لم يوجّه رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، كلمة تهنئة إلى التونسيين كما جرت العادة، واختار قضاء ليلة رأس السنة متنقلاً بين ثكنة عسكرية في مدينة بنزرت شمالي البلاد، ومستشفى للأطفال وسط العاصمة، وبالكاد كتب كلمات مستعجلة على صفحة الحكومة الرسمية تمنى فيها أن تكون "سنة 2017، سنة العمل، سنة الإقلاع الاقتصادي وسنة الإصلاحات، وسنة آمنة للجميع". هذه الجملة القصيرة تلخّص تقريباً أهم التحديات التي ستواجه حكومته هذا العام، على الرغم من أنها أمنيات تتكرر، إلا أن الجديد هو أن الشاهد سيكون مسؤولاً عن مآلها وعن عمل حكومته التي استأثرت بانتباه التونسيين خلال العام الماضي، عندما جاءت على أنقاض حكومة الحبيب الصيد.
ولن يكون للشاهد بالتأكيد أعذار سلفه نفسها، إذ وُلدت حكومته بأغلبية فاقت ثقة الحكومة السابقة، وضمّت إليها أطيافاً سياسية جديدة، وتمكّنت في آخر السنة من وضع موازنتها لهذا العام، لتبدأ العمل على تحقيق البرامج والإصلاحات التي تضمّنتها. وعلى الرغم من أن الشاهد كان مقتضباً في كلمته، إلا أن مهندس حكومة الوحدة الوطنية، الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، كان أكثر إسهاباً في الحديث عن التطلعات في العام الجديد، وبدأ بانتقاد "المتشائمين" الذين استبقوا 2017 بتكهنات تتلخص حول صعوباتها الاقتصادية والاجتماعية وتصاعد وتيرة تحدياتها الكبرى، خصوصاً على المستوى الأمني. ولفت السبسي إلى أن هذا التشاؤم في غير محله، وأن 2017 ستكون سنة الإقلاع الحقيقية لتونس، مستشهداً بعودة نسق إنتاج الفوسفات وقطاعات أخرى، وانتعاش القطاع السياحي، وهطول الأمطار بشكل يضمن موسماً زراعياً ناجحاً، لأن تونس بلد زراعي بالأساس، وخصوصاً نجاح مؤتمر الاستثمار الذي أمّن حوالى 34 مليار دينار (حوالى 15 مليار دولار)، سيدخل نصفها تقريباً في الدورة الاستثمارية بداية من هذا العام. وأعاد السبسي التأكيد أن نجاح مؤتمر الاستثمار حمل رسالة مهمة عن وضع تونس وصورتها لدى المجتمع الدولي، وقدرتها على النهوض من جديد، بشرط أن تواصل إقناع شركائها بوحدتها الداخلية، وبأن مناخها الاستثماري يبقى سليماً في كل محاوره.
ولكن السبسي والشاهد، يدركان على الرغم من التفاؤل، أن هذه الإنجازات المنتظرة لتحقيق الإقلاع المنتظر، مرتبطة بشروط عديدة، ليس أقلها حدّ أدنى من الهدوء الاجتماعي والتفهّم السياسي، وهما عنصران لا يتوفران في الوقت الراهن، وستشتد ضراوتهما خلال هذا العام الذي تقترب فيه الانتخابات المحلية، وهو موعد تنتظره الأحزاب التونسية لتصفية حسابات قديمة من جهة، ومحاولة إعادة تشكيل مشهد جديد، من جهة أخرى.
وبدأت بعض الأحزاب بمحاولة تفادي تشتتها وتشرذمها إلى كانتونات ودكاكين صغيرة، والبحث عن أرضيات تجمعها وتتجاوز من خلالها كل إحباطاتها السابقة، وتشكيل جبهات سياسية حقيقية تمكّنها من الفوز في الانتخابات. ولعل الشاهد حسب جيداً ما تبقّى له من مقاعد في البرلمان، بعد خروج "الوطني الحر" من اتفاق قرطاج ليلتحق بـ"مشروع تونس"، وقد يشكّلان معاً، إذا تواصل تفاهمهما، جبهة برلمانية معارضة مزعجة، تُضاف إلى بقية الكتل المعارضة.
اقــرأ أيضاً
ويعرف الشاهد أيضاً أنه يسابق الزمن، لقطع الطريق أمام الاحتجاجات الممكنة التي تتحضر في أكثر من منطقة، ولعل منظومة "عقد الكرامة" التي ستشمل حوالى 25 ألف عاطل عن العمل من خريجي الجامعات عام 2017 و25 ألف عاطل عن العمل عام 2018، ستخفض من حدة الاحتقان، ولكنها قد تكون سبباً أيضاً في إيقاظ عشرات الآلاف من العاطلين الآخرين الذي أعياهم الانتظار. وسيكون على الحكومة أن تتسلح بخطاب سياسي قوي قادر على الإقناع، وبإطلاق إنجاز المشاريع في المناطق، بما يؤكد أنها ستتوجه فعلياً إلى المناطق المحرومة والمنسية، وأن تعوّل أخيراً على تفهّم القيادة الجديدة لاتحاد الشغل التي سيفرزها مؤتمره المقبل نهاية هذا الشهر.
ولكن البطالة، التي تحوّلت إلى أزمة كبيرة في تونس وتسبّبت في فقدان آلاف الشبان للأمل، ليست وحدها ما يُنذر بتأزم الوضع الاجتماعي، فموازنة العام الجديد حملت معها أيضاً إجراءات ضريبية جديدة لا أحد يعرف بالتحديد كيف ستنعكس على الوضع الاقتصادي، خصوصاً على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وإن كانت ستسهم فعلاً في توازن المالية العامة أو ستتسبّب في صعوبات جديدة لهذه المؤسسات التي تعاني منذ سنوات جراء اضطراب السوق وتراجع القدرة الشرائية للتونسيين، الذين تؤكد الأرقام أن أغلبيتهم المطلقة مدينة للمصارف.
ويبقى الملف الأمني من أهم الملفات المطروحة على الحكومات التونسية وأصعبها، ولئن تمكنت تونس من تحسين مؤشراتها في السنة الماضية، وتجنّبت ضربات قوية، باستثناء اغتيال الشهيد محمد الزواري، فإن هذا العام سيشهد طرح ملف المقاتلين العائدين من بؤر التوتر، بكل ما يحمله من تهديدات جديدة، وصعوبات كبيرة في كيفية التعامل معه استخباراتياً ولوجستياً، وسياسياً أيضاً. بالإضافة إلى انعكاسات تطورات الأوضاع دولياً وإقليمياً في المناطق الساخنة، بعد تغيّر المعطيات في هذه المناطق وما حملته من إشارات واضحة تنبئ بأن هذا العام سيحمل معه معادلات جديدة، كلها تنعكس على وضع تونس، وخصوصاً في الجارة ليبيا التي تمثل حجر الزاوية اقتصادياً وأمنياً لتونس. ولعل حكومة الشاهد، والسبسي، مدعوة لأخذ زمام المبادرة لحلحلة هذا الملف، وعدم الاكتفاء بمراقبة ما يحدث وانتظار نتائجه، واعتماد سياسةٍ مُبادِرةٍ أكثر حدة وابتكاراً، على الرغم من الرهانات المختلفة لجيران ليبيا.
ويدرك الشاهد، أنه مجبر على تحقيق تقدّم حقيقي على كل هذه المستويات، على الرغم من كل هذه العوائق، وإقناع التونسيين سريعاً بأنه لن يلقى مصير الحكومات السابقة، وأن الرهان عليه كان في محله، وبهذا المعنى فإن العام 2017 سيكون مصيرياً بالنسبة لمستقبله السياسي، وهو الذي يحمل على كتفيه رهانات المستقبل في 2019، إذا سار كل شيء كما ينبغي.
اقــرأ أيضاً
ولكن السبسي والشاهد، يدركان على الرغم من التفاؤل، أن هذه الإنجازات المنتظرة لتحقيق الإقلاع المنتظر، مرتبطة بشروط عديدة، ليس أقلها حدّ أدنى من الهدوء الاجتماعي والتفهّم السياسي، وهما عنصران لا يتوفران في الوقت الراهن، وستشتد ضراوتهما خلال هذا العام الذي تقترب فيه الانتخابات المحلية، وهو موعد تنتظره الأحزاب التونسية لتصفية حسابات قديمة من جهة، ومحاولة إعادة تشكيل مشهد جديد، من جهة أخرى.
وبدأت بعض الأحزاب بمحاولة تفادي تشتتها وتشرذمها إلى كانتونات ودكاكين صغيرة، والبحث عن أرضيات تجمعها وتتجاوز من خلالها كل إحباطاتها السابقة، وتشكيل جبهات سياسية حقيقية تمكّنها من الفوز في الانتخابات. ولعل الشاهد حسب جيداً ما تبقّى له من مقاعد في البرلمان، بعد خروج "الوطني الحر" من اتفاق قرطاج ليلتحق بـ"مشروع تونس"، وقد يشكّلان معاً، إذا تواصل تفاهمهما، جبهة برلمانية معارضة مزعجة، تُضاف إلى بقية الكتل المعارضة.
ويعرف الشاهد أيضاً أنه يسابق الزمن، لقطع الطريق أمام الاحتجاجات الممكنة التي تتحضر في أكثر من منطقة، ولعل منظومة "عقد الكرامة" التي ستشمل حوالى 25 ألف عاطل عن العمل من خريجي الجامعات عام 2017 و25 ألف عاطل عن العمل عام 2018، ستخفض من حدة الاحتقان، ولكنها قد تكون سبباً أيضاً في إيقاظ عشرات الآلاف من العاطلين الآخرين الذي أعياهم الانتظار. وسيكون على الحكومة أن تتسلح بخطاب سياسي قوي قادر على الإقناع، وبإطلاق إنجاز المشاريع في المناطق، بما يؤكد أنها ستتوجه فعلياً إلى المناطق المحرومة والمنسية، وأن تعوّل أخيراً على تفهّم القيادة الجديدة لاتحاد الشغل التي سيفرزها مؤتمره المقبل نهاية هذا الشهر.
ولكن البطالة، التي تحوّلت إلى أزمة كبيرة في تونس وتسبّبت في فقدان آلاف الشبان للأمل، ليست وحدها ما يُنذر بتأزم الوضع الاجتماعي، فموازنة العام الجديد حملت معها أيضاً إجراءات ضريبية جديدة لا أحد يعرف بالتحديد كيف ستنعكس على الوضع الاقتصادي، خصوصاً على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وإن كانت ستسهم فعلاً في توازن المالية العامة أو ستتسبّب في صعوبات جديدة لهذه المؤسسات التي تعاني منذ سنوات جراء اضطراب السوق وتراجع القدرة الشرائية للتونسيين، الذين تؤكد الأرقام أن أغلبيتهم المطلقة مدينة للمصارف.
ويدرك الشاهد، أنه مجبر على تحقيق تقدّم حقيقي على كل هذه المستويات، على الرغم من كل هذه العوائق، وإقناع التونسيين سريعاً بأنه لن يلقى مصير الحكومات السابقة، وأن الرهان عليه كان في محله، وبهذا المعنى فإن العام 2017 سيكون مصيرياً بالنسبة لمستقبله السياسي، وهو الذي يحمل على كتفيه رهانات المستقبل في 2019، إذا سار كل شيء كما ينبغي.