تحوُّلات، أنقاض ومرايا

17 يوليو 2020
(ترينو كروز)
+ الخط -

يتحوَّلُ الضوءُ
في هذي القصيدة 
إلى سمكةٍ- 
إنسانٍ مجنونٍ 
يسقطُ مُنهكاً في ظنِّ اليوم الآخر. 
يتحوَّل الضّوء إلى صحراء،
ناسياً العصافيرَ والبحر.
ينزل على الفضاء ضيفاً كريماً 
ويجلبُ معَه مزيداً من النور. 
وفيما يتحرّكُ فمُكِ نقيّاً،
 دون كلمات
أو أجوبة،
تدخلين في حديقة الكائنات- الزهور
التي نسيت مَلكَة التفتُّح،
تدخلينَ في المساحات الساحرة
حيث يمكن استقراءُ النَّقاء.
وأرى في هذه القصيدة
أماكن آسرة،
تحوّلات غيومٍ،
ورمالاً تجرُّها الرياح.
وندخل معاً في هذه الصحراء
ونعرفُ أنَّ الشمسَ ستمحي خُطانا،
أنَّ الضوءَ سينفذ، 
والبحرَ، جنوناً،
يريد أن يصيرَ امرأةً.
وفيما ينتهي الليل بين الحجارة،
أعرفُ أنَّ الظنَّ لا يموتُ معَ الإنسان،
بل ينبجس، في هذي القصيدة،
عند جرف الهاوية. 

■ ■ ■

كتابُ الغضبِ هو نفسُه كتابُ النسيان
كمثل نَهرٍ يُغيِّر اسمَهُ مع التيَّار،
غارقاً في أعماق البحر 
على غرار قرشٍ متهوّرٍ 
يَظهرُ فجأةً عند شاطئٍ آخرَ. 
هكذا يختفي كلُّ شيء:
الطريق بين الأعشاب
السماء، متكسّرةً، بلا عصافير. 
وبينما ترسمُ الجبالُ صورتَها النقيَّة مثل الكلمات،
يديرُ الحبُّ ظهرَهُ لي،
وتنامينَ 
فيما تسيئنَ معاملة الليل،
 وتنسينَني. 
هل يثمر الفضاء حقّاً كما يبدو؟ 
وهذا الضوء المسكوب، 
أهو جرحٌ أم عناق؟ 
علّمنا أيُّها الحبُّ،
قل لنا إنَّ معجمك شجرٌ من النسيان.

■ ■ ■

بينَ الصخور
(تحوُّلات، أنقاض ومرايا في العراء)

في حنجرة هاوية ما، 
أحتضنُ جرحَكِ 
تحت ليلٍ بلا مسار.
الذّاكرة بحرٌ من الأحلام   
هل الغابات هروب؟
هل البحر توهّجٌ؟
مَن سيخطفُ حلمَنا هذه الليلة؟ 
أحتضنُ جرحك،
الأنقاض الآن نسغي
والرماد طيني. 
وبينما ننظر معاً نحو فضاءاتٍ أُخَر
نحوَ مرايا جديدة،
تصمتُ أرواحٌ وتتأوَّه صحارى
تسألُ عن أجسادها.
أحتضنُ جُرحكِ
وأرى هاويةً قادمةً منكِ إليِّ
 تداعبُني وتسكنُ جسدي. 
أحتضنُ جُرحكِ
وأرى في عينيك نسوراً سُوداً مترنِّحة 
تأكلُ الفضاء،
أرى متاهاتٍ تجتاحُ النوافذ
في حضرة ملائكة عابرة
 تلبسُ ملابسَ الحِداد. 
وما زلتُ أحتضنُ جرحَكِ
وأرى الفضاءَ يتناثر بذوراً تسقطُ من رحم الذاكرة.
أرى الضبابَ يلدُ الشواطئَ،
والبحرُ يتَّسعُ ويتَّسع.
وما زلت أحتضنُ جُرحكِ
وأرى النبعَ يجري ويغيّر 
مكانَه. 
أهوَ عناق؟
أم هجرٌ وسراب؟
أحتضنُ جُرحكِ عندما تبدّلينَ جِلدكِ
وتنزعينَ جناحيك.
هل جاء وقتُ الخِداع؟
مَن منَّا سيخدعُ الآخر؟ 
أحتضنُ جُرحكِ
وها أنا ذا الآنَ في حدائق 
أزرع ممرَّاتٍ منسيَّة،
قنواتٍ حادَّة أُبحرُ فيها إلى ما لا نهاية.
هكذا أتنقَّلُ عارياً 
بينَ فضاءٍ وآخر
كمثل جثَّة 
تتركُ أعقابها في محيطات مُبحرة
وتنسجُ الأُفقَ رداءً مفتوحاً. 
وأسأل:
من أين يأتي النبض التالي؟
أين ستنتظرنا كائنات الهاوية؟

الظلام الآنَ يطفو،
يتمكَّن، 
يعبر ويأوي،
يخون ويُولد، 
يلتهم ويُعانق، 
وها هو ذا الآنَ ينبضُ من أجلنا.
أحتضنُ جرحكِ
وأرى في الأفق والعمى والخيانة والرماد والانتقام 
طرقاً ومسارات. 
غيرَ أنَّني لا أقنعُ بأيِّ طريقٍ يدَّعي خطواتي 
ويمحو نبضي.
أحتضنُ جُرحكِ 
والقناعُ حياة
والطرقُ المُختصرةُ إليكِ تستيقظُ الآنَ فيك،
في خطواتكِ،
في كلِّ ركنٍ من أركان ذاكرتكِ 
يقذفُ الضوءُ منيّاً. 
أحتضنُ جُرحكِ
والشاطئُ الآنَ يهربُ
يُطاردُني
يجري مسرعاً 
ويُعانقُ الأُفقَ خوفاً.
والآنَ،
في الليل الكاذب،
أتعثَّرُ في كلِّ شيء،
في مرآة رمليَّة،
وأرى الأُفقَ شاطئاً 
وأتعثَّرُ، من جديدٍ،
فيكِ.


* Trino Cruz شاعر من مضيق جبل طارق من مواليد عام 1960. كرّس مسيرته الشعرية من أجل الدفاع عن فكرة أدب لا تحدّه الحدود السياسية والثقافية، كشكل من أشكال التقارب بين الشعوب. له العديد من المجموعات الشعرية، نذكر منها "تأملات في الفضاء" (1993)، "رحلة" (2002/ الصورة). وله مساهمات هامة في الترجمة الشعرية من العربية مع المترجم المغربي خالد الريسوني.

* * ترجمة عن الإسبانية: جعفر العلوني

نصوص
التحديثات الحية
المساهمون