في وقت تثار فيه مخاوف من دخول تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) إلى محافظات جنوب العراق، ويسعى فيه المسؤولون الأمنيون لإيجاد خطط تحول دون إمكانية ذلك، ينقل رئيس الوزراء السابق نوري المالكي صراعه على السلطة مع رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، إلى البصرة في أقصى الجنوب ليؤجج الشارع البصري ضد مؤيدي الأخير.
ويستغل المالكي الظرف الأمني والمخاوف من "داعش"، للبدء بخطته التي يسعى من خلالها لإسقاط حكومة البصرة المحلية، والتي يرأسها المحافظ ماجد النصراوي المنتمي لكتلة "المواطن" التابعة للمجلس الإسلامي الأعلى المؤيد للعبادي.
وقال عضو مجلس محافظة البصرة، غانم محمد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العشرات من أهالي المحافظة خرجوا بتظاهرات للمطالبة بإقالة المحافظ وقائد شرطة البصرة"، موضحاً أنّ "المتظاهرين رفعوا شعارات انتقدوا فيها الحكومة المحلية واتهموها بسوء تقديم الخدمات، والتجاوزات الأمنيّة في المحافظة".
وأشار محمد، إلى أنّ "إدارة المحافظة كان لها علم مسبق بالإعداد لهذه التظاهرات، من قِبل أنصار المحافظ السابق عبد الصمد سلطان المنضوي في ائتلاف دولة القانون، والمقرّب من المالكي"، لافتاً إلى أنّ "المحافظ الحالي حاول السيطرة على التظاهرات قبل بدئها لكنّه لم يستطع ذلك، بسبب حساسيّة الموقف الأمني في المحافظة".
وقال إنّ "محافظة البصرة وأغلب المحافظات الجنوبية تعيش اليوم وضعاً حساساً جداً، وإنّ أي ارتباك أمني قد تكون له تداعيات خطيرة، وقد يستغله تنظيم داعش لإرباك الوضع الأمني"، مشيراً إلى أن "المتظاهرين روّجوا لموضوع عن اعتقال القوات الأمنية عدداً من المتظاهرين بتهمة الإرهاب، في محاولة منهم لتأجيج الشارع ضد المحافظ، ومحاولة لاستمرار التظاهرات حتى إسقاط الحكومة المحلية".
اقرأ أيضاً: مخطط لإسقاط العبادي عبر نقل الصراع لجنوب العراق
من جهته، نفى محافظ البصرة ماجد النصراوي "اعتقال أي من المشاركين في التظاهرة التي خرجت ضدّه". وقال في بيان صحافي صدر عن مكتبه الإعلامي، إنّ "هناك ستة أشخاص في منطقة أبو الخصيب تم اعتقالهم بتهمة العبث بشبكة الكهرباء، وهم يخضعون للتحقيق، وقريباً سوف يتم إطلاق سراحهم بعد اخذ التعهدات منهم بعدم تكرار هذه الحادثة".
وأوضح أنّ "المتظاهرين قدّموا طلباتهم بصورة ديمقراطية، وتم التعامل معها بكل احترام، ونحن نقدّر هذا النوع من الاحتجاج ونتعامل معه بحسن نوايا بما يخدم تقديم أفضل الخدمات للبصرة من خلال تكاتف الجهود جميعها". وأشار إلى أنّ "المحافظة لم تحصل على موازنة خلال العام السابق، كما لم توافق وزارة التخطيط حتى الآن على إدراج مشاريع جديدة لها خلال العام الحالي، بسبب حالة التقشف المالي التي تشهدها البلاد، الأمر الذي أثّر على مستوى الخدمات"، مجدّداً مطالبته بـ"زيادة حصة المحافظة من مشروع البترودولار لحل بعض الإشكالات".
من جهته، دعا النائب عن محافظة البصرة عن كتلة "المواطن"، سليم شوقي، المعترضين على الحكومة المحلية إلى اللجوء إلى "الطرق القانونية لتنحيتها أو استجوابها بدلاً من الطرق الملتوية". وقال شوقي في تصريح صحافي، إنّ "الجهة الداعية للتظاهرة التي شهدتها البصرة مجهولة وأهدافها غير واضحة ومكانها غير محدد"، مشيراً إلى أنّ "حق التظاهر مكفول للجميع، لكن يجب أن تكون التظاهرات سلمية وأن يكون لها هدف مشروع".
أما المحلل السياسي، محمود القيسي، فأبدى استغرابه من "عدم التظاهر على حكومة البصرة السابقة، والتي كانت تنتمي لكتلة المالكي". وقال القيسي لـ"العربي الجديد"، إنّ "الخدمات في محافظة البصرة وفي عموم المحافظات متردية منذ سنين عدة، وليس اليوم"، مشيراً إلى أن "الحكومة السابقة للبصرة تسلمت أموالاً طائلة وموازنات كبيرة في الأعوام السابقة، ولم تقدم شيئاً كخدمات، ولم يتظاهر أحد ضدّها، على عكس هذه الحكومة (حكومة البصرة) التي جاءت على موازنة خاوية وأزمة مالية خطيرة".
وأشار إلى أنّ "القضية أصبحت واضحة للجميع، وأنّ مساعي المالكي لإسقاط حكومة العبادي وأنصاره لا تُخفى على أحد"، معتبراً أنّ "توقيت المالكي بإطلاق هذه التظاهرة وخطابه الطائفي الأخير جاء بالتزامن مع مخاوف المحافظات الجنوبية من دخول داعش". ورأى أن "توقيت المالكي بحد ذاته خطير، لأنّه يعلم أن الحكومات المحلية في الجنوب اليوم تخشى من أيّ إرباك أمني، الأمر الذي أوجد جواً مناسباً للتظاهرات".
وأشار القيسي إلى أنّه "في المقابل يجب على رئيس الوزراء حيدر العبادي التصدّي للمالكي، ومحاسبته قانونيّاً، إذ أنّ إثارة الشغب في الشارع العراقي والتأليب على العنف الطائفي خصوصاً في هذا الظرف الحرج هو بحد ذاته تعميم للإرهاب"، مطالباً بـ"التعامل قضائياً مع ملف المالكي".
اقرأ أيضاً: المالكي مُحرّضاً: العراق يشهد ثورة طائفية