تحذيرات الإصلاحيين.. بشائر الحكومات

23 ديسمبر 2014

سوريون يتظاهرون ضد نظام الأسد أمام البيت الأبيض (17مارس/2012/أ.ف.ب)

+ الخط -

كانت الوسطيّة، وما زالت، الشعار الذي ترفعه الدعوات الإصلاحية في المنطقة. ومهما كانت وسطيّتها، فإن حكومات المنطقة كانت تعمد إلى التضييق عليها، بل وضربها ومحاولة استئصالها بين وقت وآخر.

ظلت هذه الحركات الإصلاحية تسوق مشروعها الوسطي، بدعوة الحكومات إلى التعقل، فالبديل عنهم هو التطرف الذي سيؤذي تلك البلدان، ويزعزع استقرارها.

كانت تلك التحذيرات حقيقية، وقد ظهرت علاماتها، ثم تنظيماتها، ثم أفعالها المتطرفة في بلدانٍ كثيرة في المنطقة، فهل استفاقت الحكومات؟

بالطبع لا. ولكن، في الحقيقة، نحن من يجب عليه أن يستفيق. فالحكومات كانت تتمنى ما كنا نحذرها منه، وحين كان الناصحون يوجهون سلوكها في كيفية التعامل مع المطالب والحقوق للإصلاحيين، كانت تتخذ الإجراءات المعاكسة تماماً. وكانت تمارس من الضغط ما تنهد له الجبال من ضغط نفسي، وتضييق على العيش، ومصادرة للحقوق، وتكميم للأفواه واعتقالات وتعذيب.. وذلك كله لم يكن إلا دفعاً لكل وسطي مسالم للتطرف الذي كنا نتصور أن الحكومات تخشى وجوده.

نعم.. كانت الحكومات تدفع أصحاب الوسطية إلى التطرف، بكل ما أوتيت من دهاء ومكر، وتذلل الوصول إليه بشتى الطرق، ودافعها إلى ذلك أن أخشى ما تخشاه أن تكتشف الشعوب حقيقة الخداع الذي تمارسه الحكومات عليها، وأن تقتنع الشعوب بأن هناك وضعاً أفضل مما هي عليه. ولذلك، إن وجود التطرف بمثابة الإنقاذ لها وضمان استمراريتها، خصوصاً حين توضع الشعوب أمام خيار إمّا التطرف في فوضى تزهق الأرواح والأموال، أو العيش بسلام في عبودية لحاكم مستبد. انتهجت الحكومات وصية هتلر النازية "إذا أردت السيطرة على الناس، فأخبرهم أنهم معرضون للخطر، وحذرهم من أن أمنهم تحت التهديد، ثم شكك في وطنية معارضيك". والحقيقة أن هذه الحكومات زادت على معلِّمها، فحرصت على وجود الإرهاب حقيقة. واليوم، نجزم بأنها صنعت التطرف صناعة متقنة، وسهلت له الجريمة، ثم صرخت مستنجدة بالشعوب من خطر محدق بهم. وها هي تجني، اليوم، من الفوائد ما كانت تحلم به من دعائم لسلطتها. فشعوب المنطقة، اليوم، أكثر خوفاً من الحكومات، بسبب حركات التطرف، وقد رأت أن خلاصها بيد الحكومات، وإن كانت لا تثق بها. ومن جانب آخر، ذلك العدد الهائل من شباب الأمة الذي تُحصَد أرواحه يومياً ممن انضموا إلى حركات متطرفة، ما كان للحكومات أن تجد عذراً في سحقهم وقتلهم، أروع من هذا العذر، وقد كانوا يوماً يمكن أن يشكلوا مشروعاً بديلاً لحضارة الأمة ونهضتها. ولا يخفى على عاقل أن تلك الحكومات استطاعت شيطنة كل حركات الإصلاح والمقاومة الشريفة والثورات المباركة، من خلال مشاهد التطرف الإجرامية التي تبثها تلك الحركات المتطرفة. وبالتالي، شيطنة كل من يدعمها أو يؤيدها. ولا أستبعد أن تقوم هذه الحكومات يوماً بتسهيل عمليات تسلل المتطرفين إلى الأراضي، وتمنحهم فرصة لأعمال إرهابية ترتعد لها أفئدة الشعوب.

فالتحذيرات التي انطلقت، يوماً، من الإصلاحيين، ما هي إلا بشائر للحكومات، تؤذن لهم بثباتهم على كراسيهم في عهد استبدادي جديد. ولكن، هيهات أن يكون ذلك، ففصول الحلقات لم تنته عند هذا المشهد، وللشعوب كلمة أمام التطرف ومن يغذيه.

22B6CE35-130E-4923-A014-FAB5F55643A5
أحمد الشيبة النعيمي

رئيس المركز العالمي للدراسات والبحوث في لندن، كاتب وإعلامي إماراتي، له مساهمات في المجالين، الثقافي والتعليمي، مختص في علوم التربية وعلم النفس التطبيقي وشؤون المجتمع، وفي التطوير المؤسسي والتعليمي. حصل على الماجستير من جامعة نورث إيسترن بوسطن الأميركية.