في بادرة للانفراجة في العلاقات بين موسكو وكييف، تواصل روسيا وأوكرانيا الاستعدادات النهائية لعملية تبادل الأسرى التي من المنتظر أن تشمل جميع البحارة الأوكرانيين المحتجزين في روسيا على خلفية حادثة الاشتباك مع العسكريين الروس في مضيق كيرتش، الرابط بين البحرين الأسود وآزوف نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الخميس، أن المحادثات مع أوكرانيا بشأن تبادل السجناء اكتملت، مضيفاً أن الاتفاق قد يشمل عدداً كبيراً من الأشخاص. واعتبر بوتين، خلال كلمة في منتدى اقتصادي في مدينة فلاديفوستوك، أن اتفاقاً مهماً لتبادل السجناء بين موسكو وكييف قد يمثل خطوة نحو تطبيع العلاقات بين البلدين. وفي الوقت الذي يرفض فيه الكرملين الإفصاح عن موعد إتمام تبادل الأسرى، وصف القيادي في حزب "المنصة المعارضة - من أجل الحياة" الأوكراني فيكتور مدفيدتشوك، الذي يعد صديقاً شخصياً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في تصريحات صحافية، أمس الخميس، المفاوضات بأنها ناجحة، متوقعاً استكمالها في أقرب وقت. ونقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية عن مصادر دبلوماسية أن عملية التبادل قد تجرى في 7 سبتمبر/ أيلول الحالي.
وتحولت قضية البحارة الأوكرانيين إلى نقطة توتر جديدة بين موسكو من جانب، وكييف والغرب من جانب آخر، متسببة في إلغاء القمة بين بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب، على هامش قمة مجموعة الدول الـ20 في الأرجنتين نهاية العام الماضي. وفي كلمة أثناء مراسم تنصيبه في مايو/ أيار الماضي، ربط الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الحوار مع روسيا بشرط عودة جميع الأسرى الأوكرانيين.
وفي هذا الإطار، يتوقع المحلل السياسي المتخصص في الشأن الأوكراني ألكسندر تشالينكو نجاحاً لمفاوضات تبادل الأسرى في ظل سعي الطرفين لتسوية هذه المسألة قبل القمة المحتملة في إطار نورماندي للتسوية في منطقة دونباس، بمشاركة قادة روسيا وألمانيا وفرنسا وأوكرانيا. ويقول تشالينكو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هناك نوايا فعلية لتبادل الأسرى. ويبدو أن الكرملين تلقى تأكيدات بأن واقعة مضيق كيرتش لن تتكرر، كما أن زيلينسكي، الذي أعلن عزمه تولي مهام منصبه لولاية واحدة فقط، يحتاج إلى السلام، لأن البلد في حالة الحرب لن يستطيع جذب أي استثمارات". ورداً على سؤال حول ما إذا كان إطار نورماندي والوفاء باتفاقات مينسك سيُحدث تسوية نهائية للحرب في دونباس، يقول تشالينكو "من وجهة النظر القانونية البحتة، سيتم تحقيق اتفاقات مينسك، لكنها غير قابلة للتطبيق فعلياً، وستظل جمهوريتا دونيتسك ولوغانسك الشعبيتان مستقلتين على أرض الواقع، ما يشكل انتصاراً للدبلوماسية الروسية".
ورغم أن اتفاقات مينسك المبرمة بين كييف ودونيتسك ولوغانسك نصت على استعادة الحكومة الأوكرانية السيطرة على الحدود في منطقة النزاع كاملة، إلا أنها تشمل أيضاً إجراء إصلاح دستوري يقضي بمنح صفة خاصة ودرجة عالية من الاستقلالية لبعض مناطق مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك. وحول اختيار روسيا مثل هذا السيناريو في منطقة دونباس بدلاً من ضمها مثلما ضمت شبه جزيرة القرم في مارس/ آذار 2014، يوضح تشالينكو "كانت روسيا تدرك جيداً أنها لن تستطيع ضم دونباس بسبب العقوبات الغربية والنفقات المالية الضخمة، كما أن النخب الروسية كانت ترفض ذلك. علماً أن النخب ذاتها لم تكن ترغب حتى في ضم القرم، ولكن بوتين أمر بذلك".
ورغم أن تسريبات إعلامية متكررة كانت تفيد باستكمال عملية تبادل الأسرى وفق معادلة 33 مقابل 33 قبل نهاية أغسطس/ آب الماضي، إلا أن ذلك لم يحدث. وفي 30 أغسطس، تناولت وسائل إعلام أنباء متضاربة حول عودة الأسرى الأوكرانيين، بمن فيهم المخرج المدان بتهمة "الإرهاب" في روسيا أوليغ سينتسوف، إلى وطنهم، دون يتأكد ذلك في نهاية المطاف. ولإبداء حسن النية، أفرجت كييف عن رئيس تحرير وكالة "نوفوستي أوكرانيا" كيريل فيشينسكي، المتهم بـ"الخيانة العظمى". وفي مطلع سبتمبر/ أيلول الحالي، نقلت صحيفة "كوميرسانت" الروسية عن مصدر مقرب من المفاوضات، بأن التأخير في تبادل الأسرى يعود إلى عدم توصل الطرفين إلى اتفاق بشأن المسوغات القانونية للإفراج عنهم. وكشفت الصحيفة عن آلية جديدة قد يتم اعتمادها عند تبادل الأسرى، إذ قد تسلم موسكو البحارة المحتجزين لأوكرانيا مع الحفاظ على أصول قضاياهم لمواصلة محاكمتهم غيابياً لإثبات مشروعية ملاحقتهم في حال شكوا روسيا أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بعد الإفراج عنهم، خصوصاً أن المحكمة الدولية لقانون البحار قد دعمت أوكرانيا، مطالبة روسيا بالإفراج عن السفن والبحارة. وبدأ تكثيف مفاوضات تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا بعد زيارة بوتين إلى فرنسا الشهر الماضي، حيث بحث هذه المسألة مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون.