10 نوفمبر 2024
تحليل أكثر تواضعاً لـ"سقف" التوقعات
ثلاث قراءات للأسباب والأهداف الكامنة وراء الإعلان في الرياض، قبل أيام، عن التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب الذي يضم 35 دولة.
تذهب الأولى إلى أنّه لن يستدعي انعكاسات واقعية، أو عسكرية حقيقية، بقدر ما هو محاولة للردّ على الاتهامات والأسئلة المطروحة على موقف دول عربية وإسلامية من الإرهاب، بدعوى عدم وجود جديّة حقيقية في مواجهته، على الرغم من أنّه، في الأساس، عربي- إسلامي المنشأ، ويستند إلى "أيديولوجية سلفية". لذلك، يبدو واضحاً الخطاب الديني المصاحب للحظة الإعلان عن تأسيس التحالف، في محاولة للقول إنّ الدول العربية والإسلامية لا توفّر غطاءً لأي تنظيم أو عمل إرهابي. أي أنّ هذا التحالف، وفق هذه القراءة، هو أقرب إلى "حملة العلاقات العامة"، لا أكثر.
أمّا القراءة الثانية، فتذهب إلى أنّ هذا التحالف هو استجابة بالفعل إلى الضغوط الأميركية. ولكن، لإنجاز مهمة حقيقية على أرض الواقع، تتمثّل في تشكيل قوة برية عربية- إسلامية لمقاتلة داعش في سورية، واستبدالها بقوى سورية معتدلة. وتأتي هذه الخطوة، بعد التصريحات الأميركية، المتتالية، وخصوصاً من وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، عن ضرورة وجود قوة برية، وأنّ هذه القوة "المفترضة" ستكون عربية وسورية.
ويمثل التفكير في القوة العسكرية العربية انعكاساً للسجال والجدل الكبير في المشهد الانتخابي الأميركي، وتزايد الاتهامات لإدارة الرئيس أوباما بالقصور الاستراتيجي عن مواجهة خطر داعش، وتهديدها الأمن القومي الأميركي.
وتتمثل القراءة الثالثة، وهي الأكثر ضعفاً، في أنّ هذا التحالف هو نتيجة الشعور لدى بعض القادة العرب بالنتائج الخطرة لحالة الفراغ الاستراتيجي العربي، أو الإسلامي السنّي بصورة أعمّ، مع التفكك والانهيار، أو الانحسار، الذي حدث في الدول المحورية العربية، والفوضى والحروب الداخلية، في مقابل التمدد والنفوذ الإيراني في العراق وسورية ولبنان واليمن. وفقاً لهذه القراءة، أصبح الاتكاء دوماً على التحالف العربي مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب، بعد الصفقة النووية الإيرانية، بمثابة "معادلة بالية"، فقواعد اللعبة الإقليمية تغيّرت، والتحالف الروسي- الإيراني- العراقي الجديد، بمثابة محور خطير يهدد الأمن القومي لهذه الدول، ويعيد هيكلة موازين القوى بصورة جذرية، ما يعني ضرورة أن يكون هنالك طرف آخر يجلس على الطاولة، وعدم الاستمرار في الرهان على موقف أميركي غير مطروح أصلاً.
كان التحالف الجديد مطروحاً منذ اللحظات الأولى لتسلّم القيادة السعودية الحالية زمام الأمور، وعُبِّر عنه حينها بـ"التحالف العالمي السنّي"، وتأتي الخطوة الجديدة لنقله إلى حيّز الوجود، في محاولةٍ لبناء تكتل إقليمي، يجمع بين الموارد المالية والبشرية والعسكرية المبدّدة، ما يردّ الاعتبار للعرب، ويمكّنهم من موقع أفضل في التفاوض في الملفات المطروحة؛ بصورة محددة سورية واليمن.
لو فرضنا، جدلاً، ولو من باب "التفاؤل" في العام الجديد، أنّ القراءة الثالثة هي الدقيقة، وأن المطلوب تحالف إقليمي جديد، ليس على قاعدة العداء أو الصدام الحتمي مع إيران، إنّما تعديل موازين القوى لحماية المصالح الحيوية والأمنية العربية، فهل الشروط الحالية كفيلة بإنجاح الفكرة الجديدة وإعطائها زخماً واقعياً؟
بدا واضحاً، منذ اللحظة الأولى، أنّ التحالف يعاني من اختلالاتٍ بنيويةٍ على صعيد تعريف الأهداف بوضوح، وأيضاً الأولويات، والأهمّ من هذا وذاك الهشاشة وعدم الصلابة بين الدول المشكّلة له، إذ غلبت فكرة التجميع على التفكير المنهجي في الوثيقة المحدّدة للمصالح العامة المشتركة، وتحديد مصادر التهديد وخارطة الطريق المطلوبة.
ثمّة حلقة صلبة في هذا التحالف اليوم، تتشكل من محور السعودية- تركيا- قطر، وهو المحور الإقليمي الحقيقي الذي يملك رؤية مناقضة للمحور الإيراني- الروسي الجديد، أمّا باقي الدول فوجودها في التحالف أقرب إلى "المجاملة" غير العملية للسعودية، تحديداً، فباكستان أوحت، غداة الإعلان، عن عدم رغبتها بالزجّ بنفسها في حالة الاستقطاب الإقليمي، بينما اعتبرت ماليزيا الأمر بمثابة جهد إعلامي بدرجة رئيسة، أما دول عديدة أو أشباه الدول الموجودة فهي لا تزيد عن كونها صفراً على شمال الرقم الصحيح، وليس على يمينه.
تبقى مجموعة أخرى من الدول التي هي نظرياً من التحالف، لكنّها عملياً ليست كذلك، وهي محور مصر، الإمارات والأردن، فهذه الدول تتفق مع السعودية على معاداة داعش، لكنّها لا تتفق مع "الإصرار" السعودي- التركي- القطري على رفض بقاء الأسد، وتعريف أولويات مصادر التهديد، بل وتعريف الإرهاب نفسه، أو الموقف من إيران، وهنالك خلافات غير معلنة حول إدارة الأزمة اليمنية، وهي تحاول الضغط على السعودية، للإبقاء على ملف الحركات الإسلامية عموماً ضمن الحزمة الإرهابية، بما فيها الإخوان المسلمين والسلفيين وغيرهم، ما لا يتوافق مع رؤية السعودية لمصالحها على الأقل في سورية واليمن وليبيا.
عدم الحماس أو التهرب من استحقاق التحالف الجديد بدا واضحاً في التصريحات الباردة الخفيفة من هذه الدول الثلاث (الأردن، مصر، الإمارات) غداة الإعلان عنه، ما يعني أنّ الثقل المركزي في التحالف الجديد يبقى في المحور السعودي- التركي- القطري، وإنْ حاولت السعودية استمالة مصر وإبقائها بالقرب منها عبر المساعدات السخية التي تمّ الإعلان عنها، بالتزامن مع الإعلان عن التحالف الجديد.
ضمن هذه المعطيات، فإنّ القراءة التي ستسود، عملياً، هي الأولى، حتى وإن لم تكن مقصودة لنفسها، بل هي نتاج شروطها، أي أنّ التحالف سيقتصر على مستوى "العلاقات العامة"؛ وستبقى الكرة في ملعب المحور الثلاثي؛ تركيا والسعودية وقطر، في إعادة التفكير في الشروط المطلوبة الحقيقية والواقعية لمواجهة المحور الجديد النافد في المنطقة، إيران- روسيا، الذي فرض شروطه في قرار مجلس الأمن الجديد بخصوص سورية، والذي، أيضاً، بات يخنق تركيا، ويضيّق الخناق عليها، ويهدد الأمن السعودي على أكثر من صعيد.
على هذه الدول أن تسأل السؤال المهم: هل يمكن، بالفعل، جرّ باكستان إلى التحالف عبر "حزمة" مقنعة من المصالح المتبادلة؟ وهل يمكن أن يعيد المعنيون، بصورة واقعية ودقيقة، قراءة الأوراق المطلوبة لملء الفراغ جديّاً عبر أوراق قوة حقيقية، تقتنع بها الأطراف الأخرى التي تعرف جيداً التمييز بين الرابحة (الجوكر) والوهمية؟
تذهب الأولى إلى أنّه لن يستدعي انعكاسات واقعية، أو عسكرية حقيقية، بقدر ما هو محاولة للردّ على الاتهامات والأسئلة المطروحة على موقف دول عربية وإسلامية من الإرهاب، بدعوى عدم وجود جديّة حقيقية في مواجهته، على الرغم من أنّه، في الأساس، عربي- إسلامي المنشأ، ويستند إلى "أيديولوجية سلفية". لذلك، يبدو واضحاً الخطاب الديني المصاحب للحظة الإعلان عن تأسيس التحالف، في محاولة للقول إنّ الدول العربية والإسلامية لا توفّر غطاءً لأي تنظيم أو عمل إرهابي. أي أنّ هذا التحالف، وفق هذه القراءة، هو أقرب إلى "حملة العلاقات العامة"، لا أكثر.
أمّا القراءة الثانية، فتذهب إلى أنّ هذا التحالف هو استجابة بالفعل إلى الضغوط الأميركية. ولكن، لإنجاز مهمة حقيقية على أرض الواقع، تتمثّل في تشكيل قوة برية عربية- إسلامية لمقاتلة داعش في سورية، واستبدالها بقوى سورية معتدلة. وتأتي هذه الخطوة، بعد التصريحات الأميركية، المتتالية، وخصوصاً من وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، عن ضرورة وجود قوة برية، وأنّ هذه القوة "المفترضة" ستكون عربية وسورية.
ويمثل التفكير في القوة العسكرية العربية انعكاساً للسجال والجدل الكبير في المشهد الانتخابي الأميركي، وتزايد الاتهامات لإدارة الرئيس أوباما بالقصور الاستراتيجي عن مواجهة خطر داعش، وتهديدها الأمن القومي الأميركي.
وتتمثل القراءة الثالثة، وهي الأكثر ضعفاً، في أنّ هذا التحالف هو نتيجة الشعور لدى بعض القادة العرب بالنتائج الخطرة لحالة الفراغ الاستراتيجي العربي، أو الإسلامي السنّي بصورة أعمّ، مع التفكك والانهيار، أو الانحسار، الذي حدث في الدول المحورية العربية، والفوضى والحروب الداخلية، في مقابل التمدد والنفوذ الإيراني في العراق وسورية ولبنان واليمن. وفقاً لهذه القراءة، أصبح الاتكاء دوماً على التحالف العربي مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب، بعد الصفقة النووية الإيرانية، بمثابة "معادلة بالية"، فقواعد اللعبة الإقليمية تغيّرت، والتحالف الروسي- الإيراني- العراقي الجديد، بمثابة محور خطير يهدد الأمن القومي لهذه الدول، ويعيد هيكلة موازين القوى بصورة جذرية، ما يعني ضرورة أن يكون هنالك طرف آخر يجلس على الطاولة، وعدم الاستمرار في الرهان على موقف أميركي غير مطروح أصلاً.
كان التحالف الجديد مطروحاً منذ اللحظات الأولى لتسلّم القيادة السعودية الحالية زمام الأمور، وعُبِّر عنه حينها بـ"التحالف العالمي السنّي"، وتأتي الخطوة الجديدة لنقله إلى حيّز الوجود، في محاولةٍ لبناء تكتل إقليمي، يجمع بين الموارد المالية والبشرية والعسكرية المبدّدة، ما يردّ الاعتبار للعرب، ويمكّنهم من موقع أفضل في التفاوض في الملفات المطروحة؛ بصورة محددة سورية واليمن.
لو فرضنا، جدلاً، ولو من باب "التفاؤل" في العام الجديد، أنّ القراءة الثالثة هي الدقيقة، وأن المطلوب تحالف إقليمي جديد، ليس على قاعدة العداء أو الصدام الحتمي مع إيران، إنّما تعديل موازين القوى لحماية المصالح الحيوية والأمنية العربية، فهل الشروط الحالية كفيلة بإنجاح الفكرة الجديدة وإعطائها زخماً واقعياً؟
بدا واضحاً، منذ اللحظة الأولى، أنّ التحالف يعاني من اختلالاتٍ بنيويةٍ على صعيد تعريف الأهداف بوضوح، وأيضاً الأولويات، والأهمّ من هذا وذاك الهشاشة وعدم الصلابة بين الدول المشكّلة له، إذ غلبت فكرة التجميع على التفكير المنهجي في الوثيقة المحدّدة للمصالح العامة المشتركة، وتحديد مصادر التهديد وخارطة الطريق المطلوبة.
ثمّة حلقة صلبة في هذا التحالف اليوم، تتشكل من محور السعودية- تركيا- قطر، وهو المحور الإقليمي الحقيقي الذي يملك رؤية مناقضة للمحور الإيراني- الروسي الجديد، أمّا باقي الدول فوجودها في التحالف أقرب إلى "المجاملة" غير العملية للسعودية، تحديداً، فباكستان أوحت، غداة الإعلان، عن عدم رغبتها بالزجّ بنفسها في حالة الاستقطاب الإقليمي، بينما اعتبرت ماليزيا الأمر بمثابة جهد إعلامي بدرجة رئيسة، أما دول عديدة أو أشباه الدول الموجودة فهي لا تزيد عن كونها صفراً على شمال الرقم الصحيح، وليس على يمينه.
تبقى مجموعة أخرى من الدول التي هي نظرياً من التحالف، لكنّها عملياً ليست كذلك، وهي محور مصر، الإمارات والأردن، فهذه الدول تتفق مع السعودية على معاداة داعش، لكنّها لا تتفق مع "الإصرار" السعودي- التركي- القطري على رفض بقاء الأسد، وتعريف أولويات مصادر التهديد، بل وتعريف الإرهاب نفسه، أو الموقف من إيران، وهنالك خلافات غير معلنة حول إدارة الأزمة اليمنية، وهي تحاول الضغط على السعودية، للإبقاء على ملف الحركات الإسلامية عموماً ضمن الحزمة الإرهابية، بما فيها الإخوان المسلمين والسلفيين وغيرهم، ما لا يتوافق مع رؤية السعودية لمصالحها على الأقل في سورية واليمن وليبيا.
عدم الحماس أو التهرب من استحقاق التحالف الجديد بدا واضحاً في التصريحات الباردة الخفيفة من هذه الدول الثلاث (الأردن، مصر، الإمارات) غداة الإعلان عنه، ما يعني أنّ الثقل المركزي في التحالف الجديد يبقى في المحور السعودي- التركي- القطري، وإنْ حاولت السعودية استمالة مصر وإبقائها بالقرب منها عبر المساعدات السخية التي تمّ الإعلان عنها، بالتزامن مع الإعلان عن التحالف الجديد.
ضمن هذه المعطيات، فإنّ القراءة التي ستسود، عملياً، هي الأولى، حتى وإن لم تكن مقصودة لنفسها، بل هي نتاج شروطها، أي أنّ التحالف سيقتصر على مستوى "العلاقات العامة"؛ وستبقى الكرة في ملعب المحور الثلاثي؛ تركيا والسعودية وقطر، في إعادة التفكير في الشروط المطلوبة الحقيقية والواقعية لمواجهة المحور الجديد النافد في المنطقة، إيران- روسيا، الذي فرض شروطه في قرار مجلس الأمن الجديد بخصوص سورية، والذي، أيضاً، بات يخنق تركيا، ويضيّق الخناق عليها، ويهدد الأمن السعودي على أكثر من صعيد.
على هذه الدول أن تسأل السؤال المهم: هل يمكن، بالفعل، جرّ باكستان إلى التحالف عبر "حزمة" مقنعة من المصالح المتبادلة؟ وهل يمكن أن يعيد المعنيون، بصورة واقعية ودقيقة، قراءة الأوراق المطلوبة لملء الفراغ جديّاً عبر أوراق قوة حقيقية، تقتنع بها الأطراف الأخرى التي تعرف جيداً التمييز بين الرابحة (الجوكر) والوهمية؟