ترامب "مرشح الكرملين" يقترب من حكم "العالم الحر"

05 مايو 2016
يقود ترامب حملة شعبوية بشعارات قومية (Getty)
+ الخط -
البرقيات من السفارات الأميركية حول العالم ستنهال على وزارة الخارجية في حيّ فوغي بوتوم، واشنطن، خلال الأيام والأسابيع المقبلة، تحمل هواجس حلفاء واشنطن حول العالم من هذا التحوّل المتوقّع في السياسة الأميركية. فلا شيء بعد الآن سيمنع رجل الأعمال الثري دونالد ترامب من نيل ترشيح الحزب الجمهوري ليصبح على قاب قوسين من حكم "العالم الحر".

وبعد سباق رئاسي بين 17 مرشحاً جمهورياً شهد مناظرات حادة وإهانات متبادلة، بقي ترامب حتى النهاية ليمثّل حزب الرئيس الـ16 للولايات المتحدة، أبراهام لينكولن، في الانتخابات الرئاسية، الخريف المقبل، على الرغم من أن المواقف التي يقترحها ترامب لا تتماشى مع المبادئ الجمهورية المحافظة من ناحية السياسات المالية والاجتماعية والخارجية. يقود رجل الأعمال حملة شعبوية بشعارات قومية يختصرها بـ"أميركا أولاً" لوقف دخول المهاجرين بطريقة غير شرعية، وتقليص الدين العام، وتعزيز قوة العسكر، ووقف حماية الحلفاء من دون مقابل.

وعلى الرغم من قلة خبرته السياسية، يؤشر صعوده إلى يأس الجمهوريين من المؤسسة الحزبية ونتيجة هوس الإعلام الأميركي بتغطية ترامب من دون تقييم سياساته بجدية أو محاسبته على مسيرته. بعض هذا الإعلام يصف ترامب، اليوم، بأنه "مرشح الكرملين"، في وقت تستقطب حملته ناخبين جدداً، بعضهم يميني متطرف، إلى الحزب الجمهوري، وتشجع على العنف في بعض الأحيان، وقد يزداد التوتر الآن بعد التأكد من نيله ترشيح الحزب.

خطاب الفوز لترامب بعد انتخابات إنديانا، أمس الأول، كان هادئاً ووحدوياً، وستكون الأنظار موجّهة إليه في الفترة المقبلة لمعرفة ما إذا كان هذا الرجل سيحاول تعديل خطابه والتقارب مع المؤسسة الحزبية. التحدي الرئيسي أمام ترامب يكمن في تجاوز كل ما قاله خلال الحملات الانتخابية حتى اليوم. على عكس الناخب الجمهوري، الناخب العام لا يتساهل مع الأخطاء والتطرف.

الأهم بالنسبة لترامب، أنه لا ضرورة بعد الآن للتكهن بسيناريوهات الفوضى في المؤتمر الحزبي في أوهايو، الصيف المقبل. فالمؤسسة الحزبية رضخت على مضض لـ"تسونامي" ترامب الذي سيقود حزباً جمهورياً يتحفظ على أفكاره وأسلوبه. حملة "أوقفوا ترامب" بين الجمهوريين انقسمت الآن بين معسكر أول يقر بأنه المرشح الوحيد الذي يجب دعمه حفاظاً على وحدة الحزب، ومعسكر آخر يؤكد أنه لن يصوّت أبداً لترامب. قد يتعزز الآن الحديث في الأوساط الجمهورية عن فكرة طرح مرشح ثالث ليكون بديلاً عن ترامب ومرشحة الحزب الديمقراطي المفترضة هيلاري كلينتون. لكن المؤسسة الحزبية ترفض تقويض بنى الحزب التحتية ولن يكون من السهل إيجاد مرشح يتطوّع لمهمة تحتاج إلى قدرة كبيرة من التمويل الذاتي.

رئيس الحزب الجمهوري، رينس بريبوس، غرّد عبر "تويتر"، قائلاً إنّ "ترامب سيكون مرشح الحزب الجمهوري"، داعياً إلى "التركيز على هيلاري كلينتون". لكن يُتوقع أن تخرج تباعاً أصوات جمهورية تؤيد كلينتون نتيجة رفضها المطلق لترامب، لا سيما من النخب المحافظة ومن مسؤولي الأمن القومي السابقَين. هذا الأمر سيساعد كلينتون بطبيعة الحال. لكن التحدي أمامها ليس فقط شعبيتها المنخفضة، بل في تمكّنها من صياغة خطاب قادر على استقطاب الجمهوريين المنزعجين من ترامب مع الاستمرار بمغازلة القاعدة اليسارية التي تلتف حول منافسها الديمقراطي، السيناتور بيرني ساندرز. كلينتون حسمت مسألة ترشيحها عددياً على الرغم من خسارتها أمام ساندرز في ولاية إنديانا، إذ إنّ طريق فوز ساندرز بترشيح الحزب لا يزال شبه مستحيل حسابياً. وأصبح هدف ساندرز البقاء في السباق حتى المؤتمر الحزبي ليفرض قدر الإمكان على هيلاري والمؤسسة الحزبية جدول أعمال يسارياً.

المرشح الجمهوري السيناتور تيد كروز، الذي أعلن خروجه من السباق الرئاسي بعد انتخابات إنديانا، فشل في إدارة التحوّل في حملته خلال الأسابيع الأخيرة. المحافظ التقليدي الذي بنى شعاراته على تحدي المؤسسة الحزبية، وجد نفسه أمام مرشح يفوقه شعبوية، فانتقل في الأشهر الأخيرة من مغازلة ترامب إلى التودد للمؤسسة الحزبية.

وفي قرار سابق لأوانه، اختار كروز لمنصب نائب الرئيس المرشحة السابقة كارلي فيورينا، لكن كل ما فعله لم يوقف أرقام ترامب في صناديق الاقتراع. الأيام الأخيرة لم تكن جيدة لكروز. الأخطاء لاحقت حملته، وكان متوتراً في التعامل مع ناخبين يستفزونه في المهرجانات الانتخابية. ساعات قبل انسحابه من السباق الرئاسي، وصف كروز ترامب بأنه "زير نساء" و"نرجسي"، وخلال خطاب التنحي، لم يذكر ترامب حتى.

أمام هذه التطورات، يصعب على المرشح الجمهوري "المفترض" مدّ الجسور مع بعض منافسيه السابقين لتوحيد صفوف الحزب، فإهاناته كانت شخصية في معظم الأحيان، لكن المعركة التي بدأت مع هيلاري لها ضوابط وحسابات مغايرة عن حسابات الانتخابات التمهيدية.

المساهمون