عبر موقع "المدونة" الإلكتروني، نشرت صحافية مصرية لم تفصح عن اسمها، تجربة تعرضها للتحرش الجنسي ومحاولة الاغتصاب، من قبل صحافي استقصائي بارز، اكتفت بنشر الأحرف الأولى من اسمه "ه.ع" وقالت إنه يعمل في واحدة من كبريات المؤسسات الصحافية الدولية. سردت الصحافية المصرية تفاصيل مؤلمة لواقعة تعرضها للتحرش الجنسي ومحاولة الاغتصاب، وقالت إنه اعترف بفعلته بعد سنوات، واختتمت شهادتها بقول: "عشت إحساسي بالذنب والعار سنين، وفي أول سنة عدّت عليّا فكرت كتير أسيب بيت أهلي لإحساسي بعاري وإني مكاني الشارع ومستحقش حياة نضيفة. كان يبعت كل سنة يسأل عن حياتي ورديت بعدها بأربع سنين بعد يقيني من كدبته بتاعه (أنا بعمل لمصلحتك وده علاج نفسي). يوم ما رديت كان كل كلامه طلبات جنسية، وأنا عمالة أكرر السؤال: (ليه ده حصلي؟)، وقتها جاوبني وكانت آخر مرة اتكلمنا على الإطلاق، الرد مكانش كافي ولا مقنع بس كانت أول مرة يعترف إنه غلط. وقررت انسى عشان اعرف أعيش".
سرعان ما انتشرت هذه القصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يتكبد الصحافيون أي عناء في تخمين اسم هذا الصحافي الاستقصائي البارز، لا سيما أن أخريات لوحن بوقائع مشابهة تعرضن لها من قبل نفس الصحافي. وردّ الصحافي عبر "فيسبوك" على الاتهامات تلك، قائلاً إنه سيقاضي كل من نشر التهم.
وضمن تعليقات عدد كبير من الصحافيات على الرابط الإلكتروني لواقعة التحرش الجنسي، الذي انتشر كالنار في الهشيم، على صفحاتهن الخاصة، جاءت دعوة لمطالبة مجلس نقابة الصحافيين المصريين، بتشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في مزاعم التحرش الجنسي التي تتعرض لها الصحافيات في مصر، وكانت الصدمة أن بعض الصحافيات تحدثن عن وقائع تحرش جنسي "لفظي" من قبل بعض أعضاء المجلس الحاليين والسابقين.
وتأتي هذه الشهادة في ذروة فضح جرائم التحرش الجنسي والاغتصاب في مصر، بعد أن فجرت قضية الطالب أحمد بسام زكي المتهم بالتحرش والاعتداء الجنسي على العشرات؛ المسكوت عنه في هذا الملف الشائك، وتحولت الوقائع والشهادات إلى ما يشبه كرة ثلج تكبر معها دائرة فضح المتحرشين والمغتصبين والمسكوت عنه منذ سنوات. والوسط الصحافي والإعلامي، هو جزء من المجتمع المصري، ويطاوله ما طاول مؤخرًا باقي الأوساط ومنها وقائع تحرش جنسي في الأوساط الحقوقية والثقافية وحتى الدينية. فانتشرت وقائع تحرش جنسي من مدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، ومدعي ريادة الحركة الثقافية، ورجال دين من الكنيسة.
ومع ذلك، لا تعتبر تلك الشهادة، هي الأولى من نوعها في الوسط الصحافي. ففي عام 2018، فتحت الصحافية المصرية بجريدة موقع "اليوم السابع" مي الشامي، ملف التحرش في الإعلام المصري، بعدما كشفت عن واقعة تحرش لفظي وجسدي بها داخل المؤسسة التي تعمل بها من قبل المدير التنفيذي للجريدة، وتقدمت بشكوى رسمية لإدارة المؤسسة، كما حررت محضرًا في الشرطة بالواقعة، واستمعت النيابة إلى أقوالها وما لديها من مستندات وتسجيلات تثبت الواقعة. ورغم أن الواقعة أغلقت دون تحقيقات جدية أو سؤال في المؤسسة أو حتى النيابة، إلا أنها دفعت أخريات للحديث عما يتعرضن له في المؤسسات الصحافية والإعلامية التي يعملن بها.
وسبقت قضية الصحافية مي الشامي، واقعة أخرى مشابهة، عام 2016، عندما فجرت الصحافية المصرية بجريدة "روز اليوسف"، منى يسري، واقعة تحرش بها داخل المؤسسة التي تعمل بها، من قبل رئيس التحرير، وحررت محضرًا بالواقعة في قسم الشرطة، لكنها لم تحظ بنفس الزخم الذي حظيت به قضية الشامي، التي تزامنت مع الحركة العالمية MeToo أو "أنا أيضًا" التي أطلقتها الممثلة الأميركية أليسا ميلانو، وانتشر في العالم أجمع وكشف عن حجم هذه الظاهرة في مصر.
كما أن هناك واقعة تحرش جنسي شهيرة للغاية، هزت الأوساط الصحافية العربية وليس فقط المصرية، عندما قررت مؤسسة "دويتشه فيله" الألمانية التي كان يعمل فيها الإعلامي المصري البارز، يسري فودة، فصله بعد أن طاولته مزاعم تحرش جنسي بعاملات داخل المؤسسة وخارجها، تم نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وجرى التحقيق فيها والتأكد من صدقها.
وبشكل عام، فإن التحرش الجنسي يطاول جميع المصريات على حد سؤاء، حسب ما أظهرته نتائج دراسة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، التي أكدت أن حوالي 99% من النساء المصريات قد تعرضن لصورة ما من صور التحرش الجنسي.
ولا تكف التقارير المحلية والعالمية عن الإشارة إلى المعدلات المخيفة للقضايا المجتمعية في مصر، بل وتحتل مصر المركز الأول عالميا في ظاهرة التحرش الجنسي، بحسب دراسات وأبحاث عدة داخل مصر وخارجها. كما أن القاهرة صنفت عام 2017، كأخطر مدن العالم بالنسبة إلى النساء.
ونشر موقع "شبكة الصحفيين الدوليين"، استطلاع رأي، أجري عام 2017 في 9 دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بعنوان "حقائق عن التحرّش الجنسي في وسائل الإعلام"، جاءت فيه نسبة "التحرّش اللفظي" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 59%، والتحرّش الجسدي بلغت نسبته 17%، والإعتداء الجنسي بلغت نسبته 3%.
أما في مصر على وجه التحديد، فتوصلت دراسة تحت عنوان "التحرش الجنسي في مجال عمل المرأة" صادرة قبل عدة سنوات، إلى أن 68% من العاملات يتعرضن للتحرش الجنسي 46% منهن يتعرضن للتحرش اللفظي مقابل 22% يتعرضن للتحرش البدني. الدراسة نفسها أكدت أن أكثر السلوكيات التي اتفقت عليها النساء، هي 78% لمس اليد بطريقة متعمدة، 76% يلمس أجزاء من جسدها، 76% ينظر إلى أماكن حساسة من جسدها، 73% يحاول تقبيلها، 72% يمتدح قوامها، 72% التهديد والإغراء لتتجاوب معه جنسياً.