تحالف "نداء تونس" و"حركة النهضة" يهتز بسبب ألمانيا

22 ديسمبر 2017
هل باتت المساحة أوسع بين الحزبين؟ (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

كان متوقعاً أن تلقي هزيمة "نداء تونس" في دائرة ألمانيا في الانتخابات النيابية بظلالها على المشهد السياسي التونسي، وأن تصل ارتداداتها إلى الجميع تقريباً، منتصراً أو مهزوماً. وكان من المتوقع أيضاً أن تطاول بالخصوص توافق "حركة النهضة" والنداء، لكن ما وصلت إليه الأمور تجاوز كل حد وأعاد من جديد طرح السؤال حول متانة هذا التوافق ومدى صموده في وجه منتقديه من داخل الحزبين ومن خارجه. وخرجت "النهضة" عن صمتها بعد ما كالته لها قيادات ندائية بارزة حمّلتها مسؤولية الخسارة تقريباً، مهددة إياها بإعادة النظر في مشروعهما المشترك. وذكرت الحركة في بيان لها، يوم الأربعاء، أن "بعض الأطراف التي اقترن اسمها بالاستبداد والفساد، تحاول تسميم الأجواء السياسية والتشويش على المسار وتكريس منطق الاحتقان والاستقطاب وتقسيم التونسيين"، في إشارة إلى القيادي بالنداء برهان بسيّس.

بسيّس، المكلّف بالملفات السياسية في "نداء تونس"، سبق أن أكّد في تصريح لإذاعة "موزاييك" توجّه النداء إلى "مراجعة علاقتها مع حركة النهضة"، معتبراً أن "أصواتاً نهضوية ساهمت في فوز المرشح ياسين العياري في الانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة ألمانيا، بالتالي رفض حزبه تكرار مثل هذه التجربة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة". وأشار بسيّس، وقياديون آخرون من الحزب، إلى أنّ "عدداً من الأصوات داخل النداء يرى أنّ علاقة الحزب بحركة النهضة أضرت بالحزب وبرنامجه وحضوره، ما يفسر نتيجة الانتخابات الجزئية في ألمانيا". وأضاف بسيّس ''نحن لسنا مستعدين لتكرار مثل هذه التجربة في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة لنجد في عام 2019 القاعدة الواسعة للنهضة تصوّت مثلاً لـ(الرئيس السابق) المنصف المرزوقي".

من جهته، ردّ عضو المكتب التنفيذي لحركة "النهضة" جمال العوي، بالتأكيد على أن "حركة النهضة وقواعدها التزموا بتعهداتهم بخصوص مساندة مرشّح حركة نداء تونس في الانتخابات التشريعية الجزئية بألمانيا وعدم تقديم مرشح منهم". وسأل: "ما هي المعطيات التي استند إليها القيادي في حركة نداء تونس برهان بسيّس، ليثبت عكس ذلك وليقول إنّ النهضة لم تف بتعهداتها ولم تدعم مرشّحهم؟".

وذهب القيادي في حركة "النهضة"، سمير ديلو، إلى أبعد من ذلك، كاشفاً عن الأرقام الحقيقية لعدد المصوتين لمرشح حزب "نداء تونس" من أنصار حركة "النهضة"، مشيراً إلى أن "الإحصائيات التي تحصّلت عليها النهضة من مسؤوليها في ألمانيا والتي ركزت على مكتبي الاقتراع في ميونخ وبون، باعتبارهما الأكبر، تشير إلى أن 181 من أنصار الحركة شاركوا في الاقتراع، منح 163 منهم أصواتهم للنداء". وتابع في تصريح لقناة "الحوار التونسي"، أنه "سألنا أنصار النهضة من المقترعين فرداً فرداً بعد تصويتهم، فكان ردّهم بأنهم صوّتوا لمرشح نداء تونس".



بدا المشهد سريالياً، أمام حزب يحمّل حزباً آخر مسؤولية عدم خروج قواعده للتصويت، ويحمّله مسؤولية هزيمته، إلى أن خرج رؤوف الخماسي، أحد أهم قيادات النداء ليعلن عن تحمّله مسؤولية الهزيمة باعتباره مسؤولاً عن هياكل الحزب في الخارج ومقيماً بألمانيا. ووصف الخماسي الجدل الدائر حالياً بشأن مراجعة علاقات التحالف بين "نداء تونس" و"النهضة" وفكّ الارتباط بينهما بـ"المراهقة السياسية".

وانتقد الخماسي بشدّة، على صفحته الرسمية بموقع "فيسبوك"، ردود فعل من وصفهم بـ"الوافدين الجدد" على حزب "النداء"، معتبراً أنّها "لا تخدم إلّا أجندة الفوضويين وأعداء نداء تونس وتعرّض أمننا القومي للخطر بزج بلادنا في أزمة حكم لا مبرّر لها". واعتبر أن "تحميل التوافق الوطني مسؤوليّة النتيجة التي حصل عليها النداء مدعاة للسخرية، لأنّ الأطراف المعروفة بمعاداتها لهذا التوجّه حصلت على نتائج أقلّ من النتيجة التي حصل عليها النداء"، مُحذراً حزبه من "المواقف التي يمكن أن تحدث بلبلة لدى الرأي العام وتستدرج الأحزاب لمغامرات سياسيّة غير محسوبة العواقب".

بدورها، عبّرت قيادات في "النهضة" تحدثت لـ"العربي الجديد"، عن "مفاجأتها واستغرابها لتصريحات بعض قيادات النداء"، مبدية انزعاجها من "تحميلها هذه المسؤولية، في حين أنها لم تقدّم مرشحاً في ألمانيا". وأكدت رسمياً أن "هذا المقعد يعود للنداء"، داعية قواعدها إلى دعمه، متسائلة عما يمكن أن تقدمه أكثر من ذلك.

وتلقت بقية الأحزاب المشهد بين "النهضة" و"النداء" بكثير من الارتياح، أهمها حركة "مشروع تونس"، التي أصدرت بياناً جددت فيه دعوتها التي أطلقتها منذ أشهر طويلة لكافة القوى الوطنية والتقدمية التونسية، من دون استثناء وبما فيها حركة "نداء تونس"، للالتقاء حول أرضيّة وهيكليّة عمل مشتركة تحقّق التوازن السياسي، على أن يكون برنامج عملها قائماً على مواصلة الحرب على الفساد، وإنقاذ الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس. واشترطت الحركة لإنجاح هذا التوجّه، أن "تقوم الأطراف المعنيّة بالمراجعات الضروريّة، في مستوى البرامج والأشخاص، التي كانت وراء اعتماد سياسات مخطئة كنا حذرنا منها أكثر من مرّة".

وذكّرت "مشروع تونس" بأنّها "برفقة عدد كبير من الأحزاب والشخصيات، تخوض حواراً جديّاً من أجل توحيد صفوفها منذ مدّة، وهي مستعدّة للانفتاح على قوى أخرى". بمعنى آخر فإن المشروع يوجه الدعوة للنداء للالتحاق به وبحزب آفاق لتشكيل جبهة جديدة واستعادة خيارات ما قبل انتخابات 2014، ولكن بصيغة جديدة تقود فيها "مشروع تونس" هذه المرحلة، هذه المرة، لا النداء، على أن توزّع فيها الأدوار بشكل مختلف، باعتبار أن رئيس "مشروع تونس"، محسن مرزوق، سبق أن قاد حملة النداء في تلك الانتخابات ولكنه تموضع في حزب مستقل. كما دعا أعضاء حزبه "شعب المواطنين" ألا يستهينوا باستحقاق الانتخابات البلدية، وأن يشاركوا فيه بكثافة.


المساهمون