تجارة الأعضاء البشرية أكثر ربحاً من المخدرات في العراق

17 ابريل 2015
غرفة عمليات في إحدى مستشفيات بغداد (فرانس برس)
+ الخط -
يقف الشاب العراقي، محمد عباس، قرب إحدى المستشفيات الحكومية المختصة بأمراض الكلى يصطاد البشر الذين يبحثون عن كلية لهم لإنقاذ أنفسهم أو من يحبون، فالعوز المالي والأزمة الاقتصادية التي تعصف بالعراق، جعلت بعض الشباب يمتهن عملية بيع وشراء الأعضاء البشرية. وتختلف الأسعار حسب البائع والمشتري لتراوح بين 25 و50 ألف دولار.
تحولت عمليات الاتجار بالأعضاء البشرية إلى ظاهرة، لتنشأ عصابات متخصصة في هذا المجال أشبه بالمافيا التي تتعامل بشكل منظّم وسري.
كان عباس أحد الشباب الذين يمتهنون بيع وشراء الكلى، في منطقة الكرداة، وسط العاصمة بغداد، التقته "العربي الجديد" للتعرف على طبيعة هذه السوق وكيفية عملها، ليدور الحديث: "أنت محمد؟ قال باللكنة العراقية (نعم خالي)، أحتاج إلى كلية لأني مريض وأعاني من الآم كبيرة، وقد أرشدني إليك أحد الأصدقاء".
رد محمد: "خالي الحديث ما يصير بالشارع، تعال نشرب استكان شاي (قدح شاي)، ويراك دكتور حسين الهندي، ليقرر ماذا سيفعل".
جلسنا في مقهى قريب وشربنا قدح الشاي، وما هي إلا لحظات حتى خرج علينا الدكتور حسين الهندي مرحّباً بمحمد عباس، سمسار الكلى الذي عرّفه بي، وأنني أحتاج لشراء كلية، لأني أعاني من عجز كلوي، لكن الهندي لم يتحدث كثيراً، طلب منّا إحضار الأوراق الخاصة بالحالة المرضية للمريض لغرض تحديد موعد العرض على الطبيب المختص، وهنا انسحبنا مع محمد إلى موقع ثانٍ للاتفاق على السعر".
في طريقنا إلى الخروج، قال محمد: "أنت صحافي أو ضابط شرطة، شكلك لا يوحي بالمرض وأنت غير متلهف لمعرفة التفاصيل كما المرضى الذين يأتون كل مرة إلينا. تحدث الصدق قبل أن أفتح بوجهك شوارع".
هنا كان لا بد من الحقيقة ولا شيء غيرها: "نعم أنا صحافي، لكن وعدي لك أن يبقى اسمك سراً ولا شيء سوى معرفة الحقيقة".. هنا يسكت السمسار قليلاً، ثم يقول بنبرة عالية: "يا أخي قول من الأول إنك صحافي".
يبدأ عباس بسرد ما لديه من معلومات خلال سيرنا بالشارع، بينما كان يلقي السلام على أصحاب المحال التجارية التي نمر من أمامها بكل حرارة ويبادلونه هم الأمر نفسه.

ويقول عباس إن "تجارة الكلى مربحة وتدر علينا المال الكثير، وأنا تحولت من بائع مخدرات إلى تاجر في سوق بيع وشراء الكلى، حيث يأتي أي زبون لي ويطلب شراء الكلى، ونقوم بإجراء الفحوصات له في عيادة مختصة لدينا لتحديد نوعية الكلية وسعرها".
ويشير إلى أن سعر الكلية يبدأ من 5 آلاف دولار وصولاً إلى أكثر من 25 ألف دولار، وعملية نقل الكلية تتم في المستشفيات الخصوصية في بغداد أو مستشفى في أربيل في إقليم كردستان (شمال)، بعد إجراءات نتبعها تكون في غاية السرية والكتمان، لأن الشرطة تلاحقنا واعتقلت العديد من المتاجرين بالكلى. ويضيف أن "عملية بيع الكلى تتم بصورة صحيحة بعيداً عن الغش، فنحن نعمل بقاعدة الفنان المصري عادل إمام في مسرحية الواد سيد الشغال (سلّمني نظيف تستلم نظيف). وبعد أن نجد المشتري ونحدد السعر، نقوم بجلب البائع ونتفق في عيادة الدكتور الذي يقوم بإجراء العملية مقابل 2500 دولار".
من جانبه، يقول عصام عبد الستار، الذي باع كليته قبل مدة، لـ"العربي الجديد": "أنا خريج جامعي وعاطل عن العمل منذ عام 2009، بعت كليتي مقابل 10 آلاف دولار، وأنا الآن بكلية واحدة، لكنني اشتريت سيارة أجرة للقضاء على الفقر ونظرات الحرمان بوجه أمي وإخوتي بعد وفاة والدي في موجات العنف الطائفي".
ويشير عبد الستار إلى أن هناك من يستغل عوز الشباب ويقوم بشراء الكلية، وليس في كل مرة تكون عملية البيع سليمة، فمرات كثيرة يقع فيها البائع في حبل عصابات الاتجار ويقومون ببيع كليته دون إعطائه أي مال، لأنه سيبقى تحت تأثير المخدر في العملية، ومرات سمعت من أصدقاء بأن الكثيرين يقعون ضحية عمليات نصب واحتيال.
من جهته، يقول مدير قسم الجريمة المنظمة في بغداد، العقيد حميد عباس، لـ"العربي الجديد"، إن وزارة الداخلية تمكنت منذ مطلع العام الجاري من تفكيك نحو 4 عصابات تقوم بمهمة بيع الكلى. ويوضح عباس أن "العصابات تقوم بتزوير هويات الأحوال المدنية للبائع والمشتري، ثم يقومون بعملية نقل الكلية في مستشفيات ببغداد أو أربيل، على أنها تبرع".
ويتابع: "هذا الأمر يعتبر جريمة كبرى بحق المجتمع، وإذا ما قارنّا السماسرة الذين يسهّلون الصفقات بين البائع والمشتري فهم أفضل بكثير من تلك العصابات التي تمتهن سرقة الأعضاء البشرية".
وحول سبل وقفها، يقول: "العامل الاقتصادي كفيل بالقضاء على المشكلة بشكل كامل، فالتدهور المالي لدى الفرد العراقي يدفعه لبيع كليته، والعوز في المؤسسات الصحية يدفع المشتري للتعامل معهم".

اقرأ أيضا:
أجساد السوريين للبيع
الفقر ينعش تجارة الأعضاء البشرية في اليمن
دلالات
المساهمون