قررت دائرة في محكمة جنايات القاهرة أمس الخميس، تأجيل النظر في أوامر التحفّظ على عدد من المتهمين في القضية الجديدة 930 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، المعروفة إعلامياً بـ"تحالف الأمل"، إلى الأول من أغسطس/آب المقبل، بما يؤكد أن القضية دخلت مرحلة المساومات، كما كانت "العربي الجديد" قد كشفت يوم الأحد الماضي، وذلك بعدما صدرت قرارات مؤقتة من نيابة أمن الدولة العليا، بالتحفظ على أموال عدد من المتهمين المعتقلين والطلقاء والمتواجدين خارج مصر، تطبيقاً لقانون الإرهاب، الذي يمنح سلطة الأمر المؤقت بالتحفظ للنيابة العامة ثم العرض على محكمة الجنايات لاحقا لإقراره نهائياً. وعلى رأس المتهمين بالقضية، اليساري زياد العليمي، والناشط الناصري حسام مؤنس، والصحافي الناصري هشام فؤاد، والخبير الاقتصادي عمر الشنيطي، الذي تمّ التحفّظ على أمواله وأملاكه من قبل بموجب قرار سابق على ذمة قضية تمويل جماعة الإخوان، وأيمن نور الموجود في تركيا، وأحمد تمام، وحسن بربري، وعادل إبراهيم، ومحمد جابر حسن، ومحمد سعد عبد الرحمن، وأسامة سعد عبد الرحمن، وناجي تاج الدين، ومحمد يوسف عبد المجيد عيسى، وكمال سعد الدين، وأسامة العقباوي، وخالد أبو شادي.
يأتي ذلك في ظل تهديدات تلقاها عدد من الشخصيات السياسية التي بات النظام يعتبرها جزءاً من المعارضة لاختلافهم معها في بعض الملفات، من "خطورة التواصل مع القوى الإسلامية واليسارية والناصرية" للحفاظ على "حريتهم الشخصية"، وفقاً لما أفادت مصادر سياسية مطلعة على بعض الاتصالات التي جرت في الآونة الأخيرة، إثر اكتشاف محاولات التنسيق بين "تحالف الأمل" ، وبين عدد من الشخصيات التي تملك رصيداً من المعارضة الجزئية في السنوات الأخيرة في ملفات كالتعديلات الدستورية والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية وقانون تقييد عمل الجمعيات الأهلي، كرئيس حزب الإصلاح والتنمية، النائب السابق محمد أنور السادات، ورئيس حزب المحافظين، النائب أكمل قرطام. مع العلم أنه تمّ إجهاض "تحالف الأمل" الذي ولدت فكرته بالتنسيق بين نشطاء ليبراليين ويساريين وناصريين.
وكان السادات قد تعرض لحملة حكومية شعواء مطلع عام 2017 على خلفية انتقاده مشروع قانون تنظيم العمل الأهلي، وصدر قرار من البرلمان بإسقاط عضويته بتهمة الحط من قدر الحكومة المصرية والبرلمان وتسريب المشروع إلى دوائر أجنبية وسفارات غربية. ومنذ ذلك الحين التزم السادات الصمت، حتى قيامه بصورة مفاجئة، منذ يومين، بإطلاق دعوة سياسية لتواصل مباشر بين القيادة السياسية للدولة، قاصداً بذلك رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، وممثلي الأحزاب المصرية، في خطوة اعتبرتها مصادر سياسية لـ"العربي الجديد" بأنها "محاولة لطمأنة النظام بأنه إذا أراد اتخاذ أي موقف فإنه يعلنه في مواجهة الدولة والأجهزة ولا يعمل في السر مع أي تيارات يصنفها النظام مناهضة للدولة المصرية".
وأضافت المصادر أن "بعض نشطاء تحالف الأمل كانوا قد اقترحوا ضم السادات إلى هذا التنسيق السياسي باعتباره يملك صلات قوية بالخارج وخبرة واسعة في شؤون الانتخابات. كما أن لديه مؤسسة أهلية ومكتب استشارات وأبحاث سياسية، يمكن أن يساهم بفاعلية في مشروع التحالف استعدادا للانتخابات البرلمانية المقبلة". أما بالنسبة لقرطام، فأوضحت المصادر أن "البعض كان يفكر في إلحاقه بالتحالف كداعم مالي رئيسي، لكن لم يحدث أي تواصل معه بسبب تخوف أغلب نشطاء التحالف من عدم إلمامهم بعلاقاته بالأجهزة، علماً بأنه عارض التعديلات الدستورية وتم حجب الموقع الإخباري الذي يملكه (موقع التحرير) ودفعه لإعلان غلقه وتصفيته أخيراً".
وذكرت المصادر أن "الأجهزة الأمنية تواصلت مع السادات وقرطام بشأن ذكر اسميهما في المناقشات التي دارت بين نشطاء التحالف وما كشفته التحقيقات من سعي البعض للتواصل معهما، لكن الاثنين نفيا بشكل قاطع العمل مع أي قوة غير شرعية. ثم أصدر السادات بيانه الأخير الذي جمع بين مغازلة السلطة والإشادة بما وصفه (إعادة بناء الدولة المصرية) وبين انتقاد خافت لما وصفه (تهميش المواطن المصري في اتخاذ القرار السياسي والقرارات الاقتصادية الصعبة)".
وأوضحت المصادر أن "الاتصالات التي أجرتها الأجهزة الأمنية مباشرة أو عبر وسطاء اتفقت على ضرورة عدم اتخاذ أي خطوات للتواصل السياسي بين القوى المعارضة لحين إجراء الانتخابات البرلمانية، مع إشارات محدودة لاحتمال إتاحة عدد أكبر من المقاعد للمعارضة في البرلمان المقبل، ولكن وفقاً لشروط دائرة السيسي، والتي لم يتم الاستقرار عليها حتى اللحظة". وكشفت المصادر أن "الفكر الجديد الذي يدير جهاز المخابرات حالياً من الناحية العملية، ممثلاً في الضابط محمود السيسي، نجل رئيس الجمهورية، ليس متحمساً للأفكار التي كان قد تحمس لها سابقاً مدير الجهاز اللواء عباس كامل، عن فتح نوافذ حرية التعبير وتغيير المشهد الإعلامي المختنق حالياً، مع إتاحة مساحة محسوبة من الحرية للصحف ووسائل الإعلام".
وكانت هذه الأفكار قد روجت في سبتمبر/أيلول الماضي في دوائر النظام وكشفت عنها في حينها "العربي الجديد" استناداً إلى إحصائيات أجرتها المخابرات العامة استعداداً لتعديل الدستور، أن "هناك زيادة مطردة في أعداد مشاهدي ومتابعي القنوات والمواقع المعارضة للنظام والتي تبث من قطر وتركيا، بما في ذلك المواقع المحجوبة التي أصبح الوصول إليها أسهل عن طريق صفحات التواصل الاجتماعي، لا سيما أن بعضها أصبح يراهن على نجاح الوصول للقارئ المصري عبر صفحات فيسبوك وتويتر مباشرة لبث الأخبار والرسائل، من دون الحاجة لأدوات كسر الحجب عن المواقع الأصلية". ونبّهت إلى "خطورة لجوء المواطنين للإعلام المعارض للدولة في ظل فشل سياسات الحجب ومراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، التي سنّ من أجلها قانونا مكافحة الجريمة الإلكترونية وتنظيم الإعلام في الصيف الماضي".