيرة والأرياف، عبّر عن نفسه في النجاح المباغت والساحق لرجلٍ متهتكٍ وجاهلٍ وعدوٍّ للقيم الإنسانية الذي يتباهى بتصميه على اعتبار الحياة العامة ساحةً تربّح كالذي يطبع عمله في شركاته، وعرف كيف يفيد من "انقسام المجتمع الأميركي الأشد عمقاً مما كنا نعتقد"، حسب اعتراف هيلاري، ومن تجميع التيارات العنصرية المعادية لكل ما هو تقدمي وإنساني، غير محافظ أو رجعي، ومن بيع شعاراته للقطاع البروتستانتي والأبيض والأنغلوسكسوني من الأميركيين، المذعور من كثافة اللونين، الأسود والبني، في الشوارع
الأميركية، ويعتقد أن الملونين والمختلفين غزاةٌ، لا بد من مقاومتهم، في حين عزّز نبذ الطبقة السياسية له شعور هؤلاء بانتمائه إليهم وانتمائهم إليه، وزاد من دعمهم له ما تأكّد من افتقاره إلى أية رؤيةٍ تتجاوز أفقهم المحدود والضيق الذي يحمل سمات (وأحكام) الطبقات الحاكمة المسبقة في بلدان (ودول) الليبرالية الجديدة التي يتصل معظمها بصراع الهويات الدينية والمذهبية، وما تطلقه من أدلجة مسيحيةٍ مذهبية الطابع ومعادية للمغاير. وفي الوقت نفسه، من شعارات مناهضة للتنوير ونزعاته الإنسانية، ولقيمه وتسامحه، ما تجسد في أشنع صوره من خلال ما يتعرّض له الشعب السوري من إبادة، وسط إحجام قادة "العالم الحر" عن فعل أي شيء لوقفها، وشعوبه عن تنظيم مظاهرة استنكارٍ واحدةٍ تطالب بوقف إبادته، أقله لأنه لم يطالب في حراكه بغير قيمة القيم التنويرية التي يدّعي العالم الحرّ تمسكه بها: عنيت الحرية التي يُقال إنها مكتسبٌ لكل إنسان وشعب الحق في بلوغه، والمبدأ الذي لا بد أن يخترق الحياة الدولية، ويحظى بقبولٍ عالمي.
والآن، وقد فاز ترامب، يبقى السؤال: هل سيتحدى رثاثته والشرط السياسي/ الاجتماعي الذي أنجب ظاهرته المرعبة، ووضعه على رأس أكبر وأقوى دولة في العالم خلال أشهر قليلة، في واحدةٍ من أسوأ ظواهر الانحطاط السياسي والقيمي التي عرفها التاريخ، بعد هتلر؟ وهل سنواصل، في المعارضة السورية، تجاهل التصدّي للحاضنة التي أنجبته، أم سنبادر، أخيراً، إلى وضع خطةٍ ثوريةٍ بحق، تتحدّى ليس فقط مفارقات انتخابات أميركا، بل كذلك عصر الانهيار والانحطاط الليبرالي الكوني الذي ندفع ثمنه من دمائنا، ويجعل من بوتين ترامباً روسيا، ومن ترامب بوتيناً أميركيا، ومن الأسد مرتزقاً إيرانياً، ومن خامنئي قاتلاً أسدياً، ويعدنا بمواصلة إبادتنا، إذا لم نخرج منه ونتحدّاه بواقعية برامجنا وثورية مواقفنا وتضحيات شعبنا، فلا يكون هناك، عندئذ، أي خوفٍ من دونالد ترامب وأشباهه، لأن قدرتنا على المقاومة ستتصاعد إلى حدٍّ يجعل من الصعب على أي ترامب، روسيا كان أو أميركياً أو أسديا أو إيرانياً، تجاهل حق شعبنا في الحرية والحياة.
في ظل انهيار النظام الدولي، وتداعي النظام القانوني والشرعي الذي نهض عليه، وعطلته تناقضات روسية/ أميركية، ورثاثة الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، التي بلغت حدود الجبن، وأعدمت شعوره بالمسؤولية، وفي ظل افتقار العالم إلى حسٍّ أخلاقي يُلزمه بحماية الشعب السوري من القتل والاعتقال والتهجير والتجويع، هل يتوقع أحد أن يخرج من القدر الأميركية غير ما وضعه عهد أوباما فيها من انحطاطٍ سياسي وأخلاقي؟.
كان المرشح الديمقراطي الآخر للرئاسة، بيرني ساندرز، يؤكد، في حملته الانتخابية القصيرة، حاجة أميركا إلى إصلاح هيكلي وعميق، يطاول نظامها، والأسس التي يقوم عليها. وحين
هذا الانحطاط في الطبقة السياسية الذي صحبه انحطاط أشد، وعنصري، لدى فئات مجتمعية واسعة، خصوصاً في المدن الصغيرة والأرياف، عبّر عن نفسه في النجاح المباغت والساحق لرجلٍ متهتكٍ وجاهلٍ وعدوٍّ للقيم الإنسانية الذي يتباهى بتصميه على اعتبار الحياة العامة ساحةً تربّح كالذي يطبع عمله في شركاته، وعرف كيف يفيد من "انقسام المجتمع الأميركي الأشد عمقاً مما كنا نعتقد"، حسب اعتراف هيلاري، ومن تجميع التيارات العنصرية المعادية لكل ما هو تقدمي وإنساني، غير محافظ أو رجعي، ومن بيع شعاراته للقطاع البروتستانتي والأبيض والأنغلوسكسوني من الأميركيين، المذعور من كثافة اللونين، الأسود والبني، في الشوارع
والآن، وقد فاز ترامب، يبقى السؤال: هل سيتحدى رثاثته والشرط السياسي/ الاجتماعي الذي أنجب ظاهرته المرعبة، ووضعه على رأس أكبر وأقوى دولة في العالم خلال أشهر قليلة، في واحدةٍ من أسوأ ظواهر الانحطاط السياسي والقيمي التي عرفها التاريخ، بعد هتلر؟ وهل سنواصل، في المعارضة السورية، تجاهل التصدّي للحاضنة التي أنجبته، أم سنبادر، أخيراً، إلى وضع خطةٍ ثوريةٍ بحق، تتحدّى ليس فقط مفارقات انتخابات أميركا، بل كذلك عصر الانهيار والانحطاط الليبرالي الكوني الذي ندفع ثمنه من دمائنا، ويجعل من بوتين ترامباً روسيا، ومن ترامب بوتيناً أميركيا، ومن الأسد مرتزقاً إيرانياً، ومن خامنئي قاتلاً أسدياً، ويعدنا بمواصلة إبادتنا، إذا لم نخرج منه ونتحدّاه بواقعية برامجنا وثورية مواقفنا وتضحيات شعبنا، فلا يكون هناك، عندئذ، أي خوفٍ من دونالد ترامب وأشباهه، لأن قدرتنا على المقاومة ستتصاعد إلى حدٍّ يجعل من الصعب على أي ترامب، روسيا كان أو أميركياً أو أسديا أو إيرانياً، تجاهل حق شعبنا في الحرية والحياة.