تنتظر تونس العام الحالي استثمارات خارجية بنحو 3 مليارات دينار أي نحو مليار دولار، فيما كانت تأمل الأسواق مردودا أكثر إيجابية لهذه الاستثمارات على العملة المحلية.
ورغم تسجيل زيادة بنحو 27 بالمائة في الاستثمارات الأجنبية العام الماضي مقارنة بعام 2017، إلا أن النتائج المحققة لم تخدم وضع الدينار الذي يسجل تراجعا دورياً مقابل اليورو والدولار، ما يحد من انتفاع رصيد المركزي من العملة الصعبة من التدفقات المالية المتأتية من المشاريع الاستثمارية الجديدة.
وقالت بيانات وزارة الاستثمار والتعاون الدولي إن استثمارات خارجية تدفقت على تونس خلال عام 2018 بقيمة تزيد عن 2.866 مليار دينار (الدولار = نحو 3 دنانير) مقابل 2.247 مليار دينار في 2017 بزيادة 27.5 %، وهي أعلى حصيلة تحققها البلاد منذ سنة 2014.
وحسب ذات البيانات فقد تجاوزت تونس الأهداف المرسومة في استقطاب استثمارات خارجية بقيمة 2.5 مليار دينار لسنة 2018، وينتظر أن تستقطب البلاد في 2019 استثمارات خارجية بقيمة 3 مليارات دينار.
لكن زيادة الاستثمارات الخارجية التي سجلتها تونس لم يستشعر المهتمون بالشأن الاقتصادي أي تأثير لها على وضع الدينار الذي خسر في الفترة ما بين 2017 و2018 تراجعا يتراوح ما بين 20 و30 بالمائة مقارنة بالدولار واليورو.
ويرى الخبير في سياسات التنمية، صادق جبنون، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن تراجع سعر الدينار بفعل العجز التجاري المتفاقم "ابتلع" الزيادة في الاستثمارات الأجنبية، مشيرا إلى أن الكتلة النقدية لهذه الاستثمارات تقلصت مقارنة بـ2017 ولم ترتفع في واقع الأمر إذا تمت مقارنة سعر الصرف في تلك الفترة مقارنة بمعدلاته الحالية.
وقال جبنون إن الاستثمارات الخارجية التونسية لن تتجاوز في أقصى الحالات مليار دولار، رغم الجهودات المبذولة لجذب الأسواق الخارجية.
وأوضح أن البيروقراطية الإدارية والعقبات التشريعية تعرقل جذب الاستثمارات الأجنبية المطلوبة، داعيا إلى إقرار تشريعات تسهل الحرية الاقتصادية والاستفادة من المنظومة التشريعية للدول العربية الأكثر جذبا للاستثمارات الخارجية المباشرة ولا سيما دولة قطر، بحسب تأكيده.
في المقابل، كشف المسؤول عن وحدة الإحاطة بالمستثمرين الأجانب بوكالة النهوض بالاستثمار الخارجي حاتم السوسي، عن تواصل تدفق استثمارات أجنبية مباشرة على تونس العام الحالي، في قطاعات الصناعات الميكانيكية وتركيب الطائرات، مشيرا إلى أن هذه القطاعات تظل الأكثر جلبا للاستثمار الأجنبي المباشر.
وقال السوسي في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن تونس كسبت خبرة وقدرة تنافسية كبيرة في قطاعات الصناعات الميكانيكية والإلكترونية وتركيب أجزاء الطائرات، ما شجّع مستثمرين أوروبيين على إجراء توسعات مهمة في مصانعهم المركزة في تونس منذ سنوات.
وأضاف أن التوسعات التي تجريها الشركات العالمية في هذا المجال تساعد على تدفقات مالية مهمة للبلاد، لافتا إلى أن التدفقات في هذا الصنف من الاستثمارات قد تحتاج إلى فترة قد تصل إلى أربع سنوات.
وأفاد المسؤول بوكالة النهوض بالاستثمار الخارجي أن التدفقات المالية المتأتية من القطاع الخدماتي لا تحتاج إلى حيز زمني طويل، مؤكدا على ضرورة العمل على تنمية كافة فروع الاستثمار الخارجي والتوجه أكثر نحو السوق الآسيوية.
واعتبر أن الاهتمام الصيني المتزايد بالاستثمار في تونس خطوة عملاقة تخطوها تونس في اتجاه تغيير خارطة ونوعية الاستثمارات الخارجية المباشرة، معتبرا أن الإقبال الصييني سيكون محفزا لبقية الأسواق الآسيوية على التوجه نحو تونس.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، وقعت الحكومة التونسية والصين على مذكرات تفاهم لتنفيذ مشاريع بنى تحتية، وإنشاء منطقة صناعية في تونس، ويأتي ذلك في وقت تسعى فيه الحكومة لجذب استثمارات أجنبية للنهوض باقتصادها.
كما أبرمت تونس والصين مذكرة تفاهم لإنجاز الدراسات الفنية والاقتصادية الخاصة بتطوير منطقة صناعية في "جرجيس" جنوبي تونس، وإنشاء جسر يربط بين المنطقة الصناعية ومدينة أجيم في جربة، ومد سكة حديدية بطول 140 كيلومترا تربط بين مدينتي قابس ومدنين، وصولا إلى ميناء جرجيس.
وتواجه تونس التي لا تزال وجهة محبذة لدى رؤوس أموال أوروبية وعربية، في القطاعات الصناعية والخدماتية، منافسة شرسة في محيطها المغاربي والمتوسطي بسبب سعي متواصل لسحب جزء من الاستثمارات الأجنبية نحو هذه البلدان.