مع العلم أنه خلال الأشهر الأخيرة، كانت العلاقات الأفغانية الباكستانية تمرّ بمرحلة حرجة، وتشهد حالة من العنف لسببين: لأن إسلام أباد لم تؤدِّ دورها الحقيقي في إنجاح المصالحة الأفغانية، ولأنها واصلت دعمها للجماعة المسلحة التي تنشط في أفغانستان، بحسب ادّعاء الحكومة الأفغانية، التي قررت عدم الانخراط في أي نوع من الحوار مع "طالبان" في الظروف الحالية.
في المقابل، سعت إسلام أباد مستخدمة جميع الوسائل والسبل لإعادة المياه إلى مجاريها مع باكستان، وإقناع الرئيس الأفغاني أشرف غني أحمد زاي، على إعادة النظر في العلاقات مع باكستان من جهة، وعلى عملية الحوار مع "طالبان" من جهة أخرى. ذلك لأن إسلام أباد كانت تتلقّى ضغوطات متزايدة من قبل الصين ودول المنطقة بشأن سياساتها مع "طالبان".
وبعد محاولات كثيفة، تمكن وفد من الزعامة القبلية الباكستانية، أن يقنع الرئيس الأفغاني بعقد اجتماع مع رئيس الوزراء الباكستاني، نواز شريف، على هامش مؤتمر المناخ الذي انعقد في فرنسا بين 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي و12 ديسمبر/كانون الأول الحالي، بهدف تشجيع سلطات كابول على الحوار مع "طالبان".
واشترط الجانب الأفغاني أن يكون التفاوض مع "طالبان" وتعاون إسلام أباد بهذا الشأن، تحت ضمانات دولية، على اعتبار أن كابول طالما اتهمت إسلام أباد بشنّ حرب غير معلنة ضدها. وشدد الرئيس الأفغاني على أن لعملية المصالحة شقين: المصالحة مع الحكومة الباكستانية، التي تموّل الجماعات المسلحة، والمصالحة مع "طالبان".
اقرأ أيضاً: توقع مباحثات حول المصالحة بأفغانستان في مؤتمر "عملية إسطنبول"
وبعد لقاء أشرف غني مع شريف في باريس، شارك الرئيس الأفغاني في مؤتمر "قلب آسيا لعملية إسطنبول"، الذي انعقد بإسلام أباد في التاسع من الشهر الحالي. والتقى أشرف غني بالقيادة الباكستانية ومندوبي الصين والولايات المتحدة، لبحث إحياء عملية السلام بشروط أفغانية، ومنها: الحصول على ضمانات بكين وواشنطن في ملف المصالحات، وعدم اقتصار عمل إسلام أباد على إقناع "طالبان" بالحوار مع الحكومة الأفغانية فحسب، بل عليها القيام بعمل ميداني ضد الجماعات التي تلجأ إلى الخيار العسكري وتحصل على الدعم من داخل باكستان. وقد وافقت باكستان على جميع شروط أفغانستان، وهو ما يعتبر تغييراً مفصلياً حصل بفضل ضغوطات بعض دول المنطقة، وعلى رأسها الصين، التي تزعم أن استمرار الأزمة الأفغانية خطر على مشاريعها الاقتصادية وعلى أمنها الداخلي.
أما بالنسبة لـ"طالبان" فقد عرفت أزمات متتالية، وقد أدى الإعلان عن وفاة الملا عمر في أغسطس/ آب الماضي، إلى تعثر عملية السلام بين الحكومة والحركة، التي عقدت الجولة الأولى منها في مدينة مري المجاورة لإسلام أباد في يوليو/ تموز الماضي. كما أدى الإعلان إلى نشوب خلافات داخلية حادة في الحركة، نجم عنها توزّع أجنحتها إلى ثلاثة فرق رئيسية.
الفريق الأول، هو "طالبان" أو ما أُطلق عليه تسمية "جماعة الملا أختر منصور"، التي يتوقع أن تكون طرف الحوار مع الحكومة الأفغانية. وعلى الرغم من أن منصور، وهو خليفة الملا عمر، من مؤيدي عملية السلام مع الحكومة، إلا أنه يعاني داخل التنظيم من معارضة قيادات مهمة للحوار، كعبد القيوم ذاكر، رئيس مجلس العسكري السابق. ويخشى منصور من أن يؤدي إحياء عملية السلام إلى إحياء الخلافات. فضلاً عن أن الخلافات بين منصور وأسرة الملا عمر، لم تُحلّ بصورة نهائية بعد.
الفريق الثاني، مكوّن من جماعة الملا محمد رسول، المسمّاة "شورى الإمارة الإسلامية"، والتي تملك نفوذاً واسعاً في جنوب وجنوب غرب البلاد، وتضم قيادات مهمة ومن مؤسسي حركة "طالبان" كالملا عبد المنان نيازي، والملا رسول نفسه، والملا باز محمد، والملا منصور داد الله. وقد أبدت الجماعة استعدادها في بداية الأمر للتفاوض مع الحكومة الأفغانية، من دون أن تكون جزءا من عملية الحوار المرتقبة.
الفريق الثالث مؤلف من "شبكة حقاني"، التي تُعدّ من أكثر الجماعات تنظيماً بين الجماعات المسلّحة المناهضة للحكومة الأفغانية، وهي من أقرب الجماعات المسلحة إلى الاستخبارات الباكستانية. إلا أنه ليس من الواضح ما إذا كانت ستكون جزءاً من عملية السلام.
وكشف ذلك عن صعوبة جمع مختلف الجماعات إلى طاولة حوار واحدة، كما يلمّح إليه المسؤولون الأفغان، ما يعني أن عملية السلام المتوقع إحياؤها، لن تضع حداً للأزمة الأفغانية، حتى ولو نجحت، لأن بعض أطراف الصراع غائب عنها.
ملف آخر يبرز وسط الأزمة السياسية ـ العسكرية: ملف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ومع أن نفوذ التنظيم قد اضمحلّ، إلى حدٍّ كبير، في جنوب أفغانستان وغربها بسبب هجمات "طالبان" عليه من جهة، وهجوم القوات الأفغانية من جهة ثانية، إلا أنه ما زال للتنظيم وجود في شرق أفغانستان. كما يحصل على دعم متواصل من الجانب الثاني من الحدود (أي باكستان)، وفقاً لما لمّح إليه القائم بأعمال وزير الدفاع الأفغاني معصوم ستانكزاي، خلال مؤتمر صحافي جمعه، الأسبوع الماضي، بنظيره الأميركي أشتون كارتر، خلال زيارته الأخيرة المفاجئة لأفغانستان، في إقليم ننجرهار، شرقي البلاد. ويدلّ ذلك على أن وجود "داعش" يُقلّل من أهمية عملية السلام.
وبالنظر إلى هذا الاحتمال، فإن الحكومة الأفغانية تشدد على تعاون باكستان في إقناع "طالبان" بالحوار مع الحكومة، والقيام بعملٍ عسكري ضد الجماعات المسلحة، بما فيها "داعش"، وتلك التي لا تقبل الحوار وتصرّ على حمل السلاح ضد أفغانستان.
في المقابل، تستجيب باكستان لمطالب جارتها، وتشدد على العمل ضد جميع الجماعات المسلحة من دون استثناء، مع ادّعائها في الوقت نفسه، أن طبيعة الحدود الأفغانية الباكستانية الممتدة بطول 2500 كيلومتر، وعدم وجود الرقابة الكافية عليها، هو سبب رئيسي في تنامي قوة التنظيمات المسلحة.
في المحصلة، إن الأفغان الذين دمرتهم الحروب والويلات يعلقون آمالهم على الجهود الأخيرة لإحياء عملية السلام، علّها تأتي لهم بالأمن والاستقرار. غير أنه بسبب التطورات الأخيرة، وأبرزها الانقسام الداخلي في "طالبان" وتنامي نفوذ "داعش"، بات يُخشى من أن يكون مصير هذه الجهود كمصير سابقاتها، التي فشلت، بل بالعكس منحت للجماعات المسلحة فرصة لتنظيم وترتيب صفوفها.
اقرأ أيضاً أفغانستان: الأحزاب "الجهادية" حصان حرب كرزاي على الرئيس