تخلى الإسلاميون في الجزائر عن شعار "الإسلام هو الحل" والأدبيات الدينية والطروحات الفكرية التي كانت تشكل مفردات خطابهم السياسي على مدار عقدين من الزمن. وللمرة الأولى يطرح "الإخوان المسلمون" في الجزائر برنامجاً سياسياً يتوخى إيجاد حلول عملية لمشكلات التنمية والصحة والتعليم والخدمات والقضايا الاجتماعية والاقتصادية، تحت عنوان "البرنامج البديل"، لمناسبة الانتخابات البرلمانية المقررة في الرابع من مايو/أيار المقبل.
استهلك "إخوان" الجزائر تسعة أشهر لوضع برنامج انتخابي، استعانوا في صياغته بـ 135 من الباحثين والخبراء الاقتصاديين والسياسيين المستقلين، لا يقاسمونهم نفس الإيديولوجيا السياسية والرؤى الفكرية، على غرار رئيس الحكومة الأسبق والخبير الاقتصادي، أحمد بن بيتور، والدبلوماسي ووزير الاتصال السابق، عبد العزيز رحابي، والباحث في علم الاجتماع السياسي، ناصر جابي وغيرهم. وتؤشر استعانة "الإخوان" بالخبراء والسياسيين المستقلين في صياغة برنامج انتخابي، على انفتاح كبير يبديه الحزب السياسي، الذي دخل، منذ يونيو/حزيران 2012، في مرحلة سياسية جديدة، أعلن فيها فك ارتباطه بالتحالف الرئاسي المؤيد للرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، وتحول لافت باتجاه تتويج سنوات من محاولات الانعتاق من إطار "الكيان السياسي والدعوي المغلق" المستند إلى "مشيخة الزعيم الروحي" منذ العام 2003، وتكريس مسار من محاولات الاقتراب من صورة الحزب السياسي المدني المرتكز على المؤسسة الديمقراطية وسلطة المؤسسات النظامية، والتحول من الجماعة التي تعمل على استقطاب مزيد من المنخرطين، إلى إطار حزبي أكثر وعياً بالمشكلات الحقيقية المؤسسة للأزمة الاجتماعية والاقتصادية.
ويصف رئيس الحكومة الأسبق، أحمد بن بيتور، برنامج "إخوان" الجزائر بالمتكامل، فيما يعتقد الباحث في علم الاجتماع السياسي، ناصر جابي أن حركة "مجتمع السلم" قدمت برنامجاً متميزاً وطموحاً. ويعتبر رحابي أن "الحركة، ذات المرجعية الإسلامية، تملك اليوم وثيقة ذهبية، ومن حقها أن تناضل من أجل تنفيذ برنامجها"، بغض النظر عن عامل رئيس يحكم المشهد السياسي والانتخابي في الجزائر، إذ يقضي الدستور بتطبيق برنامج رئيس الجمهورية، باعتبار طبيعة النظام الرئاسي الذي يحكم الجزائر.
اللافت أنه قبل سنوات، كان بين الإسلاميين وقضايا التنمية الاقتصادية هوة كبيرة، إذ كان خطاب الأحزاب الإسلامية في الجزائر يرتكز بشكل حاد على الأدبيات الدينية والقضايا المجتمعية المثيرة للجدل، والمرتبطة بمشروع المجتمع، كالتربية والأسرة وغيرها. لكن تجربة جماعة "الإخوان" في إدارة بعض القطاعات الوزارية، خلال فترة مشاركتهم في الحكومة بين العامين 1994 و2012، ساعد على تجاوزهم لهذا الخطاب التقليدي. ويقدر متابعون لتطور الخطاب السياسي للإسلاميين في الجزائر أن الحزب السياسي الممثل لتيار "الإخوان" في الجزائر، استفاد من ثلاثة عوامل في هذا التطور اللافت. ويتعلق الأول بوجود جيل جديد من كوادر الحزب – حركة "مجتمع السلم" -المتخرجين من معاهد التعليم العالي والجامعات التقنية والعلوم الاقتصادية، وتقدمهم إلى الصفوف الأمامية لقيادة الحزب في مستوياته النظامية المتعددة. ويأتي في المقام الثاني عامل المشاركة في الحكومة، ما أتاح ل "إخوان" الجزائر فهم إدارة الشؤون الاقتصادية ومشكلات التنمية والعلاقات الوظيفية لمؤسسات الدولة ذات الصلة بالشأنين الاجتماعي والخدمي المؤثرين في الحياة اليومية للمواطنين، إضافة إلى اطلاع قيادته على تجارب قوى إسلامية وعربية في بعض الدول التي نجحت في تحقيق منجز اقتصادي واجتماعي كبير. وفي هذا السياق، يؤكد المحلل السياسي، حسن خلاص، لـ"العربي الجديد"، أنه من اللافت أن "الإسلاميين في الجزائر بدأوا بالابتعاد عن الشعبوية والاقتراب باتجاه الرؤى التحليلية. وعلى هذا الصعيد أعتقد أن حركة مجتمع السلم استفادت من الاحتكاك بتجربتي تركيا وماليزيا".
ملمح التطور السياسي يؤشر عليه تحديد برنامج "البديل" الذي يطرحه "إخوان" الجزائر في انتخابات مايو/ أيار 2017، لأجندة زمنية تمتد على ثلاث مراحل "5، 10، 20" لتنفيذ الخطط المطروحة في القطاعات الاقتصادية والخدمية والاجتماعية. ويحدد البرنامج الهدف "بنقل" الجزائر إلى مصاف الدول المفضلة في القطاعات الخدمية في العالم العربي، خلال الخمس سنوات الأولى من حكمهم. كما يحدد أفق 10 سنوات لتحقيق الأمن الغذائي. ويرسم أفقاً استشرافياً على مدى 20 سنة، تتحول فيه الجزائر إلى دولة صناعية رائدة في أفريقيا والعالم العربي وضمن الدول الصناعية العشرين في العالم، ونقل البلاد من اقتصاد الريع النفطي إلى الاقتصاد المنتج، وتعزيز قوة الجيش الجزائري على الصعيد العربي والأفريقي.
لا تنفصل مجمل التحولات الراهنة في الأداء الحزبي للجماعة عن انفتاح سياسي أبداه "الإخوان" منذ منتصف التسعينيات، لكنه مرتبط أيضاً بمستوى من المراجعات العميقة للأدبيات السياسية وشكل الحضور الحزبي، والانتقال من شعار "الإسلام هو الحل" والخطاب الديني إلى برنامج التنمية والاقتصاد والخبز، والوعي بمركزية مشكلات الصحة والسكن والتعليم والشغل والنقل بالنسبة إلى الجزائريين، تزامناً مع انتقال الحزب من يد القيادة التاريخية المؤسسة، التي فرضت عليها الظروف السياسية الملتبسة مواقف وتوجهات محددة، إلى جيل جديد من القيادات المنسجمة مع طموحات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية. وخلال استحقاقات انتخابية سابقة، ظل "إخوان" الجزائر يراهنون على وعائهم الانتخابي المنتظم، برغم بعض التشظي الذي مس الحزب السياسي، لكنهم في انتخابات مايو المقبل، يراهنون على إخفاقات أحزاب السلطة على الصعيد الحكومي من جهة، وعلى تطور خطابهم السياسي اللافت وبرنامجهم الانتخابي البديل.