أثّر توالي سنوات الجفاف على النظام الاجتماعي لسكان موريتانيا الذين دأبوا على مساعدة بعضهم البعض وتبادل المنتجات الفلاحية وإيواء الرحل والمحتاجين وغير ذلك من صور التكافل الاجتماعي، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الإعالة والهجرة نحو المدن.
ونتج عن ذلك خلل في التوازن والتماسك الاجتماعي بين الأسر الممتدة التي تشمل الأقارب والأعمام، وتراجع النظام الاجتماعي الذي كان يطبع المجتمع القروي؛ سواء من ناحية الإنتاج أو الاستغلال، وتولدت علاقات جديدة رفعت نسبة الأسر الصغيرة في الوسط الريفي، وغيّرت سلوكيات المجتمع الموريتاني الذي شب على شظف العيش.
وتقول الناشطة في الميدان الاجتماعي، عائشة بنت سيد أحمد، إن التحولات الاجتماعية والاقتصادية قلصت إلى حد كبير مظاهر التكافل الاجتماعي التي كانت سائدة في موريتانيا، حيث كانت الأسر تحرص على مجموعة من العادات المرتبطة بمساعدة المحتاجين وإكرام الضيف، واستضافة الأقارب لمدة طويلة. وقد شكلت صور التكافل الاجتماعي حلا بالنسبة لكثير من الفقراء والمحتاجين والأرامل والمطلقات، وساعدت كثيرين على تحمل مسؤولية إعالة الأسرة في حال غياب المعيل أو معاناته الفقر والبطالة أو الظروف الطارئة.
وتضيف أن "التكافل الاجتماعي في القرى كان يعود بالنفع على الجميع، حيث إنه يقوم على أساس التعاون للقيام بالأعمال الفلاحية، فمقابل الإيواء والمساعدة العينية يقوم الطرف الآخر بالمساعدة بشكل طوعي في الأعمال الزراعية، مما حقق مردودا إيجابيا من خلال استغلال السواعد والطاقات والقيام بالمبادرات الاجتماعية التي تتطلب التعاون والتضامن".
وتشير بنت سيد أحمد إلى أنه رغم التغيرات التي طرأت على المجتمع القروي بموريتانيا، فإن أكثر ما أثر بشكل سلبي على حياة سكان الريف هو تراجع قيم التكافل الاجتماعي، وتؤكد أن عمل الجمعيات التطوعية في الأرياف يحاول بإمكانياته المحدودة إعادة هذه القيم وتشجيع القرويين على البقاء في قراهم وعدم الهجرة نحو المدن.
ورغم التفاوت البسيط في مستويات معيشة العوائل في القرى والأرياف بسبب تدني الدخول وارتفاع نسبة الإعالة التي تحد من كفاءة دخل الأسرة وقدرتها على الادخار، فإن غياب التكافل الاجتماعي دفع القرويين إلى الهجرة نحو المدن بحثا عن مورد رزق.
ويقول الباحث الاجتماعي محمد أحمد ولد البوه، إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ساهمت في تراجع التكافل الاجتماعي بشكل كبير، وخاصة في الأرياف.
ويرجع الباحث ذلك لعدة أسباب، بينها الجفاف الذي ضرب البلاد وأدخل سكان الأرياف في أزمة حقيقية، ولم يعد بإمكانهم الوفاء بواجب التكافل، فأدى ذلك إلى ارتفاع الهجرة نحو المدن، فيما حاول البعض استبدال مهنة الرعي والزراعة ببعض المهن الشاقة والخطرة أحيانا؛ بغية تلبية احتياجات الأسرة كحفر الآبار.
ويضيف ولد البوه، لـ"العربي الجديد"، أن تراجع التكافل الاجتماعي في الريف أدى إلى تخلي كثيرين عن حياة الترحال، حيث كانوا يتنقلون بمواشيهم بين أقاربهم للتزود بالمؤونة، والتحق آخرون بالمدن والتجمعات القروية بحثا عن الاستفادة من المساعدات الغذائية التي عملت الدولة على تقديمها للمواطنين.
ويشير إلى أنه من بين النتائج الإيجابية لظاهرة تأثر قيم التكافل بين القرويين وارتفاع الهجرة في أوساطهم، الإقبال على العمل الحرفي ومحاربة العقليات الاتكالية، إلا أنه على الرغم من ذلك، فإن غياب التكافل الاجتماعي يخلق الكثير من المشكلات ويفرض على المجتمع القروي تحديا كبيرا لايزال غير قادر على مواجهته.
ويعاني سكان الأرياف في موريتانيا من ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، حيث تعجز بعض العائلات الريفية عن إطعام أطفالها، وتدفع هشاشة الوضع الغذائي في الريف الموريتاني الحكومة إلى توجيه نداء إلى المجموعة الدولية للحصول على المساعدات الغذائية.