02 نوفمبر 2024
تحوّلات معركة سرت
تخوض قوّات البنيان المرصوص التابعة لحكومة الوفاق الوطني والمجلس الرئاسي في ليبيا حرباً ضاريةً ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية، في آخر معاقله في مدينة سرت التي تعتبر ذات أهمّية إستراتيجية بالغة لإطلالتها على البحر، ولوقوعها على مقربةٍ من الهلال النفطي، ولكونها نقطة وصلٍ رئيسية بين شرق ليبيا وغربها. وقد اتّخذها "داعش" مركزاً له لأهمّيتها في تأمين تزويده بالسلاح والمال والرجال، عبر البرّ والبحر، ولأنّ السيطرة عليها تُوفّر له معابر متعدّدة للحركة في الداخل الليبي، وتضمن له موارد مالية مهمّة، مأتاها الأساسي من تصدير النفط والمحروقات بطرقٍ غير مشروعة، ومن فرض ضرائب على أهالي المدينة. والظاهر أنّ التنظيم أخفق في الحفاظ على تمركزه في سرت، وذلك بعد ما تكبّده من خسائر فادحة في العتاد والأرض والعدد، في أثناء المواجهات بينه وبين كتائب "البنيان المرصوص" المؤلّفة من مقاتلين من مصراتة ومدن الغرب الليبي (طرابلس، الزاوية، غريان، زوارة...)، والذين يتميّزون بقدراتٍ قتاليةٍ فائقة، وبخبرةٍ في إدارة المعارك البرّية المباشرة، كسبوها على امتداد سنوات الصراع المسلّح على السلطة في ليبيا.
ويبدو أنّ حسم معركة سرت لصالح حكومة الوفاق الوطني، بقيادة فايز السرّاج، بات وشيكاً، بعد تراجع القدرات القتالية والدفاعية لداعش، وانحسار وجوده في مجمّعاتٍ سكنية وصناعية صغيرة. والواقع أنّ هزيمة التنظيم في سرت تُلقي بظلالها على المشهد الليبي، وتحمل طيّها رسائل عدّة وتحوّلات دالّة، منها ما هو سياسي، ومنها ما هو اقتصادي، ومنها ما هو إقليمي/ خارجي. فعلى الصعيد السياسي، يبدو الانتصار الوشيك في سرت مُخبراً بقوّة المجلس الرّئاسي، وبقدرة حكومة الوفاق الوطني على تجميع الكتائب الليبية المسلّحة تحت راية الدّولة وتوجيهها نحو دحر داعش، باعتباره عدوّاً مشتركاً لعموم الليبيين، وهو ما ساهم في إبراز حكومة السرّاج في صورة الحكومة الوطنية/ المسؤولة، الحريصة على وحدة التراب الليبي، والميّالة إلى فرْض استتباب الأمن، وضمان السلم الاجتماعي، وقد عزّز ذلك من مصداقيّتها، ومن التفاف الليبيين حولها.
والثابت أنّ ما حقّقه "البنيان المرصوص" من تقدّمٍ على الأرض يكشف مدى جاهزية حكومة
الوفاق وجِدّيتها في معالجة معضلة الإرهاب، فقد بدا فريق السرّاج ممسكاً بزمام المبادرة في هذا الخصوص. وفي المقابل، بدا معسكر الكرامة، بزعامة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ومِن خلْفه حكومة طبرق، برئاسة عبد الله الثني، ومجلس النواب بقيادة عقيلة صالح، متردّدا في اللحاق بمعركة سرت، وذلك راجع إلى حدّة الخلاف السياسي بين هؤلاء وحكومة الوفاق، من ناحية، ولانشغالهم بمواجهة القوى الثورية والجماعات المسلّحة المعارضة لهم في بنغازي، من ناحية أخرى. فبعد سنتين ونيّف من إطلاق عمليّة الكرامة (مايو/ أيّار2014 ) مازال محور حفتر غير قادر على حسم المعارك لصالحه في بنغازي، بما يُخبر بمحدودية حضوره الميداني والعسكري في المنطقة. ومعلوم أنّ تخلّف هذا المعسكر عن تحرير سرت من قبضة "داعش" يؤثّر سلبا على شعبيّته، وعلى حظوظه في رسم معالم ليبيا الجديدة، ويصبّ، لا محالة، في صالح جبهة الوفاق الوطني التي كسبت عمليّاً السبق في التصدّي لداعش، وفي إجلائه من مدينة ليبية إستراتيجية.
ومن الناحية الاقتصادية، تبدو معركة سرت مهمّة من جهة أنّها مكّنت حكومة السراج من استرجاع ميناء المدينة الحيوي، ومن توسيع نفوذها الجغرافي الذي أصبح يمتدّ من مدينة أجدابيا شرقا إلى طرابلس غرباً، كما مكّنتها المعركة من استعادة سلطتها على منابع النفط. ووجدت في هذا السياق تعاوناً معتبراً من قوّات حرس المنشآت النفطية، بقيادة إبراهيم حضران. وبناء عليه، سيكون في مقدور حكومة الوفاق تصدير النفط من منطقة الهلال النفطي بسهولة، على نحو يساهم في إخراج البلاد من ضائقتها المالية، ويضمن ضخّ السيولة إلى المصارف، وتحسين الظروف المعيشية والمقدرة الشرائية للنّاس.
على الصعيد الإقليمي/ الخارجي، وجّهت حكومة الوفاق في خوضها معركة سرت عدّة رسائل مهمّة إلى المجتمع الدولي عموماً، والأمم المتّحدة خصوصاً، مفادها أنّها جادّة في محاربة تنظيم الدولة، وقادرة على إلحاق الهزيمة به، وأنّ المراهنة عليها في كسب معركة مكافحة الإرهاب ممكنة. ومن المفيد الإشارة هنا إلى أنّ عمليّة البنيان المرصوص وجدت تأييدا ودعما من الولايات المتّحدة الأميركية وإيطاليا. وليس مستبعداً أن تدفع نتائج معركة سرت دولاً، مثل مصر وروسيا، إلى مراجعة تحالفاتها في الساحة الليبية، والتوجّه نحو مدّ الجسور مع حكومة الوفاق الوطني، وتوطيد العلاقة معها، لما تحظى به من مصداقية في الداخل وفي الخارج، ولما أحرزته من تقدّم في مكافحة الإرهاب.
كان في الوسع أن تكون معركة سرت فرصة تاريخية لتوحيد الفرقاء الليبيين وتجميعهم تحت راية دولة وطنية، قوية. لكنّ الظاهر أنّ هاجس المحاصصة السياسية والمصالح الشخصيّة حال دون ذلك. والثابت أنّ معركة سرت مصيرية، لما لها من دور في إضعاف "داعش"، وفي إعادة صوغ ملامح المشهد السياسي والواقع الاقتصادي في البلاد. ولا شكّ أنّ المنتصر فيها سيكون له دور مركزي في رسم معالم ليبيا المنشودة.
ويبدو أنّ حسم معركة سرت لصالح حكومة الوفاق الوطني، بقيادة فايز السرّاج، بات وشيكاً، بعد تراجع القدرات القتالية والدفاعية لداعش، وانحسار وجوده في مجمّعاتٍ سكنية وصناعية صغيرة. والواقع أنّ هزيمة التنظيم في سرت تُلقي بظلالها على المشهد الليبي، وتحمل طيّها رسائل عدّة وتحوّلات دالّة، منها ما هو سياسي، ومنها ما هو اقتصادي، ومنها ما هو إقليمي/ خارجي. فعلى الصعيد السياسي، يبدو الانتصار الوشيك في سرت مُخبراً بقوّة المجلس الرّئاسي، وبقدرة حكومة الوفاق الوطني على تجميع الكتائب الليبية المسلّحة تحت راية الدّولة وتوجيهها نحو دحر داعش، باعتباره عدوّاً مشتركاً لعموم الليبيين، وهو ما ساهم في إبراز حكومة السرّاج في صورة الحكومة الوطنية/ المسؤولة، الحريصة على وحدة التراب الليبي، والميّالة إلى فرْض استتباب الأمن، وضمان السلم الاجتماعي، وقد عزّز ذلك من مصداقيّتها، ومن التفاف الليبيين حولها.
والثابت أنّ ما حقّقه "البنيان المرصوص" من تقدّمٍ على الأرض يكشف مدى جاهزية حكومة
ومن الناحية الاقتصادية، تبدو معركة سرت مهمّة من جهة أنّها مكّنت حكومة السراج من استرجاع ميناء المدينة الحيوي، ومن توسيع نفوذها الجغرافي الذي أصبح يمتدّ من مدينة أجدابيا شرقا إلى طرابلس غرباً، كما مكّنتها المعركة من استعادة سلطتها على منابع النفط. ووجدت في هذا السياق تعاوناً معتبراً من قوّات حرس المنشآت النفطية، بقيادة إبراهيم حضران. وبناء عليه، سيكون في مقدور حكومة الوفاق تصدير النفط من منطقة الهلال النفطي بسهولة، على نحو يساهم في إخراج البلاد من ضائقتها المالية، ويضمن ضخّ السيولة إلى المصارف، وتحسين الظروف المعيشية والمقدرة الشرائية للنّاس.
على الصعيد الإقليمي/ الخارجي، وجّهت حكومة الوفاق في خوضها معركة سرت عدّة رسائل مهمّة إلى المجتمع الدولي عموماً، والأمم المتّحدة خصوصاً، مفادها أنّها جادّة في محاربة تنظيم الدولة، وقادرة على إلحاق الهزيمة به، وأنّ المراهنة عليها في كسب معركة مكافحة الإرهاب ممكنة. ومن المفيد الإشارة هنا إلى أنّ عمليّة البنيان المرصوص وجدت تأييدا ودعما من الولايات المتّحدة الأميركية وإيطاليا. وليس مستبعداً أن تدفع نتائج معركة سرت دولاً، مثل مصر وروسيا، إلى مراجعة تحالفاتها في الساحة الليبية، والتوجّه نحو مدّ الجسور مع حكومة الوفاق الوطني، وتوطيد العلاقة معها، لما تحظى به من مصداقية في الداخل وفي الخارج، ولما أحرزته من تقدّم في مكافحة الإرهاب.
كان في الوسع أن تكون معركة سرت فرصة تاريخية لتوحيد الفرقاء الليبيين وتجميعهم تحت راية دولة وطنية، قوية. لكنّ الظاهر أنّ هاجس المحاصصة السياسية والمصالح الشخصيّة حال دون ذلك. والثابت أنّ معركة سرت مصيرية، لما لها من دور في إضعاف "داعش"، وفي إعادة صوغ ملامح المشهد السياسي والواقع الاقتصادي في البلاد. ولا شكّ أنّ المنتصر فيها سيكون له دور مركزي في رسم معالم ليبيا المنشودة.