يخشى المهندس عمران بن محمد الكمزاري مدير مركز مراقبة عمليات التلوث بهيئة البيئة في سلطنة عمان، من استمرار تدمير الشعاب المرجانية في مياه بحر العرب عموما ومياه السلطنة خصوصا، بعد مرورها بمرحلة حرجة، بسبب النشاط البشري والعوامل المناخية، ما تسبب في فقدان بعض الأحياء البحرية وهجرة العديد من الأسماك إلى مناطق أخرى، وفق ما يقوله لـ"العربي الجديد"، موضحا أن الشعاب المرجانية، تعرف بأنها هياكل تتكون من كائنات حية موجودة في المياه الضحلة بالمناطق المدارية التي تقل بها نسبة الغذاء أو تنعدم تماما، والإضرار بها يعرض البيئة البحرية كلها لأخطار كبيرة تتسبب في تضرر كائنات بحرية عديدة، إذ تدعم تلك الشعاب 579 نوعًا من الأسماك.
وتتدرج مستويات تدمير الشعاب المرجانية من 1٪ منخفضة في بعض مناطق عمان وتتزايد حتى 97٪ في البحرين كما يقول الدكتور عمر بن سالم الجابري، الخبير الاقتصادي والأستاذ المساعد بقسم اقتصاد الموارد الطبيعية بكلية العلوم الزراعية والبحرية بجامعة السلطان قابوس، والذي يستند إلى معلومات من كتاب صادر عن المعهد الأسترالي للعلوم البحرية (تاونسفيل) بعنوان "حالة الشعاب المرجانية في العالم" (Status of Coral Reefs of the World ) لمؤلفيه حميد رضائي، سيمون ب. ويلسون، وميشيل كليربودت، برنهارد ريغ، مضيفا لـ"العربي الجديد" أن التصرفات الخاطئة حاليا أقل من السابق. لكن الخطورة تكمن بنظره في التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة، أو التأثر بالأعاصير الشديدة، وهو ما يهدد مستقبلا الشعاب المرجانيةكما يقول.
تتراوح مستويات تدمير الشعاب المرجانية المقدرة على نطاق واسع داخل المنطقة من 1٪ منخفضة في عمان وحتى 97٪ في البحرين
تنامي ظاهرة تدمير الشعاب المرجانية
في سلطنة عمان 150 نوعا من الشعاب المرجانية والتي لا توجد في أماكن أخرى من العالم، ومنها " القرنبيطي، والمنضدي، والشجيري الرخو، وزهرة الربيع، والقنفذي، والمرجان المخي" وفق إفادة الدكتور حمد بن محمد الغيلاني، خبير بيئي ومدير التوعية بجمعية البيئة العمانية (جمعية غير ربحية تعنى بقضايا البيئة).
وتتميز السلطنة بوجود أكثر من 200 جزيرة، موزعة على خمس مناطق بحرية، تضم الكثير من الشعاب المرجانية، وأهم المستوطنات لتلك الشعاب، جزر مسندم المطلة على مضيق هرمز وجزر الحلانيات الخمس، وهي "السودة، الطيور، الحاسكية، القبلية، والحلاّنية" التي تمتد من غرب إلى شرق السلطنة وفق تأكيد الغيلاني.
وتعد ظاهرة ابيضاض الشعاب المرجانية (Coral Bleaching) وفقدها لألوانها المميزة وإنتاجيتها البيولوجية من أبرز التأثيرات السلبية لتغير المناخ العالمي، ومن أخطرها على الإطلاق بحسب دراسة الدكتور وحيد محمد مفضل الباحث في الدراسات البيئية والاستشعار عن بعد. وظلت الشعاب المرجانية في منطقة الخليج العربي وبحر العرب في وضع صحي بشكل شبه كلي حتى عام 1994 وفق ما يقول الدكتور الجابري، والذي أكد أن أحداث ابيضاض المرجان بين أعوام 1996 و1998 أحدثت تأثيرا عميقا في الشعاب.
وتحدث عملية الابيضاض بسبب التغيرات في الظروف المحيطة مثل درجة الحرارة أو الضوء أو العناصر الغذائية، والتي تطرد الطحالب التكافلية التي تعيش في أنسجتها، مما يتسبب في تحولها إلى اللون الأبيض تمامًا وفق الدكتور الجابري، بينما تؤكد دراسة الدكتور مفضل أن الظاهرة عادة ما ترتبط بظاهرة النينو (El Nino) خلال فصل الصيف خاصة في شهر أغسطس/آب بسبب الإجهاد الحراري وارتفاع درجة الحرارة بشكل لافت، ذلك أن المرجان كائن حساس للغاية، ويحتاج إلى بيئة بحرية مستقرة وثابتة نوعاً ما.
وقُتلت الموائل المائية الضحلة بأكملها في العديد من المواقع، كما هو الحال في دولة البحرين التي فقدت جميع موارد الشعاب المرجانية بسبب عوامل الإجهاد الطبيعية الشديدة وأعمال الهندسة البحرية غير المناسبة. وفي عمان تعرضت المجتمعات المرجانية لأضرار جسيمة بسبب إعصار غونو في يونيو/حزيران 2007، إذ تم القضاء على الشعاب المرجانية على الشواطئ المكشوفة بالكامل تقريبا، وفق تأكيد الجابري.
كيف تتم عملية التدمير؟
ساهمت عوامل طبيعية، وأخرى بشرية في تدمير الشعاب المرجانية بشكل مستمر، متسببة في موتها إلى جانب الكائنات البحرية الأخرى، ومنها ناقلات النفط والغاز الكبيرة التي تضخ مياه التوازن (المياه التي توضع في خزانات السفن الكبيرة، قبل أن تعبأ بالنفط لحفظ توازنها) أثناء عبورها في بحر العرب، بحسب الدكتور الغيلاني، مشيرا إلى أن أكثر من 200 ألف سفينة تعبر بحر العرب سنويا، ولا توجد في الخليج العربي محطات لتنقية هذه المياه ومراقبة البحار فيها حتى الآن.
العامل الثاني الذي يتسبب بتدمير الشعاب المرجانية، يلخصه يوسف بن محمد الحسني، مالك شركة قنتب للسياحة، بالقول: "يتسبب بعض قباطنة المراكب السياحية في تدمير الشعاب المرجانية، من خلال رمي المراسي في وسط المرجان، ولمسنا في بعض المواقع وجود أضرار في بيئة الشعاب المرجانية نتيجة لذلك"، مضيفا أنهم يعملون على إرشاد السياح والغواصين بالاشتراطات اللازمة لضمان تجنب الإضرار ببيئة الشعاب المرجانية، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة التي تؤدي بشكل كبير ومباشر إلى نفوق عدة أنواع من المرجان على مساحات واسعة كما يقول الكمرازي، وهو ما يتفق معه الدكتور الجابري مضيفا أن الممارسات الخاطئة لصيد الأسماك، تندرج ضمن التهديد البشري الرئيسي للمجتمعات المرجانية في المنطقة.
ويعترف الصياد العماني سالم بن سعيد الحسني، بالعمل في أماكن تجمعات الشعاب المرجانية، لكنه يقول لـ"العربي الجديد" إن الصيد غير ممنوع في أكبر محميتين للشعاب المرجانية، هما جزيرتا الديمانيات (محمية تقع بين ولايتي السيب بمحافظة مسقط وبركاء بمحافظة جنوب الباطنة) والفحل التي تقع على بعد حوالي 4 كيلومترات من البر العُماني الرئيسي، مضيفا أن الشعاب المرجانية تكثر فيها تجمعات الأسماك، ومن الطبيعي أن يتجه الصياد لهذه المواقع، ويحدث في المواقع القريبة من الشواطئ أن تعلق الشعاب في شباك الصيادين.
ويؤكد كتاب "حالة الشعاب المرجانية" أن الصيد لا يزال هو التهديد البشري الرئيسي للمجتمعات المرجانية في سلطنة عمان، وتتسبب هندسة السواحل واستصلاح الأراضي والتجريف في أضرار بيئية كبيرة على طول ساحل البر الرئيسي، خاصة في الإمارات العربية المتحدة والبحرين وقطر التي سبق وتضررت فيها مساحات كبيرة من الشعاب المرجانية في شرق الدوحة وفق المصدر نفسه.
دور الرقابة الحكومية
رغم تزايد الوعي بقضايا الحفاظ على الشعاب المرجانية في سلطنة عمان، فإن الأمر لم يؤد! إلى تغيير كبير وفق تقييم الدكتور الجابري، والذي يؤكد أن استمرار ظاهرة تدمير الشعاب المرجانية، سببه غياب الرقابة، التي يصعبها طول الشواطئ العمانية الممتدة لأكثر من 3 آلاف كيلو متر، وضعف تكاتف الجهود من جميع أصحاب المصلحة كما يقول. وهو ما جعل مالك شركة قنتب للسياحة، يناشد الجهات المعنية بتكثيف جهود الرقابة والتوعية للصيادين بأهمية الشعاب المرجانية، كون السلطنة غنية بشعاب مرجانية جميلة تستقطب السياح وتدهشهم.
استمرار ظاهرة تدمير الشعاب المرجانية، سببها قلة الوعي وغياب الرقابة، التي يصعبها طول الشواطئ العمانية الممتدة لأكثر من 3 آلاف كيلو متر
وتنص المادة 19 من اللائحة التنفيذية لقانون الصيد البحري وحماية الثروة المائية الحية المعدلة في 2014، على أنه "يحظر جمع أو تصدير المحار والأصداف والشعاب المرجانية إلا بترخيص خاص من السلطة المختصة". وتعاقب الفقرة (ب) من المادة 50 باللائحة ذاتها بـ"غرامة مالية لا تقل عن 200 ريال عماني (520 دولارا أميركيا)، ولا تزيد على ألف ريال (2600 دولار)، أو السجن لمدة لا تقل عن شهر ولا تزيد عن 3 أشهر أو بالعقوبتين معا، ويجوز الحكم بمصادرة الثروة المائية الحية التي يتم ضبطها أو ثمنها. كما تجوز مصادرة معدات وأدوات الصيد التي استعملت في ارتكاب المخالفة، وتضاعف العقوبة في حالة تكرار ذات المخالفة، وللمحكمة أن تقضي بسحب التراخيص لمدة محددة أو نهائيا".
تأثيرات اقتصادية وبيئية
توفّر الشعاب المرجانية التي تتشكل في منطقة الرفوف البحرية على مدى فترات زمنية طويلة، موطنا لـ 25٪ من جميع الأنواع البحرية؛ بما في ذلك الأسماك، والقشريات، والرخويات، الديدان، شوكيات الجلد، الإسفنجيات، السلاحف البحرية، بحسب الكمزاري.
ولتلك الشعاب المرجانية مردودية مالية، نظرا لاستخدام بعضها في العديد من الصناعات ومنها المجوهرات والتحف بحسب الجابري، الذي يقول إن متوسط سعر الخام من المرجان عالميا يتراوح بين 1700 و2200 دولار للكيلوغرام الواحد، وحجم تداول المرجان الأحمر والوردي فاق 7400 كيلوغرام بقيمة 121 مليون دولار في 2014. لكنه يستبعد هذا الأمر في بحر العرب، لأن الأنواع المستخدمة في الأحجار الكريمة تتواجد بكثرة في البحر الأحمر وشرق آسيا والبحر المتوسط وشمال غرب أفريقيا، مؤكدا أن البيانات لا تشير إلى وفرتها في بحر العرب.
وفي المقابل يعتمد تقدير الخسائر الاقتصادية على أصناف الكائنات البحرية الموجودة في وسط الشعاب المرجانية وقيمتها وكمياتها، وعدم توفر هذه الكائنات نتيجة دمار الشعاب المرجانية يفوّت فرصة الحصول على العوائد المادية، وبالتالي فإن فقدان شعاب مرجانية مساحتها كيلو متر واحد سيشكل خسائر متراكمة على مدى سنوات حتى نمو هذه الشعاب من جديد وفق الدكتور الجابري، مؤكدا أن الشعاب المرجانية توفر العديد من الفرص الوظيفية ومصدر دخل للاقتصادات المحلية من خلال صيد الأسماك والترفيه والسياحة.
وتعمل الشعاب المرجانية من الناحية البيئية، كحواجز طبيعية على الشواطئ وتحميها من تأثيرات الأمواج والتعرية إذ تخفف من قوة الأمواج والتيارات المائية، ومع دمار واندثار الشعاب المرجانية تصبح الخطوط الساحلية أكثر عرضة للتلف والفيضانات بسبب العواصف والأعاصير، كما لن يتمكن المحيط من امتصاص الكثير من ثاني أكسيد الكربون، تاركًا المزيد منه في الغلاف الجوي بحسب ما يؤكده الدكتور الغيلاني، وهو ما يقتضي بحسب الدكتور مفضل، تشديد الجهات الحكومية المعنية لجهود الرقابة البيئية وتطبيق القوانين المحافظة بشكل صارم وحاسم على كل المخالفات والممارسات البيئية السيئة والضارة ببيئة الشعاب، وذلك لتخفيف الضغوط الواقعة على هذه المنظومة البيولوجية المتكاملة.