تجديد المجال الديني

08 يونيو 2015

يريد الغرب إسلامه هو الذي يخدم مصالحه(Getty)

+ الخط -
تجرأت ندوة طنجة التي نظمها اتحاد كتاب المغرب، بالتعاون مع اتحاد الكتاب والأدباء العرب، نهاية الأسبوع الماضي، في جلساتها الأربع، على الاقتراب من موضوع حساس وخطير في الوقت الراهن، وذلك بطرحها تجديد الخطاب الديني موضوعا لها.
كان لافتا مشاركة باحثين من بلدان عربية، مثل مصر وتونس ولبنان وسلطنة عمان والأردن والكويت والسودان والمغرب، ومن تخصصات مختلفة. وبعض هذه البلدان عاش زمن الربيع العربي وخضّاته، وعرف ويعرف صعود تيارات الإسلام السياسي وهيمنتها على مفاصل حياته السياسية، في حين لم يسلم من ضربات إسلام متطرف، يؤمن بخيارات العنف واستمراء شريعة القتل، مع ما واكب ذلك من انعكاسات سلبية على مسارات العملية الديمقراطية، وأدى إلى حدوث كوارث، وأنهى مشاريع واعدة، والنتيجة ما نراه اليوم من فوضى هدامة للبشر والحجر.
ولم يكن منتظرا، كما هو متوقع، أن تقدم الندوة ترياق الشفاء لأمراض العالم العربي، لكنها، من الناحية المهنية الصرفة، كشفت أن أعطاب المثقفين العرب وأمراضهم وخلافاتهم، ومقولاتهم الجاهزة واصطفافهم المسبق لهذه الجهة أو تلك، ما يزال هو نفسه، وبالتالي، فبغياب التشخيص الدقيق والحصافة العلمية والنزاهة الأخلاقية، وفي سياق من اللغة الاتهامية عالية الصوت، وغياب القدرة على التنسيب، يكون مؤدى ذلك كله عدم مراوحة المكان، والسقوط في القول الجاهز السهل، وإعادة إنتاج الخطابات السالفة التي طبعت العقود الماضية، في محاولة للإجابة عن أسئلة التراث والمعاصرة والقدامة والحداثة.
وعلى الرغم من ذلك، تعتبر الندوة، من زاوية نظر أخرى، ذات جرأة، لأنها على الأقل أتاحت معرفة ما يفكر فيه هؤلاء من إسلاميين وعلمانيين وباحثين وتقنيين في موضوع مستشكل، مثل "تجديد الخطاب الديني"، وما إذا كان هؤلاء الملتفون حول طاولة الحوار قادرين على التحلي بفضيلة الإنصات لبعضهم، خارج المسبقات والجاهز، وضداً على الالتباسات التي تعوم اللحظة الراهنة، لم نعد ندري معها، هل مهمة إصلاح الخطاب الديني وتجديده من مهمات الدول أم النخب العالمة، أم الخبراء، أم هي مهمة مقصورة على رجال الدين، هم أولى من يتولاها، أم يمكن توكيلها إلى الشرطة الضبطية، أو الجهات الأمنية التي تحارب دين الإرهاب وتبقي على دين الاعتدال؟
هذه مقدمات أسئلة بقيت عالقة في ندوة طنجة، فقد سارعت الأطراف المتحاورة بالعودة سريعاً إلى صفوفها الخلفية، وتحصنت بالقول السهل، لكننا مع ذلك لم نعدم لحظات مشرقة من الحوار الصريح، ربما لأن أسئلة الحاضرين التي تغرف من مياه اللحظة العربية الدامية، دفعت الباحثين إلى الخروج من قواقعهم وكليشيهاتهم النظرية وتجريب مغامرة الجواب عن واقع جاثم على الصدور.
من هنا، تكمن جرأة خطوة اتحاد كتاب المغرب في تنظيم مثل هذه الندوة في الزمان والمكان، فالمغرب، كما قال المشاركون، واحة عربية في الوقت الحالي، وتجربة إسلامييه يصقلها الواقع وتمتحنها الممارسة. في الوقت نفسه، لا يبدو في الأفق أن نموذجا واحداً يمكن أن يسود، أو في إمكانه تقديم العلاجات الضرورية للمشكلات التي تعاني منها البلاد العربية ومآلات مساراتها السياسية التي انبثقت ما بعد الربيع العربي.
مفهوم جدا حيرة الباحث وشكه واختلاف منهجه في المقاربة ولغته المشفرة، لكن وعياً موجوداً عند من شارك في الندوة بأن مفاتيح تجديد الخطاب الديني بيد جهة أخرى، تقامر حين تحشر الدين في ملعب السياسة، وتخسر أوراقاً أخرى، حين تزج به في تدبير الشأن العام، في حين يريد الغرب إسلامه هو الذي يخدم مصالحه، كما يريد ذلك مالك السلطة في البلاد العربية، حتى يكون الكل تحت السيطرة.
6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..