12 نوفمبر 2024
تحدٍ مصيري أمام المجلس المركزي الفلسطيني
وسط توقعاتٍ متفاوتة بنتائج انعقاده، وترقب شديد من المخاطبين به، وتحت ضغط جبل من التطورات المتراكمة، الناجمة أخيرا عن اعتراف الرئيس الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، يعقد المجلس المركزي الفلسطيني، بعد طول غياب، اجتماعاً طارئاً له في رام الله، العاصمة السياسية المؤقتة، يومي 14و15 يناير/ كانون الثاني الجاري، بجدول أعمال من ثمانية بنود، لعل أهمها "مراجعة للمرحلة السابقة التي بدأت عام 1993 بكل جوانبها"، ناهيك عن بند "دراسة سبل التصدي للقرار الأميركي بشأن مدينة القدس المحتلة"، الأمر الذي يضاعف من درجة الترقب لدى الفلسطينيين وغيرهم، إزاء ما قد تسفر عنه الدورة من قرارات، يؤمل منها أن ترقى إلى مستوى التحديات المحدقة من كل صوب، بالحاضر والمستقبل الفلسطينيين.
إذا لم يكن هذا الاجتماع الذي أملته هجمة أميركية إسرائيلية منسقة على رؤوس الأشهاد، دشّنها دونالد ترامب من البيت الأبيض قبل أكثر من شهر، بإعلانه الاستعراضي المتلفز بشأن القدس، فإنه قد يكون من أهم اجتماعات هذه الحلقة التشريعية الوسيطة في بنية النظام الفلسطيني، ليس جرّاء ما هو مدرجٌ على جدول الاجتماع من موضوعاتٍ لم يعد ممكنا تأجيل بحثها إلى أجل غير معلوم، وإنما بفعل هذه اللحظة السياسية الفارقة في مسار الصراع التاريخي الطويل، الذي انتقلت فيه الولايات المتحدة من موقع الحليف لإسرائيل إلى طور الشريك الكامل لها، وهو ما يثقل على الفلسطينيين أكثر من ذي قبل، ويضعهم أمام تحدٍّ مصيري مضاعف عما كان عليه الوضع سابقاً، وذلك في أسوأ مرحلةٍ تمر بها المنظومة العربية.
ومع أن الخيارات الصعبة المتاحة أمام الشعب الفلسطيني لا تزال صعبة، إن لم نقل إنها تشتدّ
أكثر فأكثر، وإن الأوراق الضئيلة المتبقية بين أيديهم تزداد ضآلة، إلا أنه لا بديل لديهم، اليوم وغداً، سوى المواجهة الشاملة على كل صعيدٍ ممكن، بما في ذلك المقاومة الشعبية بكل أشكالها المتاحة، ومواصلة الاشتباك الدبلوماسي والحقوقي على صعيد الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة، وتعزيز مقومات الصمود على الأرض، ورفع سوية الأداء المؤسّسي، وتجديد الدماء في عروق منظمة التحرير الفلسطينية. أي أنهم مطالبون برد الاعتبار للعامل الذاتي، بوصفه عنصرا محرّكا للأحداث في الداخل، ورافدا للدعم والمساندة والتضامن الفعال في الخارج، لعل ذلك يسهم في إجراء تعديل طفيف على ميزان القوى المختل، ويجوّد من صورة الكفاح الوطني، قبالة عدوٍّ يزداد فاشية وعنصرية.
على مثل هذه الخلفية المعرفية المشتركة بين أغلبية الفلسطينيين في الداخل والخارج، ينعقد المجلس المركزي الذي يقوم مقام المجلس الوطني في حالة تعذّر انعقاد المرجعية الفلسطينية الأعلى، ليجيب على جملةٍ طويلةٍ من الأسئلة الملحة، المطروحة على الجميع في هذه الآونة، وفي مقدمتها؛ ما هي الخطوات والمواقف والسياسات والتدابير الناجعة، المطلوبة اليوم، للرد على الهجمة الإسرائيلية الأميركية المشتركة؟ فعلى سبيل المثال، كيف لهذا الشعب المحاصر أن يتحلل من التزاماته المنصوص عليها مع الجانب الإسرائيلي، وأن يتمسّك، في الوقت ذاته، بالمكاسب الكيانية لعملية أوسلو، وفي مقدمتها مكسب إقامة أول سلطة وطنية منتخبة، بكل ما أنتجته من منظومات إدارية ومؤسسات نظامية وقضائية وأجهزة أمنية، وسلطات تشريعية معترف بها على أوسع نطاق دولي؟
وأيضاً، كيف السبيل إلى الحفاظ على التنسيق في الشؤون الحياتية المتشعبة، ووقف التنسيق في المجال الأمني في آن معاً، من غير أن يؤدي ذلك إلى تصعيب اليوميات الفلسطينية الصعبة أساساً، وربما جعلها مستحيلة إلى أبعد الحدود؟ وهل من المتاح الانفكاك من قيود الاتفاق الاقتصادي المجحف، من دون إلحاق ضرر لا يمكن احتماله لبنية اقتصاد محلي هش، ولمستوى معيشةٍ يقف على حافة الهاوية؟ وماذا إن مضت السلطة القائمة بالاحتلال نحو حجب المتحصلات الضريبية والجمركية عن خزينة السلطة الوطنية، واتضح، بعد وقت قصير، أن شبكة الأمان المالية العربية مجرّد وعد فارغ من كل مضمون، وفق ما تشير إليه الوعود والتجارب السابقة؟ وكيف يمكن تجنب ردود الفعل الانفعالية المضرة بكل من الكفاح الفلسطيني المشروع، وبالحياة المعيشية للملايين، من غير أن يؤدي ذلك إلى إضعاف روح الصمود والمقاومة؟
وأحسب أن هناك فيضاً من الأسئلة الأخرى التي تخالج نفوس الفلسطينيين في هذه المرحلة الحرجة، مثل ما هي أولويات النضال الفلسطيني وتكتيكاته المتلائمة مع مقتضيات الظروف الذاتية، وإكراهات الحقائق الموضوعية؟ وكيف يمكن وضع حد نهائي وحاسم لحالة الانقسام المديدة، واستعادة الوحدة الوطنية، خصوصاً أن هناك ميلاً قوياً لدى حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى المشاركة في دورة اجتماعات المجلس المركزي هذه؟ وما السبيل إلى تعزيز المرجعيات، ومأسسة الأطر القيادية، وتمكين الشعب في الأرض المحتلة، ورفع قدراته على المجابهة، وتحسين الخدمات التعليمية والصحية، وتخليص قطاع غزة مما يعاني منه على كل الأصعدة، وإشاعة المزيد من روح المصالحة والديمقراطية والشفافية، وغير ذلك الكثير مما تستلزمه متطلبات تحديات هذه المرحلة العصيبة، وتستدعيه موجبات خوض مواجهة قاسية وطويلة؟
في غمرة ذلك كله، من المرجح أن يلتفت المجلس المركزي، في اجتماعه الوشيك، إلى ضرورة عقد المجلس الوطني الفلسطيني في أقرب فرصة ممكنة، لتجديد شرعيات مختلف المرجعيات
والمؤسسات والأطر القيادية، بما في ذلك اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، لقطع الطريق بالكامل على كل محاولةٍ إسرائيلية هادفة إلى إيجاد بدائل واستحداث مؤسسات ملفقة، الغاية منها تكوين هيئات موازية ومطواعة، تؤدي إلى إثارة فوضى داخلية غير خلاقة، وتسمح للاحتلال بتمرير مخططاته الرامية إلى شطب الحقوق الوطنية المشروعة، وإظهار الشعب الفلسطيني في صورة الشعب المنقسم على نفسه في العمق، وهي غايةٌ لم يتمكن المحتلون من إنجازها في أي وقت مضى. ومع ذلك، ينبغي الاحتراز لها سلفاً، والعمل على منعها من الآن، لا سيما أن الدولة العظمى الوحيدة قد دخلت بقوة على خط إنهاء القضية الوطنية الفلسطينية.
إزاء ذلك كله، تبدو اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني، المقرّرة بعد أيام، مصيرية بكل ما في كلمة مصيرية من معنى، حيث يقع على كاهل المجتمعين، من ممثلي فصائل ذات حضور شعبي متفاوت، وشخصياتٍ وطنية وازنة، مهمة الإجابة على أسئلة لا حصر لها، اقتضتها تحديات التحول العميق في الموقف الأميركي إزاء مستقبل مدينة القدس، وما تبعه من مواقف إسرائيلية تسابق نفسها بنفسها، لاستغلال وجود صديق استثنائي لليمين الإسرائيلي المتطرف، مقيم في البيت الأبيض ثلاث سنواتٍ إضافية، يشد على أيدي المستوطنين بكل قوة، ويشجع على تمادي حكومة بنيامين نتنياهو في خرق كل القوانين والاتفاقيات والاعتبارات، فيما لم يلق في المقابل، في العالم العربي والإسلامي، من يثقل على يديه، أو يكبح ميوله المتطابقة مع أشد الاتجاهات عنصرية وفاشية، في آخر دولةٍ تقارف جريمة الاحتلال في عصر ما بعد نهاية الاستعمار في العالم.
إذا لم يكن هذا الاجتماع الذي أملته هجمة أميركية إسرائيلية منسقة على رؤوس الأشهاد، دشّنها دونالد ترامب من البيت الأبيض قبل أكثر من شهر، بإعلانه الاستعراضي المتلفز بشأن القدس، فإنه قد يكون من أهم اجتماعات هذه الحلقة التشريعية الوسيطة في بنية النظام الفلسطيني، ليس جرّاء ما هو مدرجٌ على جدول الاجتماع من موضوعاتٍ لم يعد ممكنا تأجيل بحثها إلى أجل غير معلوم، وإنما بفعل هذه اللحظة السياسية الفارقة في مسار الصراع التاريخي الطويل، الذي انتقلت فيه الولايات المتحدة من موقع الحليف لإسرائيل إلى طور الشريك الكامل لها، وهو ما يثقل على الفلسطينيين أكثر من ذي قبل، ويضعهم أمام تحدٍّ مصيري مضاعف عما كان عليه الوضع سابقاً، وذلك في أسوأ مرحلةٍ تمر بها المنظومة العربية.
ومع أن الخيارات الصعبة المتاحة أمام الشعب الفلسطيني لا تزال صعبة، إن لم نقل إنها تشتدّ
على مثل هذه الخلفية المعرفية المشتركة بين أغلبية الفلسطينيين في الداخل والخارج، ينعقد المجلس المركزي الذي يقوم مقام المجلس الوطني في حالة تعذّر انعقاد المرجعية الفلسطينية الأعلى، ليجيب على جملةٍ طويلةٍ من الأسئلة الملحة، المطروحة على الجميع في هذه الآونة، وفي مقدمتها؛ ما هي الخطوات والمواقف والسياسات والتدابير الناجعة، المطلوبة اليوم، للرد على الهجمة الإسرائيلية الأميركية المشتركة؟ فعلى سبيل المثال، كيف لهذا الشعب المحاصر أن يتحلل من التزاماته المنصوص عليها مع الجانب الإسرائيلي، وأن يتمسّك، في الوقت ذاته، بالمكاسب الكيانية لعملية أوسلو، وفي مقدمتها مكسب إقامة أول سلطة وطنية منتخبة، بكل ما أنتجته من منظومات إدارية ومؤسسات نظامية وقضائية وأجهزة أمنية، وسلطات تشريعية معترف بها على أوسع نطاق دولي؟
وأيضاً، كيف السبيل إلى الحفاظ على التنسيق في الشؤون الحياتية المتشعبة، ووقف التنسيق في المجال الأمني في آن معاً، من غير أن يؤدي ذلك إلى تصعيب اليوميات الفلسطينية الصعبة أساساً، وربما جعلها مستحيلة إلى أبعد الحدود؟ وهل من المتاح الانفكاك من قيود الاتفاق الاقتصادي المجحف، من دون إلحاق ضرر لا يمكن احتماله لبنية اقتصاد محلي هش، ولمستوى معيشةٍ يقف على حافة الهاوية؟ وماذا إن مضت السلطة القائمة بالاحتلال نحو حجب المتحصلات الضريبية والجمركية عن خزينة السلطة الوطنية، واتضح، بعد وقت قصير، أن شبكة الأمان المالية العربية مجرّد وعد فارغ من كل مضمون، وفق ما تشير إليه الوعود والتجارب السابقة؟ وكيف يمكن تجنب ردود الفعل الانفعالية المضرة بكل من الكفاح الفلسطيني المشروع، وبالحياة المعيشية للملايين، من غير أن يؤدي ذلك إلى إضعاف روح الصمود والمقاومة؟
وأحسب أن هناك فيضاً من الأسئلة الأخرى التي تخالج نفوس الفلسطينيين في هذه المرحلة الحرجة، مثل ما هي أولويات النضال الفلسطيني وتكتيكاته المتلائمة مع مقتضيات الظروف الذاتية، وإكراهات الحقائق الموضوعية؟ وكيف يمكن وضع حد نهائي وحاسم لحالة الانقسام المديدة، واستعادة الوحدة الوطنية، خصوصاً أن هناك ميلاً قوياً لدى حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى المشاركة في دورة اجتماعات المجلس المركزي هذه؟ وما السبيل إلى تعزيز المرجعيات، ومأسسة الأطر القيادية، وتمكين الشعب في الأرض المحتلة، ورفع قدراته على المجابهة، وتحسين الخدمات التعليمية والصحية، وتخليص قطاع غزة مما يعاني منه على كل الأصعدة، وإشاعة المزيد من روح المصالحة والديمقراطية والشفافية، وغير ذلك الكثير مما تستلزمه متطلبات تحديات هذه المرحلة العصيبة، وتستدعيه موجبات خوض مواجهة قاسية وطويلة؟
في غمرة ذلك كله، من المرجح أن يلتفت المجلس المركزي، في اجتماعه الوشيك، إلى ضرورة عقد المجلس الوطني الفلسطيني في أقرب فرصة ممكنة، لتجديد شرعيات مختلف المرجعيات
إزاء ذلك كله، تبدو اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني، المقرّرة بعد أيام، مصيرية بكل ما في كلمة مصيرية من معنى، حيث يقع على كاهل المجتمعين، من ممثلي فصائل ذات حضور شعبي متفاوت، وشخصياتٍ وطنية وازنة، مهمة الإجابة على أسئلة لا حصر لها، اقتضتها تحديات التحول العميق في الموقف الأميركي إزاء مستقبل مدينة القدس، وما تبعه من مواقف إسرائيلية تسابق نفسها بنفسها، لاستغلال وجود صديق استثنائي لليمين الإسرائيلي المتطرف، مقيم في البيت الأبيض ثلاث سنواتٍ إضافية، يشد على أيدي المستوطنين بكل قوة، ويشجع على تمادي حكومة بنيامين نتنياهو في خرق كل القوانين والاتفاقيات والاعتبارات، فيما لم يلق في المقابل، في العالم العربي والإسلامي، من يثقل على يديه، أو يكبح ميوله المتطابقة مع أشد الاتجاهات عنصرية وفاشية، في آخر دولةٍ تقارف جريمة الاحتلال في عصر ما بعد نهاية الاستعمار في العالم.
مقالات أخرى
05 نوفمبر 2024
29 أكتوبر 2024
22 أكتوبر 2024