أجمع اقتصاديون أتراك على أن "الهزة" الأخيرة التي تعرضت لها الليرة التركية، لتتراجع إلى 7.4 مقابل الدولار، أول من أمس، قبل أن تتحسن، ليل أمس واليوم، إلى أقل من 7.3 مقابل الدولار، إنما تعود "أولاً وأخيراً لأسباب نفسية" تزايدت، بحسب هؤلاء، جراء "تكريس إعلامي للمخاوف وتسويق أن تركيا عاجزة عن تسديد ديونها المستحق بعضها الشهر الجاري وبعضها القصير الآخر بحلول شباط/فبراير من العام المقبل".
واعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن "كل ما تم تداوله عن خزينة تركيا وعن وزير المالية، هي إشاعات وافتراءات"، مشيراً في تصريح له، أول من أمس، إلى تطور الاقتصاد التركي منذ وصول حزب "العدالة والتنمية للسلطة" مطلع عام 2003 بقوله "انتبهوا إلى الأرقام، ففي عام 2002 كان الدخل القومي التركي يبلغ 236 مليار دولار، أما في العام الماضي فبلغ الدخل 754 مليار دولار"، كاشفاً أن الاحتياطي بالمصرف المركزي يقدر بنحو 105 مليارات دولار.
ويرى المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو أن جملة من الأسباب اجتمعت خلال الفترة الأخيرة ساهمت بتراجع سعر صرف الليرة أمام العملات الرئيسية، منها زيادة ضخ الحكومة من الليرة عبر دعم الشركات والقروض، لمنع الإفلاس وتحريك الاقتصاد عبر تشجيع الاستهلاك خلال فترة ذروة وباء "كورونا"، ما أخلّ بالمعروض النقدي، بواقع استمرار المضاربة واستهداف العملة التركية وشراء الدولار من السوق.
ويشير خلال حديثه مع"العربي الجديد"، إلى تأثر الصادرات والسياحة، وهما، برأيه، القطاعان الأكثر توليداً للدولار.
وحول حجم الاحتياطي النقدي بالمصرف المركزي التركي وما قاله الرئيس أردوغان، أول من أمس، أنه يبلغ 105 مليارات دولار، في حين أن تقارير عدة تؤكد أنه دون 85 مليار دولار، يقول المحلل التركي: الأرجح أن الرئيس جمع الاحتياطي الأجنبي الذي تراجع من 97 مليار دولار نهاية العام الماضي إلى نحو 84.4 ملياراً اليوم، مع احتياطي تركيا من الذهب، إذ يعرف كثيرون أن المصرف المركزي عزز احتياطاته من الذهب لتصل إلى نحو 137.1 طنًا منذ بداية العام الجاري، وذلك بهدف حماية العملة وتعزيز ثقة الدائنين والمؤسسات المالية الدولية، فضلا عن أن زيادة احتياطي الذهب تساهم كذلك في التخفيف من حدة تقلبات أسعار العملات الدولية الأساسية في الاحتياطي.
ولمح كاتب أوغلو إلى أنه "لا خوف على الليرة التركية" لأن في جعبة الحكومة والمصرف المركزي العديد من الاجراءات التي من شأنها أن تعيد توازن العرض والطلب على العملات الأجنبية وتقليص كتلة العملة التركية، وسنرى بعضها خلال أيام، بعدما عدلت المصارف التركية من سعر الفائدة على شراء العقارات والسيارات، التي زادت مع قروض ميسرة سابقة، من الليرة بالسوق.
وكانت المصارف التركية قد رفعت، أول من أمس، سعر الفائدة الذي تطبقه على المنازل والسيارات المستعملة، بعدما سهلت للمواطنين الحصول على قروض ميسرة للسكن والسيارات بنسبة فائدة قليلة وفترة إعفاء من السداد تمتد لعام.
ورفعت المصارف سعر الفائدة على المنازل المستعملة من 0.79% إلى 0.87%، ورفعت أسعار الفائدة على قروض المستهلكين إلى 1.12%، والسيارات المستعملة من 0.82 إلى 1.17%.
كما خفضت المصارف فترة سداد أسعار المنازل من 180 شهرًا إلى 120 شهرًا، وألغت مدة السماح بعدم الدفع فترة 12 شهرا، ما يعني البدء بسداد أقساط القرض على الفور.
ويرى مراقبون أن السبب الرئيس لـ"هزة الليرة" إنما يعود لانكشاف الاقتصاد التركي واقتراب استحقاق تسديد بعض الديون الخارجية قصيرة الأجل، حيث تبحث الحكومة التركية، التي ترفض اللجوء إلى صندوق النقد الدولي، عن حلول لتوفير نحو 164 مليار دولار أميركي لسد ديونها الخارجية حتى شهر فبراير/ شباط 2021، نصفها على الأقل من المقرر سدادها خلال شهر أغسطس/ آب الجاري.
وتم بحسب المراقبين، "الاشتغال الخارجي على مسألة الديون وتهويلها، خاصة بواقع العجز بالحساب الجاري الذي زاد عن 12 مليار ليرة وبعض التوقعات ترجح وصوله إلى أكثر من 25 ملياراً في نهاية العام" فضلاً على الترويج، من بعض الدول الإقليمية، أن البنك المركزي الأوروبي وبنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي رفضا إدراج تركيا في نظام المقايضة، لعدم الثقة في مؤسساتها الاقتصادية، وخضوع البنك المركزي لضغوط الرئيس، وذلك بعد نجاح تركيا في توفير 10 مليارات دولار من مفاوضات التبادل والمقايضة مع قطر، والسعي لخطوات مماثلة مع الصين وبريطانيا واليابان، بحسب المراقبين.
ويقول أستاذ الاقتصاد بجامعة ماردين التركية، مسلم طالاس، إن تراجع سعر صرف الليرة خلال الأسبوع الأخير خاصة، يعود بالدرجة الأولى لأسباب نفسية، منشؤها ما قيل عن تراجع الاحتياطي الأجنبي واقتراب استحقاق تسديد ديون خارجية وأن تركيا غير قادرة على السداد، إذ لا مستجد اقتصاديا سلبيا الآن، بل جميع المؤشرات إيجابية بالمقارنة مع الربع الأول من العام الجاري.
ويرى الأكاديمي التركي أن نسبة الدين الخارجي التركي بالقياس إلى الناتج المحلي الاجمالي قليلة إذا ما قيس دين تركيا بديون دول متطورة مثل اليابان والصين والولايات المتحدة، كما أن الاحتياطي بالمصرف المركزي، عملات أو معادن، هو جيد رغم تراجعه، خاصة خلال العام الجاري لقضايا دعم الليرة وغيرها، مؤكداً أن المشكلة بتركيا ليست نقدية ولا ائتمانية، بل تتوزع على شقين، الأول خارجي لاعتبارات سياسية والاشتغال على نقاط ضعف الاقتصاد التركي، والثاني داخلي له علاقة بالفجوة بين الادخار والاستثمار.
ويشير طالاس إلى أن على تركيا تغيير هيكلية القروض وعدم تغطية دين قصير بآخر قصير والعمل بشكل حثيث على زيادة الإنتاجية، مبيناً أن إنتاجية الفرد التركي قليلة قياساً بالجهد وساعات العمل، معتبراً أن السبب الأهم هو عدم الاعتماد بما يكفي، أو كما الدول المتطورة، على التكنولوجيا.
ويختم حديثه لـ"العربي الجديد"، بأن تركيا تجاوزت تقريباً مرحلة الدول متوسطة الدخل، ولكن لا بد من تجاوز هذا الفخ بشكل كامل عبر رفع الإنتاجية وزيادة الاستثمارات الداخلية ليقل الاعتماد على الاستثمار الخارجي وما يمكن أن يحدث من مفاجآت "تركيا وصلت إلى الحافة الأعلى بين الدول متوسطة الدخل، وما يقال عن تطورها وتوقعات وصولها ضمن العشرة الكبار واقع، رغم ما أحدثته آثار وباء كورونا من تعطيل وانكشاف بعض القطاعات".
ومرت الليرة التركية خلال الأعوام الأخيرة بهزات عدة، تراجعت إثرها من أقل من ليرتين مقابل الدولار عام 2013 إلى أكثر من 3 ليرات بعد الانقلاب الفاشل في تموز/ يوليو 2016، لتبدأ منذ ذلك الوقت بالتراجع الذي بلغ أقصاه في نيسان/ إبريل من العام الماضي حينما هوت إلى ما دون 7 ليرات للدولار الواحد، لتتعافى وتستقر عند عتبة 6.8 ليرات مقابل العملة الأميركية، قبل أن تهتز خلال الأسبوع الماضي وتتراجع إلى نحو 7.3 ليرات مقابل الدولار.