ثلاثة أشهر فقط تفصل العراقيين عن الموعد المقرر لإجراء الانتخابات المحلية، التي تنتج الحكومات المحلية للمحافظات العراقية، بما فيها العاصمة بغداد. وتعتبر بطبيعة الحال مؤشرا على من سيتصدر الفائزين في انتخابات البرلمان المقررة مطلع العام المقبل، إلا أن أي مؤشرات على إمكانية إجراء هذه الانتخابات غير متوفرة حالياً، فدعوات إعلان تأجيلها تزامنت مع محاولات عرقلة الأحزاب لها من خلال عدم تقديمهم أسماء مرشحيهم لخوض الانتخابات، رغم مرور 10 أيام على انتهاء المهلة التي حددتها مفوضية الانتخابات كآخر يوم لتسليم الأحزاب أسماء مرشحيهم وهو 12 يونيو/حزيران الحالي.
ولوحظ أن الأحزاب الكبيرة أو تلك التي تمسك بالسلطة هي من تخلفت عن تقديم أسماء مرشحيها لمفوضية الانتخابات، كما أنها نفسها انقسمت بين مطالب بإبقاء المفوضية وبين مصرّ على إقالتها قبل إجراء الانتخابات. في المقابل، فإن المفوضية نفسها لم تنه تحديث قاعدة بيانات الناخبين وتهيئة مراكز الاقتراع وحل مشكلة نحو 4 ملايين نازح وطريقة اقتراعهم فضلاً عن عراقيي المهجر.
مسؤول عراقي بارز في مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي قال لـ"العربي الجديد"، إن "اجراء الانتخابات بعد نحو 3 أشهر سيكون مستحيلاً". وبيّن أن "هناك رغبة كبيرة في تأجيل الانتخابات المحلية، لدمجها مع البرلمانية في إبريل/نيسان المقبل، أي بعد أقل من 10 أشهر من الآن، وهو ما ترغبه أحزاب رئيسية في السلطة، لكن الأميركيين لا يريدون تأجيل الانتخابات المحلية فقط، بل حتى البرلمانية. وهم أبلغوا أكثر من مسؤول عراقي بأن الأجواء الحالية موبوءة ولن تتمخّض عنها أي حكومة ديمقراطية تخدم العراقيين. وهم مع حكومة طوارئ لعامين آخرين برئاسة العبادي، لحين إعادة جميع النازحين لمناطقهم وتهيئة أجواء مناسبة تمنع أي تأثير لإيران أو مليشيات على الانتخابات، وتنظيم قانون داخلي جديد للانتخابات بالعراق عبر مفوضية جديدة يكون عملها بالشراكة مع الأمم المتحدة".
بدوره، أكد نائب رئيس الجمهورية إياد علاوي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بأنه "يسعى لإقناع الجميع بتأجيل الانتخابات المحلية ودمجها مع الانتخابات البرلمانية المقررة في إبريل 2018". وأوضح أن "الهدف هو إفساح المجال لتحقيق مشاركة جماهيرية واسعة وتقليل الجهود والتكاليف المادية". وأضاف أنه "بالنظر لتصاعد السجال حول الموضوع الانتخابي فإن تأجيل انتخابات مجالس المحافظات في عموم البلاد، ولحين طرد داعش من كل العراق وإعادة النازحين إلى مناطقهم واجبة وضرورة ملحة مع اجرائها بالتزامن مع انتخابات مجلس النواب في موعدها المحدد من العام المقبل".
وما زال البرلمان لم يحسم موقفه حتى الآن من المفوضية، فعلى الرغم من تصويت أعضائه على عدم قناعتهم بأجوبة رئيس مفوضية الانتخابات وأعضائها، إلا أنه لم يصدر أي قرار بشأنهم وأجّل ذلك لما بعد عطلته المقرر أن تنتهي مطلع الشهر المقبل. وهي سابقة لم تحدث من قبل بالعراق كما أنها مخالفة للدستور. وهو ما دعا أعضاء المفوضية إلى تقديم طلب رسمي بإحالتهم على التقاعد وفقاً لقانون المفوضية رقم (11) لسنة 2007.
ورأى مراقبون أن "هذا الأمر جاء استباقاً لما سيصدره البرلمان من قرار بحقهم، خصوصاً مع وجود أدلة ووثائق تشير إلى تورّط المفوضية بعمليات تزوير لصالح أحزاب دون أخرى وفساد مالي بانتخابات 2014 الماضية". وكشفت النائبة عن كتلة الأحرار ماجدة التميمي عن امتلاكها 100 ملف يُدين مفوضية الانتخابات، مؤكدة أن "بعضها قد تُدخل أعضاء المفوضية إلى السجن وأن تقديم أعضاء المفوضية طلباً لإحالتهم على التقاعد، جاء لعلمهم جيداً بأنه بعد شهر رمضان سوف يصوّت مجلس النواب على عدم مشاركتهم في الانتخابات المقبلة". وأفادت بأنها "استغلت فرصة العطلة التشريعية للبرلمان، وجهزت أكثر من 100 ملف لقضايا مالية ومخالفات بعضها يوصل إلى السجن"، لافتة إلى أن "الملفات جاهزة وسأرسلها إلى الادعاء العام".
من جانبه، ذكر عضو اللجنة القانونية النيابية فائق الشيخ علي، أن "نائب رئيس الجمهورية، الأمين العام لحزب الدعوة نوري المالكي، هو المستفيد الأول من بقاء مفوضية الانتخابات الحالية". وأعلن استعداده لـ"التضحية بالدم من أجل حل مجلس المفوضين وتعديل قانون الانتخابات".
وأوضح أن "هناك من هم في البرلمان يدافعون عن المفوضين ويحاول التقليل من شأن إقالتهم، وهم كل من عبد القهار السامرائي وحنان الفتلاوي ومحمد الحلبوسي"، متسائلاً: "لماذا لم يكشف الإعلام للرأي العام من هم المعرقلون لتغيير مفوضية الانتخابات وتشريع قانون آخر".
وأكد المختص بالشأن العراقي محمد جواد لطوفي، أن "الخلاف الدائر حالياً بشأن مفوضية الانتخابات، يمثل محاولة غير مباشرة لتأجيل الانتخابات المحلية المقبلة المقررة في سبتمبر/أيلول المقبل". وبيّن أن "تأخر الاتفاق على قانون الانتخابات، وعدم قيام الأحزاب بتسليم أسماء مرشحيها للمفوضية لغاية الآن، أمور تشير إلى وجود رغبة حقيقية لدى أغلب الأحزاب لتأجيل الانتخابات، لكنها تخشى الإفصاح عن ذلك خشية غضب الشارع الناقم على سياساتها السابقة".
ونوّه لطوفي إلى أن "حراك إقالة مفوضية الانتخابات يجعل أمر إجراء العملية الانتخابية في موعدها أقرب إلى المستحيل، بسبب عدم قدرة المفوضية الحالية، ولا حتى المقبلة، على استكمال جميع الإجراءات التي تتطلبها الانتخابات"، موضحاً أن "وجود قوى سياسية معارضة لوجود مفوضية الانتخابات وأخرى مؤيدة لها، ما هو إلا جزء من سيناريو متفق عليه لتأجيل الانتخابات المحلية وربما حتى البرلمانية".