من المتوقع أن يكون قطاع تجميع السيارات وراء سجن رجال أعمال ووزراء محسوبين على نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، رغم قصر عمر هذا القطاع الذي لم يطو بعد سنته الخامسة، باعتبار أن أول مصنع لتجميع السيارات أنشأته شركة "رينو" الفرنسية وبدأ عمله في نوفمبر/تشرين الثاني 2014.
على لائحة الفساد مالك مصنع "هيونداي" لتجميع السيارات، محيي الدين طاحكوت، ومالك مصنع "فولكسفاغن"، مراد عولمي، ومالك مصنع "كيا"، أحمد عرباوي، ومالك مصنع "شيري" الصينية، أحمد معزوز، وكلهم دخلوا سجن "الحراش"، قبل أن يجرّوا معهم سياسيين كبارا، مثل أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، رئيسي الحكومة السابقين، ويوسف يوسفي، وزير الصناعة سابقاً، الموقوفين مع عشرات من مسؤولي الوزارت ومديري البنوك العمومية، بعدما تابعهم القضاء الجزائري بتهم قوية، مثل تبييض الأموال المجمّعة من أعمال إجرامية، والضغط على موظفين في القطاع العام للحصول على امتيازات، وتبديد المال العام، وسوء استغلال الوظيفة وتضارب المصالح.
اقــرأ أيضاً
في الجزائر 6 مصانع تجميع سيارات تابعة لعلامات "رينو" الفرنسية و"كيا" و"هيونداي" الكوريتين الجنوبيتين، إضافة إلى "فولكسفاغن" الألمانية و"سوزوكي" اليابانية و"شيري" الصينية، في وقت حجزت الحكومة رخصتين، واحدة لـ"بيجو" الفرنسية والأُخرى لـ"نيسان" اليابانية.
أحد المحامين في قضية رجل الأعمال، محيي الدين طاحكوت، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، قال إن "التحقيقات كشفت مستويات كبيرة من الفساد. فرجال الأعمال استفادوا من علاقاتهم مع محيط الرئيس السابق بوتفليقة بمن فيهم وزراؤه، للحصول على امتيازات من محافظي الولايات الذين منحوهم مساحات الأراضي اللازمة لإقامة المصانع بطرق ملتوية، ليتحصّلوا بعد ذلك على قروض مصرفية ضخمة من بنوك عمومية تعادل ضعف قيمة المصانع، قبل أن ينالوا في نهاية المطاف تراخيص من وزارة الصناعة من دون احترام دفتر الشروط، وكل ذلك بتواطؤ من رئيسي الحكومة السابقين، أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، الذي كان ابنه المسجون معه شريكاً في مصنع "شيري" مع رجل الأعمال أحمد عرباوي".
وأردف لـ"العربي الجديد" أن "رجال الأعمال شيّدوا فساداً مركّباً، لأن عمليات الفساد لم تتوقف عند هذا الحد، بل تعدّته إلى تضخيم فواتير استيراد هياكل السيارات، لإخراج الأموال من الجزائر بطرق قانونية، بتواطؤ مكشوف مع محمد لوكال، وزير المالية الحالي ومحافظ بنك الجزائر (المركزي) سابقاً، المتابَع هو الآخر من جانب القضاء والمنتظَر مثوله أمام المحكمة العليا خلال الأيام القادمة".
هزات متتالية
منذ إطلاقه سنة 2014، مرّ نشاط تجميع السيارات بالعديد من الهزّات والفضائح، كان أولها فضيحة تسريب صور للهياكل المستوردة سنة 2017، التي أوضحت أن السيارات تُستورد مركبة تقريباً ولا ينقصها إلا العجلات، ما دفع بمصانع التجميع إلى فتح أبوابها أمام كاميرات الصحافة، إلا أن الصورة النمطية كانت قد ترسّخت في أذهان الجزائريين الذين باتوا يسمّون المصانع بـ"مصانع نفخ العجلات".
وتلتها سنة 2018 "فضيحة فقاعة الأسعار" التي انفجرت عقب تسريب قائمة السيارات المجمعة في الجزائر وأسعارها المُصرّح بها من طرف المُصنعين لدى الحكومة، والتي تُعد أقل عن الأسعار المعروضة في قاعات العرض بأكثر من 500 ألف دينار جزائري (4.9 آلاف دولار)، وتصل في بعض الأحيان إلى أكثر من مليون دينار (10 آلاف دولار)، في فضيحة جعلت الجزائريين يقاطعون شراء السيارات المجمعة محلياً، بعد إطلاق حملة "خليها تصدي" أي "أتركها للصدأ"، لتأتي الضربة القاضية لمصانع تجميع السيارات الشهر المنصرم، حين أعلنت الحكومة الموقتة بقيادة نورالدين بدوي، تجميد استيراد هياكل السيارات "Semi knocked-down"، بعد تجاوز فاتورة واردات مصانع التجميع عتبة الملياري دولار في الأشهر الأربعة الأولى من السنة الحالية، وهو حجم ما يتم استيراده خلال 12 شهراً على مدى السنوات الماضية.
وتضاعفت فاتورة الاستيراد المتعلقة بهياكل السيارات والتجهيزات الموجهة إلى مصانع التجميع المحلية، حيث بلغت خلال السنة الماضية قرابة 3 مليارات دولار، محققة قفزة كبيرة عن المستوى المحقق خلال السنة التي سبقتها والمقدر بنحو 1.67 مليار دولار، وهو ما يعادل ارتفاعاً بنسبة تفوق 79% بين عامَي 2017 و2018.
الخبير في سوق السيارات، أمين زهاني، قال في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه إذا كانت الحكومة على علم بأن مجمّعي السيارات، أي العلامات العالمية، يقومون بالاحتيال على المواطن ونهب جيوبه، ويتحايلون أيضاً على الحكومة بإعطاء أرقام مغايرة عن تلك التي يبيعون بها السيارات من أجل تخفيض فاتورة الضرائب، لماذا لم ترسل الحكومة فرق تفتيش أو تستعن بالقضاء لإيقاف السرقة "المقنّعة" و"المقننة".
وأضاف المتحدث أن "الأيام كشفت أن مصانع التجميع كشفت عن وجود شبكة فساد كبيرة، وللأسف فيها وزراء أقسموا على خدمة الوطن، وإلا فكيف نُفسّر سكوت يوسف يوسفي وزير الصناعة المسجون عن تضخيم الأسعار"؟
مستقبل غامض
وفي ظل الأزمات المتلاحقة التي يمر بها قطاع تجميع السيارات في الجزائر، وبلوغها الآن مرحلة دخول أصحاب المصانع السجن وتجميد استيراد الهياكل، تبدو المصانع ومن ورائها عشرات آلاف العمال أمام سيناريوهات قاتمة، حيث إن الغموض يلف مستقبل القطاع المترنّح بين البقاء إذا تدخلت الحكومة، أو الانهيار في حال قرّرت التخلي عن هذه التجربة "الهجينة".
في السياق، يقول الخبير الاقتصادي جمال نورالدين إن "الحكومة مضطرة لاحتواء قطاع تجميع السيارات بعيوبه، لأسباب عديدة، منها أولاً حماية فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، فالعمال اليوم يعيشون ضغطاً رهيباً بسبب تجميد استيراد الهياكل حتى مطلع سنة 2020، وثانياً بسبب سجن أصحاب المصانع بما يعني غموض المشهد بالنسبة للعمال والموظفين، في حالة دفعت، مثلاً، عمال مصنع "هيونداي" إلى الاحتجاح خارج المصنع عدة مرات مطالبين الحكومة بتحمّل مسؤوليتها".
المتحدث نفسه قال لـ"العربي الجديد"، إن "من الأسباب التي تدفع الحكومة إلى التدخل لإنقاذ المصانع ما هو مرتبط بصورة الجزائر خارجياً، فالمصانع هي ثمرة شراكة بين رجال أعمال محليين مع علامات عالمية، تحت رعاية الحكومة بصفتها ضابط القطاع، وبالتالي، فإن أي ضرر يصيب الاستثمارات سيشوّه الجزائر وصورتها، فهي بالكاد تنجح في استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة".
على لائحة الفساد مالك مصنع "هيونداي" لتجميع السيارات، محيي الدين طاحكوت، ومالك مصنع "فولكسفاغن"، مراد عولمي، ومالك مصنع "كيا"، أحمد عرباوي، ومالك مصنع "شيري" الصينية، أحمد معزوز، وكلهم دخلوا سجن "الحراش"، قبل أن يجرّوا معهم سياسيين كبارا، مثل أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، رئيسي الحكومة السابقين، ويوسف يوسفي، وزير الصناعة سابقاً، الموقوفين مع عشرات من مسؤولي الوزارت ومديري البنوك العمومية، بعدما تابعهم القضاء الجزائري بتهم قوية، مثل تبييض الأموال المجمّعة من أعمال إجرامية، والضغط على موظفين في القطاع العام للحصول على امتيازات، وتبديد المال العام، وسوء استغلال الوظيفة وتضارب المصالح.
في الجزائر 6 مصانع تجميع سيارات تابعة لعلامات "رينو" الفرنسية و"كيا" و"هيونداي" الكوريتين الجنوبيتين، إضافة إلى "فولكسفاغن" الألمانية و"سوزوكي" اليابانية و"شيري" الصينية، في وقت حجزت الحكومة رخصتين، واحدة لـ"بيجو" الفرنسية والأُخرى لـ"نيسان" اليابانية.
وأردف لـ"العربي الجديد" أن "رجال الأعمال شيّدوا فساداً مركّباً، لأن عمليات الفساد لم تتوقف عند هذا الحد، بل تعدّته إلى تضخيم فواتير استيراد هياكل السيارات، لإخراج الأموال من الجزائر بطرق قانونية، بتواطؤ مكشوف مع محمد لوكال، وزير المالية الحالي ومحافظ بنك الجزائر (المركزي) سابقاً، المتابَع هو الآخر من جانب القضاء والمنتظَر مثوله أمام المحكمة العليا خلال الأيام القادمة".
هزات متتالية
منذ إطلاقه سنة 2014، مرّ نشاط تجميع السيارات بالعديد من الهزّات والفضائح، كان أولها فضيحة تسريب صور للهياكل المستوردة سنة 2017، التي أوضحت أن السيارات تُستورد مركبة تقريباً ولا ينقصها إلا العجلات، ما دفع بمصانع التجميع إلى فتح أبوابها أمام كاميرات الصحافة، إلا أن الصورة النمطية كانت قد ترسّخت في أذهان الجزائريين الذين باتوا يسمّون المصانع بـ"مصانع نفخ العجلات".
وتلتها سنة 2018 "فضيحة فقاعة الأسعار" التي انفجرت عقب تسريب قائمة السيارات المجمعة في الجزائر وأسعارها المُصرّح بها من طرف المُصنعين لدى الحكومة، والتي تُعد أقل عن الأسعار المعروضة في قاعات العرض بأكثر من 500 ألف دينار جزائري (4.9 آلاف دولار)، وتصل في بعض الأحيان إلى أكثر من مليون دينار (10 آلاف دولار)، في فضيحة جعلت الجزائريين يقاطعون شراء السيارات المجمعة محلياً، بعد إطلاق حملة "خليها تصدي" أي "أتركها للصدأ"، لتأتي الضربة القاضية لمصانع تجميع السيارات الشهر المنصرم، حين أعلنت الحكومة الموقتة بقيادة نورالدين بدوي، تجميد استيراد هياكل السيارات "Semi knocked-down"، بعد تجاوز فاتورة واردات مصانع التجميع عتبة الملياري دولار في الأشهر الأربعة الأولى من السنة الحالية، وهو حجم ما يتم استيراده خلال 12 شهراً على مدى السنوات الماضية.
وتضاعفت فاتورة الاستيراد المتعلقة بهياكل السيارات والتجهيزات الموجهة إلى مصانع التجميع المحلية، حيث بلغت خلال السنة الماضية قرابة 3 مليارات دولار، محققة قفزة كبيرة عن المستوى المحقق خلال السنة التي سبقتها والمقدر بنحو 1.67 مليار دولار، وهو ما يعادل ارتفاعاً بنسبة تفوق 79% بين عامَي 2017 و2018.
الخبير في سوق السيارات، أمين زهاني، قال في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه إذا كانت الحكومة على علم بأن مجمّعي السيارات، أي العلامات العالمية، يقومون بالاحتيال على المواطن ونهب جيوبه، ويتحايلون أيضاً على الحكومة بإعطاء أرقام مغايرة عن تلك التي يبيعون بها السيارات من أجل تخفيض فاتورة الضرائب، لماذا لم ترسل الحكومة فرق تفتيش أو تستعن بالقضاء لإيقاف السرقة "المقنّعة" و"المقننة".
وأضاف المتحدث أن "الأيام كشفت أن مصانع التجميع كشفت عن وجود شبكة فساد كبيرة، وللأسف فيها وزراء أقسموا على خدمة الوطن، وإلا فكيف نُفسّر سكوت يوسف يوسفي وزير الصناعة المسجون عن تضخيم الأسعار"؟
مستقبل غامض
وفي ظل الأزمات المتلاحقة التي يمر بها قطاع تجميع السيارات في الجزائر، وبلوغها الآن مرحلة دخول أصحاب المصانع السجن وتجميد استيراد الهياكل، تبدو المصانع ومن ورائها عشرات آلاف العمال أمام سيناريوهات قاتمة، حيث إن الغموض يلف مستقبل القطاع المترنّح بين البقاء إذا تدخلت الحكومة، أو الانهيار في حال قرّرت التخلي عن هذه التجربة "الهجينة".
في السياق، يقول الخبير الاقتصادي جمال نورالدين إن "الحكومة مضطرة لاحتواء قطاع تجميع السيارات بعيوبه، لأسباب عديدة، منها أولاً حماية فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، فالعمال اليوم يعيشون ضغطاً رهيباً بسبب تجميد استيراد الهياكل حتى مطلع سنة 2020، وثانياً بسبب سجن أصحاب المصانع بما يعني غموض المشهد بالنسبة للعمال والموظفين، في حالة دفعت، مثلاً، عمال مصنع "هيونداي" إلى الاحتجاح خارج المصنع عدة مرات مطالبين الحكومة بتحمّل مسؤوليتها".
المتحدث نفسه قال لـ"العربي الجديد"، إن "من الأسباب التي تدفع الحكومة إلى التدخل لإنقاذ المصانع ما هو مرتبط بصورة الجزائر خارجياً، فالمصانع هي ثمرة شراكة بين رجال أعمال محليين مع علامات عالمية، تحت رعاية الحكومة بصفتها ضابط القطاع، وبالتالي، فإن أي ضرر يصيب الاستثمارات سيشوّه الجزائر وصورتها، فهي بالكاد تنجح في استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة".