30 أكتوبر 2024
تجريم فرنسا الاستعمارية المستحيل في المغرب العربي
كثيراً ما سمعنا سياسيينا يردّدون أنّ فرنسا اقترفت جرائم كثيرة في تاريخها الاستعماري الأسود في المغرب العربي، والجزائر، بصفة خاصّة، باعتبار طبيعة الاستعمار الاستيطاني الذي ساد فيها لأكثر من 130 عاماً، وفي تونس والمغرب، وأنّه قد حان الوقت لأن تدفع ثمن ذلك الإجرام من خلال برلمانات البلدان المغاربية المستقلّة، وهو ما لم يحدث، بعد مرور قرابة سبعة عقود على استقلال الدول الثلاث. لماذا؟ هي محاولة للإجابة عن الحالتين التّونسية والجزائرية، لأنّهما تكرّر حديث أجهزتهما التشريعية عن قوانين تجريم الاستعمار الفرنسي، من دون تجسيد.
هناك أكثر من مرجعية تاريخية يتأكّد بها حجم الجرائم التي اقترفها الاستعمار الفرنسي في تونس (انتداب) والجزائر، ولعلّ أهمّ المراجع هي التي كتبها الفرنسيون أنفسهم، عن وجودهم في البلدين، وكيف كان التعامل بالتجاوزات، الجرائم والسّجن لكلّ من تسوّل له نفسُه رفع الصوت للتّنديد بالنّظام الاستعماري ومنجزاته التي حاول إظهار أنّها من صميم العمل الرسالي الحضاري الذي حاولت تمجيده، وبخاصّة في الجزائر من خلال سنّ قانون، في عام 2004، في ظلّ حكم الرئيس الرّاحل شيراك، وهو نفسه، الرئيس الذي كانت له الإجابة الشهيرة، في زيارة قام بها لتونس، على أحد الطلاب، يومئ إلى الطبيعة البوليسية للنّظام التّونسي تحت حكم الرّئيس السّابق بن علي، هل تأكلون، هل تشربون...؟ وكأنّ الدّيمقراطية، كرامة المواطن أو حقوقه، في إدراك ذلك الرّئيس الذي سنّ قانون تمجيد الاستعمار في الجزائر، لا تتعدّى، بالنسبة إلينا، في بلداننا، حتّى ونحن مستقلّون، مجرّد الحصول على ما يشبع جوعنا ويروي عطشنا، من دون أن يتجاوزه إلى المطالبة بالتّغيير أو المواطنة، ذلك أنّ فرنسا لا يمكنها أن تتصوّرنا بعيداً عن نظام قانوني سنّته، في الجزائر بصفة خاصّة، في عام 1870، يُدعى قانون الأهالي، جعلت من الجزائريين، بموجبه، بشراً من طبقة متدنية، مقارنةً باليهود الذين منحتهم، ثلاثة عقود بعد ذلك، باسم قانونٍ يُعرف بقانون كريميو، الجنسية والمواطنة، في الجزائر.
تلك بعض الحقائق التي يجب الانطلاق منها، وقد تزيدها وضوحاً الإشارة إلى أن عدد الشهداء من عام 1830 إلى 1962، فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر، يناهز عشرة ملايين، أي ما يفوق عدد سكّان الجزائر في أوّل عملية إحصاء، بعد الاستقلال، وهو ثمانية ملايين، مع العلم
أن عدد ساكني الجزائر، بالحدود التي نعرفها عنها، منذ 1830، كان، وفق مراجع تاريخية عديدة، يقدَّر بين ستة وسبعة ملايين نسمة، أي إنّ نسبة نموّ سكّان الجزائر، فترة تفوق 130 عاماً، كانت صفراً أو سلبية، في حين أنّ عدد سكّان فرنسا، في 1830، يقدَّر بنحو 25 مليوناً، تضاعف ليصل في عام استقلال الجزائر إلى زهاء 50 مليون نسمة، على الرغم من كلّ الحروب (ثلاث حروب كبرى: 1870، ضدّ ألمانيا ثم الحربين العالميتين، الأول والثانية) التي دخلتها فرنسا، والأوبئة التي فتكت بالملايين، ما يعني، في عملية حسابية بسيطة، أنّ نسبة من قتلتهم فرنسا، من الجزائريين، يقارب العدد المشار إليه، أو يفوقه قليلاً، مع العلم أنّ عدد ضحايا الهمجية الفرنسية في مايو/ أيّار 1945، في بضعة أيام، فقط، فاق 45 ألف شهيد ولفترة سبع سنوات ونصف، من الحرب التحريرية الكبرى (1954-1962)، ناهز 1.5 مليون شهيد. وما زلنا نكتشف مقابر جماعية برفات مئات بل آلاف ممّن قضوا تحت التّعذيب الفرنسي البغيض، وهو ما قد يرفع العدد في تلك الحرب إلى قرابة مليوني شهيد.
وإذا كانت الجرائم ضدّ الإنسانية هي تلك التي تُقترف عندما يُقتل عشرات، مع سبق الإصرار والترصد، وبإيعاز من سلطات بلاد ضدّ بلد آخر (أو داخل البلد الواحد) باستهداف مجموعة بشرية معيّنة، فلا ندري بأيّ وصفٍ يمكن وسم الجرائم الفرنسية في الجزائر، لأنّ القيام بمحاولة قتل شعب بأكمله، بكلّ الوسائل، مدّة فاقت قرناً، بغرض الاستحواذ على أرضه (تجربة استيطانية لم يعرفها الإنسان إلا في فلسطين والجزائر وجنوب أفريقيا، من دون أن ننسى أستراليا والقارة الأميركية، شمالها وجنوبها)، هي جريمة تحمل تلك الأوصاف، وتنسحب عليها تلك الآثار القانونية، كذلك فإنه لا تنسحب عليها آثار التّقادم، ولو بعد قرون.
بالنّسبة إلى تونس، تكفي الإشارة إلى عملية عسكرية فرنسية واحدة حدثت في فبراير/ شباط 1958، أي بعد استقلال البلاد، في 1956، جرت وقائعها في قرية سيدي يوسف، على الحدود الجزائرية التونسية، حيث هاجمت الطائرات الفرنسية القرية المتّهمة بالإسهام في دعم
الجهود العسكرية الجزائرية في حربها ضد الجيش الفرنسي، وقد قُتل في تلك العملية قرابة 80 تونسياً، من بينهم 11 امرأة و20 طفلاً، لتكون - بمقاييس القوانين العالمية - جريمة حرب ضدّ الإنسانية اقترفتها السّلطات الرّسمية الفرنسية (الجيش والاستخبارات الفرنسيان).
شهدنا، هذه الأيّام، بعد الجريمة العنصرية التي راح ضحيتها جورج فلويد في أميركا، تلك الهبّة الإنسانية لنزع تماثيل تاريخية لشخصيات كان بعضها استعمارياً (كولومبوس مكتشف القارّة الأميركية). وبعضها الآخر من تجّار الرّقيق (تمثال بريستول البريطانية)، بل ذهب الآخرون إلى التّنديد بأهمّ فيلم في تاريخ السينما الأميركية، "ذهب مع الريح"، ليُشطب من قائمة الأفلام التي يمكن مشاهدتها على منصّات أفلام وأعمال فنّية في أوروبا وأميركا، بحجّة أنّه يمجّد فترة الرّقيق في الولايات الجنوبية الأميركية في فترة الحرب الأهلية في ستّينيات القرن التاسع عشر.
إذا كانت هذه جريمة واحدة، عنصرية ومقيتة، فكيف بتاريخ مقيت للقتل والنّهب والجرائم ضدّ الإنسانية وبملايين من الضّحايا، لا يكون موضوعاً لتشريعات، في بلداننا، لتجريم الاستعمار؟ هل هي سياسة توازن قوى لا يمكنها التعرّض لإشكالية ليست عاطفية، بل تاريخية، قانونية، وذات صلة بحقّ من قضى من الشهداء؟ ما لا يعرفه بعضهم عن الجزائر، أنّ المسألة لصيقة بالعقل الجمعي، لأنّه ما من عائلة جزائرية إلا وهي تملك تاريخاً بأسماء عشرات من أبنائها ممّن قضوا، على مرّ قرن ونيّف من الفترة المقيتة التي أسماها، بحقّ، فرحات عباس، أوّل رئيس للحكومة الجزائرية المؤقتة (حكومة تكوّنت في المنفى، في أثناء الحرب التحريرية الكبرى)، اللّيل الاستعماري، في كتاب يحمل العنوان نفسه، لأنّه كان ليلاً بكل ما يحمل من معنى الظلم والجريمة.
بيت القصيد، كما يُقال، هو لماذا تعطّل مشروع قانون تجريم الاستعمار الذي قُدّم، مرّة بعد
مرّة، لقراءة أوّلية أمام لجان البرلمان الجزائري؟ ولماذا، من الجانب التونسي، يُقال إنّ مشروع تجريم الاستعمار الفرنسي سُحب، وهو قريبٌ من التّمرير أمام البرلمانيين؟ مع العلم أنّ الحالتين، الجزائرية والتونسية، تختلفان، لأنّ الجهاز التّشريعي التّونسي وليد انتخابات حرّة ونزيهة، بالمعايير والمواصفات الغربية، في حين أنّ البرلمان الجزائري، كما هو معروف، نتاج أحزاب التّحالف الرئاسي (جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي)، ووليد فساد مالي كبير، إلى درجة أنّ ثمّة مفاهيم التصقت بالتجربة البرلمانية الجزائرية، وهي الشكارة (كيس مالي يقدم فيه مبلغ مالي لشراء الترشيح ثم المقعد البرلماني، أي الحصانة)، والكوطة (نسبة معيّنة تُحدّدها، مسبقاً، لكل حزب، يُقال، أجهزة عليا في النظام السّابق)، أي إن البرلمان غير تمثيلي. وبالتالي، ربّما فهمنا التأجيلات المتتالية لتقديم مشروع قانون تجريم الاستعمار، بل إنّ رئيساً سابقاً لجهاز أبلغ نظراءه الفرنسيين في باريس أنّ الجزائر لم يكن في نيّتها، البتة، طلب اعتذار من فرنسا عن جرائمها، فضلاً عن أن تكون قيد تحضير مشروع يجرّم فرنسا عن ماضيها الاستعماري، وربما يطالبها بتعويضات، عن ذلك كلّه، في مفهوم كلامه، طبعاً.
هذه هي الدرجة التّمثيلية لكلا الجهازين التشريعيين، فلماذا تتريّث في تقديم المشروع للتّصويت، أو لماذا لا تستفيد، على الأقل، من الحيثيات القانونية للملفات نفسها، التي اعترفت فيها السلطة الفرنسية عن مسؤولية الدّولة فيها، على غرار اعتراف شيراك بمسؤولية الدّولة الفرنسية في ترحيل يهود فرنسا في 1943، وبالتالي إمكانية أن ينال أولادهم وذووهم حقوقاً (تعويضات) من فرنسا، بل سبق للرّئيس الحالي، ماكرون، في حملته الانتخابية الرئاسية، في زيارة قام بها للجزائر، إثارة هذه المسألة بعباراتٍ يمكن اعتبارها اعترافات، حيث قال: "لا يمكن وصف ما جرى في الجزائر في أثناء الفترة الاستعمارية، إلا بأنها جرائم استعمارية". وعلى الرغم من ذلك كلّه، ما زالت دار لقمان على حالها، لا يتحرّك لها لسان، ولا ينبس لها ببنت شفة، فضلاً عن أن يتقدّم برلمانها بقانونٍ يجرّم الاستعمار، بما أنّ الوثائق موجودة، والشهادات موثّقة، والشهادات من ألسن مرتكبي الجرائم (رسائل جنود فرنسيين شاركوا في الجرائم، تقارير جنرالات فرنسا من قادة المعارك ضدّ المقاومة الجزائرية في العقود الأولى للفترة الاستعمارية... إلخ)، من ناحية، وممّن عايشوا حرب التّحرير الكبرى وضحايا التّجارب النووية الفرنسية في الجنوب الجزائري، من ناحية ثانية.
السّؤال الذي يُطرح، بالنّتيجة، يتّصل بغياب الإرادة السياسية، وهي الإرادة التي يمكن إرجاعها إلى حقائق عدم توازن القوى بين فرنسا وجاراتها في جنوب الضفة المتوسطية، ما يؤدي بنا إلى القول إنّ الاعتذار والاعتراف بالجرائم الاستعمارية، إضافة إلى تشريع تجريم الاستعمار لا يمكن أن يأتي إلا نتيجة لمشروعين، هما قوة تتبنى الإدراكات، ومؤسّسات تمثيلية، بعدها، يمكن أن تتحرّك مرتكزة على مشروعيتها الديمقراطية... وهذا هو المحك والرهان المستقبليان في الجزائر.
لم تعتذر فرنسا الدولة إلا عن جريمة واحدة لمقاوم فرنسي شارك في الحرب التحريرية الكبرى، هو موريس أودان، لأنّه كان فرنسياً، قُتل تحت التعذيب تماماً كما قُتل بن مهيدي (قيادي من الثورة)، وغيره من الجزائريين.
تلك بعض الحقائق التي يجب الانطلاق منها، وقد تزيدها وضوحاً الإشارة إلى أن عدد الشهداء من عام 1830 إلى 1962، فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر، يناهز عشرة ملايين، أي ما يفوق عدد سكّان الجزائر في أوّل عملية إحصاء، بعد الاستقلال، وهو ثمانية ملايين، مع العلم
وإذا كانت الجرائم ضدّ الإنسانية هي تلك التي تُقترف عندما يُقتل عشرات، مع سبق الإصرار والترصد، وبإيعاز من سلطات بلاد ضدّ بلد آخر (أو داخل البلد الواحد) باستهداف مجموعة بشرية معيّنة، فلا ندري بأيّ وصفٍ يمكن وسم الجرائم الفرنسية في الجزائر، لأنّ القيام بمحاولة قتل شعب بأكمله، بكلّ الوسائل، مدّة فاقت قرناً، بغرض الاستحواذ على أرضه (تجربة استيطانية لم يعرفها الإنسان إلا في فلسطين والجزائر وجنوب أفريقيا، من دون أن ننسى أستراليا والقارة الأميركية، شمالها وجنوبها)، هي جريمة تحمل تلك الأوصاف، وتنسحب عليها تلك الآثار القانونية، كذلك فإنه لا تنسحب عليها آثار التّقادم، ولو بعد قرون.
بالنّسبة إلى تونس، تكفي الإشارة إلى عملية عسكرية فرنسية واحدة حدثت في فبراير/ شباط 1958، أي بعد استقلال البلاد، في 1956، جرت وقائعها في قرية سيدي يوسف، على الحدود الجزائرية التونسية، حيث هاجمت الطائرات الفرنسية القرية المتّهمة بالإسهام في دعم
شهدنا، هذه الأيّام، بعد الجريمة العنصرية التي راح ضحيتها جورج فلويد في أميركا، تلك الهبّة الإنسانية لنزع تماثيل تاريخية لشخصيات كان بعضها استعمارياً (كولومبوس مكتشف القارّة الأميركية). وبعضها الآخر من تجّار الرّقيق (تمثال بريستول البريطانية)، بل ذهب الآخرون إلى التّنديد بأهمّ فيلم في تاريخ السينما الأميركية، "ذهب مع الريح"، ليُشطب من قائمة الأفلام التي يمكن مشاهدتها على منصّات أفلام وأعمال فنّية في أوروبا وأميركا، بحجّة أنّه يمجّد فترة الرّقيق في الولايات الجنوبية الأميركية في فترة الحرب الأهلية في ستّينيات القرن التاسع عشر.
إذا كانت هذه جريمة واحدة، عنصرية ومقيتة، فكيف بتاريخ مقيت للقتل والنّهب والجرائم ضدّ الإنسانية وبملايين من الضّحايا، لا يكون موضوعاً لتشريعات، في بلداننا، لتجريم الاستعمار؟ هل هي سياسة توازن قوى لا يمكنها التعرّض لإشكالية ليست عاطفية، بل تاريخية، قانونية، وذات صلة بحقّ من قضى من الشهداء؟ ما لا يعرفه بعضهم عن الجزائر، أنّ المسألة لصيقة بالعقل الجمعي، لأنّه ما من عائلة جزائرية إلا وهي تملك تاريخاً بأسماء عشرات من أبنائها ممّن قضوا، على مرّ قرن ونيّف من الفترة المقيتة التي أسماها، بحقّ، فرحات عباس، أوّل رئيس للحكومة الجزائرية المؤقتة (حكومة تكوّنت في المنفى، في أثناء الحرب التحريرية الكبرى)، اللّيل الاستعماري، في كتاب يحمل العنوان نفسه، لأنّه كان ليلاً بكل ما يحمل من معنى الظلم والجريمة.
بيت القصيد، كما يُقال، هو لماذا تعطّل مشروع قانون تجريم الاستعمار الذي قُدّم، مرّة بعد
هذه هي الدرجة التّمثيلية لكلا الجهازين التشريعيين، فلماذا تتريّث في تقديم المشروع للتّصويت، أو لماذا لا تستفيد، على الأقل، من الحيثيات القانونية للملفات نفسها، التي اعترفت فيها السلطة الفرنسية عن مسؤولية الدّولة فيها، على غرار اعتراف شيراك بمسؤولية الدّولة الفرنسية في ترحيل يهود فرنسا في 1943، وبالتالي إمكانية أن ينال أولادهم وذووهم حقوقاً (تعويضات) من فرنسا، بل سبق للرّئيس الحالي، ماكرون، في حملته الانتخابية الرئاسية، في زيارة قام بها للجزائر، إثارة هذه المسألة بعباراتٍ يمكن اعتبارها اعترافات، حيث قال: "لا يمكن وصف ما جرى في الجزائر في أثناء الفترة الاستعمارية، إلا بأنها جرائم استعمارية". وعلى الرغم من ذلك كلّه، ما زالت دار لقمان على حالها، لا يتحرّك لها لسان، ولا ينبس لها ببنت شفة، فضلاً عن أن يتقدّم برلمانها بقانونٍ يجرّم الاستعمار، بما أنّ الوثائق موجودة، والشهادات موثّقة، والشهادات من ألسن مرتكبي الجرائم (رسائل جنود فرنسيين شاركوا في الجرائم، تقارير جنرالات فرنسا من قادة المعارك ضدّ المقاومة الجزائرية في العقود الأولى للفترة الاستعمارية... إلخ)، من ناحية، وممّن عايشوا حرب التّحرير الكبرى وضحايا التّجارب النووية الفرنسية في الجنوب الجزائري، من ناحية ثانية.
السّؤال الذي يُطرح، بالنّتيجة، يتّصل بغياب الإرادة السياسية، وهي الإرادة التي يمكن إرجاعها إلى حقائق عدم توازن القوى بين فرنسا وجاراتها في جنوب الضفة المتوسطية، ما يؤدي بنا إلى القول إنّ الاعتذار والاعتراف بالجرائم الاستعمارية، إضافة إلى تشريع تجريم الاستعمار لا يمكن أن يأتي إلا نتيجة لمشروعين، هما قوة تتبنى الإدراكات، ومؤسّسات تمثيلية، بعدها، يمكن أن تتحرّك مرتكزة على مشروعيتها الديمقراطية... وهذا هو المحك والرهان المستقبليان في الجزائر.
لم تعتذر فرنسا الدولة إلا عن جريمة واحدة لمقاوم فرنسي شارك في الحرب التحريرية الكبرى، هو موريس أودان، لأنّه كان فرنسياً، قُتل تحت التعذيب تماماً كما قُتل بن مهيدي (قيادي من الثورة)، وغيره من الجزائريين.