تحديات السراج المستقبلية: من الانقسام العسكري إلى الخلاف السياسي

06 يونيو 2016
توحيد المجموعات المسلحة ضمن الجيش أبرز التحديات(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
منذ تمكنه من دخول العاصمة الليبية طرابلس، كان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بقيادة فائز السراج، يعلم أن تحديات جساماً في انتظاره، أولها مواجهة تمدّد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وليس آخرها وقف سيل الهجرة غير الشرعية عبر البلاد باتجاه الشواطئ الأوروبية. ولا يزال المجلس الرئاسي يعاني من الفشل في توفير الثقة البرلمانية لحكومته، نتيجة استمرار تعنّت برلمان طبرق برفضه منح ثقته الحكومة، التي يبدو أنها لم تلبِ طموحات داعمي البرلمان وعلى رأسهم اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
وعلى الرغم من ذلك، تمكّن المجلس الرئاسي من فرض وجوده، إذ أعلن مباشرة ثمانية وزراء من حكومته عملهم في مقارهم الرسمية في طرابلس، من بينها الوزارات السيادية (الخارجية والداخلية والدفاع). وتدريجياً بدأ التجاوب مع الحكومة، فالجامعة العربية اعتمدت وزير الخارجية، محمد سيالة، إلى جانب رئيس المجلس الرئاسي ممثلاً للبلاد خلال جلساتها الأخيرة. أما داخلياً فالإدارات التعليمية تعاملت حصراً مع أوامر وزير التعليم في حكومة السراج بشأن نهاية العام الدراسي وتحديد الامتحانات لهذا العام.
لكن السراج ورفاقه في المجلس الرئاسي لا يزال أمامهم شوط كبير لقطعه، فالتحديات لا تقتصر على الجانب الأمني أو الاقتصادي المتهاوي، فهناك التحالفات والخصومات المستشرية في جنوب وشرق وغرب البلاد من مخلّفات الانقسام السياسي على مدار سنتين، وحلحلتها أمر ضروري لتكون حكومة السراج حكومة كل ليبيا.
السراج الذي حصل على الدعم الدولي وأيضاً الإقليمي نسبياً، اتجه لردع خصومه السياسيين في الداخل من خلال تقوية وجوده على الأرض، فمنذ دخوله العاصمة طرابلس نجح باحتواء أكبر الفصائل العسكرية في غرب ليبيا، وتحديداً معسكر مصراتة الذي انضوى مسلحوه تحت شرعية قوات المجلس الرئاسي عبر عملية "البنيان المرصوص"، بالإضافة لـ"القوة الثالثة" جنوب ليبيا والتي تتشكّل من قبائل أولاد سليمان، والعديد من المجموعات المسلحة الأخرى، التي أعلنت وصول طلائع قواتها إلى جنوب سرت لتشارك في المعركة ضد "داعش".
وطاولت يد المجلس الرئاسي أجزاء من شرق ليبيا، حيث يتواجد مقر البرلمان وإدارة حفتر العسكرية، فقد أصدر المجلس قراراً، يوم أمس الأول الثلاثاء، بتعيين قائد جديد لحرس المنشآت النفطية وتشكيل غرفة عسكرية موحّدة بين سرت وأجدابيا بقيادة ضباط عسكريين من المنطقة. ولا يُخفى أن مقاتلي حرس المنشآت النفطية يتحدرون من قبائل قوية في الشرق، أبرزها قبيلة المغاربة التي تسيطر على أراضٍ واسعة في القسم الغربي من شرق ليبيا وأجزاء من منطقة الهلال النفطي. وغير بعيد عن المشهد وجود شخصيات بارزة ضمن حكومة السراج من شرق ليبيا، على رأسها فتحي المجبري، أحد أعضاء المجلس الرئاسي، والعقيد المهدي البرغثي بظهيره القبلي الهام في بنغازي والمعروف بخصومته لحفتر.


كما تلقى المجلس الرئاسي دعماً جديداً بإعلان رئيس المكتب السياسي لإقليم برقة، عبد ربه البرعصي، يوم الإثنين الماضي، بمشاركة لفيف من القيادات الاجتماعية من الشرق أمام السراج، عن "إسقاط مطالب الفدراليين في ليبيا حفاظاً على وحدة التراب الليبي"، في إشارة لدعمهم المجلس الرئاسي، وتراجع التعاطف مع الخطاب الذي طالما تبنّاه رئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، بشأن "حقوق" برقة الفدرالية.
ولكن السراج وإن نجح في عزل مجموعة البرلمان سياسياً داخل طبرق وعسكرياً بوقف تقدّمها باتجاه سرت بتشكيل غرفة "سرت-أجدابيا"، إلا أنه لا يزال يواجه مشكلة حفتر، الذي لا يزال لديه موالون في شرق البلاد بالإضافة إلى سيطرته على أغلب بنغازي والبيضاء وطبرق.
ففي طبرق لا يزال الفاعلون الحقيقيون ومن بينهم عقيلة صالح، يسيطرون على القرار ويرفضون مجرد الحديث عن الاستغناء عن حفتر كقائد عام لما يُعرف بالجيش الوطني الليبي، بالإضافة إلى أن اثنين من تسعة أعضاء في المجلس الرئاسي يقاطعان جلساته بسبب الموقف من حفتر، هما علي القطراني وعمر الأسود، اللذان ما انفكا يتهمان السراج بانسياقه وراء "إملاءات التيارات الإسلامية".
وأمام هذا الانقسام الجديد في شرق ليبيا، يواجه السراج مشكلة تتمثّل بإمكانية بروز خلافات الماضي، بين "برقة الحمراء" التي تعارض قبائلها الاتفاق السياسي ومخرجاته وتؤيد بشكل مطلق مساعي حفتر، و"برقة البيضاء" التي أعلن زعماء قبائلها تأييدهم المطلق للمجلس الرئاسي ويتحدر منها المهدي البرغثي وفتحي المجبري، وهو خلاف ساد لسنين وسط احتراب بين الجهتين، انتهى بتوقيع اتفاق عام 1922 إبان مقاومة الاحتلال الإيطالي للبلاد.
ولكن مسيرة نجاحات السراج، وعلى رأسها معركة قواته ضد "داعش"، والتي يصبو من خلالها لإقناع المجتمع الدولي بقدرته على إدارة البلاد، تواجه عقبات غير محسوبة، أبرزها هيمنة مسلحي مصراتة على المعركة في سرت، حيث يقود ضباطها ومقاتلوها عملية "البنيان المرصوص". وإذا حققت هذه العملية أهدافها، يصعب أن تُملى على قياداتها اشتراطات تتعلق ببناء الجيش أو "الحرس الرئاسي" بشكل متوازن مع بقية كتائب المدن الأخرى، فلن يكون من المنطقي لهم قبول تسليم سلاحهم والانضمام للجيش بالشروط نفسها التي ستنضم وفقها كتائب المدن الأخرى التي تأخرت، حتى الآن، عن المشاركة في القتال ضد "داعش"، علاوة على إقناع المجموعات المسلحة الأخرى والتي رحبت بدخول السراج إلى طرابلس، بالانضمام لقيادة عسكرية موحّدة مع قوات حفتر، وهي كانت قبل بضعة أشهر في مواجهة عسكرية معه.