ويبدو أن تفوّق أرجمان، بحسب المعلومات الإسرائيلية، في العمليات الميدانية، والتخطيط لهذه العمليات وإدارتها من بعيد (إذ لم يكن عميلاً ميدانياً)، يُنذر بهدف الاحتلال من اختياره، في ظل اعتراف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غادي أيزنكوط، نفسه، قبل نحو شهر بفشل قدرات الاحتلال على توفير معلومات مسبقة عن العمليات الفردية المحتملة. كما أن المخاوف الإسرائيلية المتزايدة، على الأقل على الصعيد الأمني والعسكري، من انهيار التنسيق الأمني مع أجهزة السلطة الفلسطينية، يحدد إلى حد ما طبيعة الأهداف والمهام المتوخاة من الرئيس الجديد لـ"الشاباك"، خصوصاً في الضفة الغربية المحتلة.
ويمكن تلخيص أهم هذه المهام، كجزء من الجهد الإسرائيلي العام لضرب الهبّة الفلسطينية، في السعي لاستعادة وإعادة بناء قاعدة وشبكة معلومات للاستخبارات الإسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية، وتوفير بيانات ومعلومات كاملة كشرط أولي لعمليات خاصة قد يعود الاحتلال وعملاء "الشاباك" إلى القيام بها في العمق الفلسطيني. هذه العمليات تعيد إلى الأذهان حرب الأشباح التي قادتها إسرائيل في بلدان بعيدة ووراء الحدود، ولكنها هذه المرة ستكون داخل الضفة الغربية، من دون أي اعتبار لتصنيفات أوسلو بشأن التقسيم الجغرافي لمناطق السلطة الفلسطينية، بين مناطق "أ"، و"ب"، و"ج". وبالتالي فإن هذه العمليات ستجعل كل هذه المناطق مفتوحة أمام النشاط الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي، من دون التفات أو اهتمام مثلاً لكون المنطقة "أ" خاضعة للسيطرة الأمنية الفلسطينية كلياً.
وفي هذا السياق، لفت عاموس هرئيل في صحيفة "هآرتس"، إلى أن أرجمان الذي عمل نحو 20 عاماً في قسم العمليات في "الشاباك"، كان رئيساً للقسم خلال فترة الانتفاضة الثانية، التي امتازت بكثرة العمليات التي نفذها "الشاباك" داخل الأراضي الفلسطينية، ومنها عمليات التصفية التي قامت بها قوات الاحتلال لنشطاء في الانتفاضة الفلسطينية وقادة عسكريين في مختلف الفصائل، ومن بينهم قادة "حماس"، وقادة في "الجبهة الشعبية" وداخل الجناح العسكري لحركة "فتح".
وتكفي هذه الإشارة من قِبل هرئيل وآخرين في الصحف الإسرائيلية، بشأن "تخصّص" أرجمان في إحباط العمليات، وباعه الطويل في التصفيات وعمليات الاغتيال، لتنذر باحتمالات عودة إسرائيل إلى اتّباع هذه السياسة مجدداً، خصوصاً في ظل أجواء الفاشية السائدة فيها، وتراجع وضعف صوت الجمعيات الحقوقية في إسرائيل، التي تتلقى ضربات متتالية من اليمين الإسرائيلي، تجعلها غير قادرة على الاحتجاج على عمليات التصفيات في حال استأنفتها إسرائيل.
اقرأ أيضاً: إسرائيل: رئيس الشاباك الجديد يكسر هيمنة التيار القومي الديني
وينضم أرجمان، إلى اثنين من رؤساء الجهاز السابقين، كرمي جيلون، الذي كان رئيس القسم اليهودي في "الشاباك"، وعامي أيالون، الذي جيء به من سلاح البحرية، ليكون ثالث رئيس للجهاز، من خارج "مدرسة المستعربين"، ومن لا يتقن اللغة العربية ولم يكن على إطلاع كبير على الثقافة والأجواء السائدة في المجتمع الفلسطيني أو أي من الدول العربية المجاورة، بل كان جلّ نشاطه في وحدة العمليات الخاصة للجهاز.
مع ذلك يبدو بحسب هرئيل، أن قدرات أرجمان وتخصّصه في مجال العمليات الخاصة وحرب "السايبر"، وشبكة علاقاته الواسعة مع رؤساء أجهزة استخبارات من الدول الأجنبية، أمور تؤهله لمحاولة القيام بالمهام الملحّة المطلوبة من جهاز الاستخبارات الإسرائيلي اليوم، خصوصاً في ظل تعاظم دور "السايبر"، وشبكات التواصل الاجتماعية. وهي كلها تحديات تبدو مغايرة، باعتراف هرئيل، عن التحديات التقليدية التي كان على "الشاباك" مواجهتها.
وتقف الهبّة الفلسطينية، التي يحرص الاحتلال على تسميتها بانتفاضة الأفراد، بحسب تصنيف الجيش، و"موجة إرهاب" بحسب تصنيف المستوى السياسي الإسرائيلي، على رأس التحديات التي سيواجهها أرجمان، مع المخاوف من التصعيد المحتمل لها وعسكرتها في الضفة وانتقالها إلى قطاع غزة. وبحسب هرئيل، كان أرجمان قد قال أخيراً رداً على سؤال عن أكثر ما يقلقه في هذا الشأن، هو تمكُّن حركة "حماس" من تنفيذ عملية كبيرة على الحدود مع غزة.
ولكن إذا كان أرجمان يتسلّم بحسب الصحف الإسرائيلية جهاز "شاباك" مستقرا لا يعاني من زلازل أو مشاكل داخلية، خلافاً للوضع في جهاز "الموساد" بعد تعيين يوسي كوهين رئيساً له، فإن ذلك لا ينفي بحسب هرئيل حقيقة أن "الشاباك" و"أمان" يحاولان في هذه المرحلة تطوير وبلورة طريقة عمل تُمكّن من رصد واكتشاف الفدائيين الأفراد الذين يعتزمون تنفيذ عمليات فردية من دون أي انتماء تنظيمي ومن دون أي إنذار، أو سابق معلومات بشأنهم. وهذا يشكّل أحد أكبر التحديات التي يواجهها الاحتلال وأجهزته الأمنية، وقد سبق أن أقر الاحتلال بهذه المشكلة في مواجهة الهبّة الحالية.
ويلي ذلك في خريطة التحديات أمام أرجمان، التأثير المتزايد والمُضاعف للعنف السائد (وهو التعبير الإسرائيلي لعمليات المقاومة) في الأراضي الفلسطينية، ولعمليات "داعش" على الشبان الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني، إذ تدّعي الجهات الإسرائيلية باستمرار، كجزء من حملات التحريض على العرب في الداخل، وجود بذور لنشاط "داعش" داخل إسرائيل، واقتراب الشبان في الداخل الفلسطيني من حدود تنفيذ عمليات متأثرين بما يحدث في الأراضي الفلسطينية، وخصوصاً في المسجد الأقصى. وقد استغلت الحكومة الإسرائيلية هذه القضية كمبرر وغطاء لإخراج الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح، عن القانون وحظر نشاطها ونشاط نحو 20 جمعية أهلية، بدعوى أنها تُحرّض على العنف في القدس المحتلة.
التحدي الآخر هو مواجهة عصابات الإرهاب اليهودية في صفوف اليمين والمستوطنين، إذ يتمتع أفراد هذه العصابات بحاضنة وتأييد كبيرين، مع عدم قدرة "الشاباك" على تحقيق اختراق في صفوف هذه الجماعات الإرهابية، التي تبني شبكاتها على أفراد يعرفون بعضهم البعض جيداً ولا يقبلون بغرباء في صفوفهم (من خارج المستوطنات، ومن خارج المعسكر الديني الصهيوني).
وأخيراً يبقى أمام رئيس "الشاباك" الجديد، مواجهة تحدّي حرب "السايبر"، وذلك في ظل قرار الحكومة الإسرائيلية والجيش بتشكيل ذراع مستقلة لحرب "السايبر"، مما يعني الخوض في صراعات بين جهاز "الشاباك" وذراع "السايبر" الجديدة، التي أُعلن أنها ستكون مستقلة تماماً عن باقي الأذرع الأمنية.
اقرأ أيضاً: نتنياهو يتجه للتصعيد ضد الانتفاضة لتحسين صورته أمام الإسرائيليين