لا تعاني هند من مرض السكري. حقيقة أدركها في النهاية زملاؤها في العمل، على الرغم من تردّدها الدائم إلى دورة المياه. فهي تفعل ذلك بهدف واحد: التدخين. تقول المرأة الثلاثينيّة التي تعمل في إحدى صحف الرياض "أدمنت التدخين إثر انفصالي عن زوجي بعد تجربة زواج فاشلة. فأنا تحمّلت مسؤوليّة تربية فتاة في العاشرة من عمرها والإنفاق عليها". لكن هند وعندما تشاهد زميلتها الصحافيّة ريم- ما زالت طالبة- تشعل سيجارة، تنصحها بالإقلاع عن عادتها تلك، "حتى لا تصل إلى طريق مسدود".
من جهتها، تجد مرام، بخلاف هند، متعة كبيرة في التدخين في المكتب بين زميلاتها. وتقول: "اعتدت قبل سنوات وأنا في المرحلة المتوسطة، سرقة لفائف السجائر من جيب أبي الذي لم يكن يخلو يوماً منها. وكانت صديقاتي ينبهرن عندما يشاهدنني وأنا أدخنها. ومن يومها، تحوّلت عادة لديّ". ويعيد الدكتور عبد الله البن صالح أسباب التدخين لدى الجيل الجديد، إلى تقليد الكبار والأصدقاء، بالإضافة إلى محاولة تعويض نقص ما، يقول: "التدخين، خاصة في بداياته، يجعل الفتى يشعر بالرجولة، والفتاة بالأناقة. وهذا ما يخلق العادة".
من جهته، يعزو الدكتور عبد الله الراشد أسباب التدخين لدى الإناث إلى كونهنّ "أكثر تأثراً بأي تغيير في مجريات الحياة وطريقة العيش". يضيف أنه "تقليد غير منطقي، إذ يصنّف من ضمن التصرفات الدخيلة، لكنه موضة خاصة بالفتيات، وهذا ما يجعلهن يتأثرن به". بالنسبة إلى الراشد، تعود أسباب التدخين إلى عوامل شخصيّة واجتماعيّة، بالإضافة إلى ضعف الرقابة الأسريّة على الأبناء والبنات. ويلفت إلى "ضعف الوازع الديني في أوساط الشباب، وتأرجحهم بين حافتَي التطرّف الديني والانحلال الأخلاقي نتيجة غياب الوسطيّة". يتابع: "الجيل الجديد يسعى إلى إثبات ذاته وتكوين حياة مستقلة، والابتعاد عن النمطيّة والتقليد اللذَين يدعونهما تخلفاً بسبب تأثير الانفتاح الإعلامي الواسع".
ويستبعد الراشد وجود سبب صحي وراء ازدياد نسبة التدخين بين الفتيات والنساء. ويرى أن الحملات الإعلاميّة لتبيان خطورة التدخين ضعيفة، داعياً إلى تكثيفها في وسائل الإعلام على مدار العام. كذلك، يدعو إلى تنظيم محاضرات توعوية في المدارس الثانوية والمتوسطة حول مضار التدخين، على أن يشارك في هذه الحملات متخصّصون في الحقل الطبي. فالجهود برأيه غير كافية.
إلى ذلك، يشدّد على حاجة عيادات مكافحة التدخين إلى عون مادي رسمي. ويقترح التحرّك الجاد لسنّ قانون حظر بيع المنتجات التبغيّة لمن هم دون الثامنة عشرة من عمرهم، كما هي الحال في البلدان المتطوّرة، بالإضافة إلى التوجّه إلى منع التدخين في الأماكن المغلقة كافة، في القطاعَين العام والخاص. ويرى الراشد ضرورة حظر التدخين في المقاهي والمحال التي تقدّم القهوة والمشروبات الساخنة، وتخصيص غرف معزولة خاصة بالمدخنين. أما السبب، "فمنحهم صفة الذين يتصرفون بصورة غريبة وشاذة مقارنة بغيرهم". كذلك، يدعو السلطات المعنيّة إلى إقفال كل محلات تدخين الشيشة، والتي ترتادها الإناث.
وكانت دراسة أجرتها الجمعيّة الخيريّة لمكافحة التدخين "نقاء" بالتعاون مع جامعة الملك سعود قبل نحو أربع سنوات، قد أثبتت أن أكثر من 19 في المائة من المدخنين الذين شملتهم الدراسة بدأوا التدخين ما بين 12 و13 عاماً، وأن 31 في المائة من مدخني الشيشة بدأوا باستهلاكها قبل أن يبلغوا 14 أو 15 عاماً. أضافت أن معدّل تدخين الفرد للسجائر في المملكة يقدّر بـ 720 علبة سنوياً، أي بمعدّل علبتَين في اليوم. وكان برنامج مكافحة التدخين التابع لوزارة الصحة قد كشف عن مراجعة سبعة آلاف و200 مدخّن لعيادات مكافحة التدخين في المملكة، وقد بلغ عدد الإناث 661 امرأة.