نجح الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بالإعلان عن تشكيلة الحكومة الأولى في عهده، في اجتياز أول امتحان سياسي جدي، لجهة تشكيل حكومة كفاءات بعيدة عن المحاصصة الحزبية، وتضم وجوهاً معارضة، في انتظار جملة تحديات تالية، ليس أقلها التعامل مع الحراك الشعبي المستمر والملفات السياسية المرتبطة بالحوار، وتعديل الدستور والأزمات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة. وتكشف القراءة الأولى للحكومة الجزائرية الجديدة، عن أربع ملاحظات أساسية تتعلق بهيكلتها وطبيعة تركيبتها والوجوه، سواء تلك التي بقيت من الحكومة السابقة، أو تلك التي تم استدعاؤها مجدداً، أو الوجوه التي يتم توزيرها للمرة الأولى، وملامح توجهاتها الكبرى وأولوياتها الرئيسية. كما توضح بالأساس طبيعة الاهتمامات المركزية لتبون في المرحلة المقبلة.
أبرز ملاحظة على الحكومة الجديدة، التي يرأسها عبد العزيز جراد، استبعادها عن أي ملمح سياسي أو طيف حزبي، وتشكلها بخلفية اقتصادية صرف، بخلاف ما كانت تطالب به مجموعة من القوى السياسية، آخرها حركة "البناء الوطني"، التي طالبت تبون بتشكيل حكومة ائتلاف سياسي يشارك فيه أكبر قدر ممكن من القوى السياسية، وبالنظر أيضاً إلى طبيعة الأزمة الراهنة في البلاد ذات الطابع السياسي، وسط استمرار لافت للحراك الشعبي، ولطبيعة المرحلة غير المستقرة سياسياً، وفي ظل وجود برلمان مترهل وضرورة إعادة النظر في المجالس المحلية وقانون الانتخابات وقوانين البلدية والولاية والإعلام. وخلت الحكومة من شخصيات سياسية وازنة، ومن أي تمثيل حزبي، ما يؤشر إلى أن تبون فضّل أن تتولى الحكومة وتتكفل وتتفرغ بالأساس للاهتمامات الاقتصادية وحل المشاكل الاجتماعية، لكنه أبقى لنفسه الملفات والقضايا ذات الطابع السياسي، كالحوار الوطني وتعديل الدستور والمحددات السياسية الأخرى للمرحلة المقبلة.
وفي السياق، تؤشر نظرة إلى تركيبة الحكومة إلى عدم استناد تبون إلى الدستور الذي يلزمه باستشارة حزب الأغلبية في البرلمان الحالي، (جبهة التحرير الوطني)، وعدم استشارته لأي من الأحزاب السياسية في البلاد، على الرغم من وجود طفيف لوزراء محسوبين على أحزاب سياسية، من دون أن يكونوا من القيادات البارزة فيها، مثل وزير الزراعة شرفي عوماري، ووزير الصيد البحري سيد أحمد فروخي، المقربين من "جبهة التحرير الوطني"، ووزير الشؤون الدينية يوسف بلمهدي، وعودة بشير مصيطفى، المقرب من حزب "إخوان" الجزائر (حركة مجتمع السلم)، إلى منصبه السابق كوزير مكلف بالإحصائيات والاستشراف، ووزير المجاهدين (قدامى المحاربين) الطيب زيتوني المنتمي إلى "التجمع الوطني الديمقراطي"، ووزيرة العلاقات مع البرلمان بسمة أزوار، التي اختيرت لكونها نائبة في البرلمان أكثر من انتمائها إلى "جبهة المستقبل".
وكان الوزير المستشار والمتحدث الرسمي باسم الرئاسة الجزائرية محمد السعيد قد أعلن، مساء الخميس الماضي، عن تشكيلة الحكومة الجديدة، التي تضم 39 وزيراً، بينهم خمس نساء، ووزير بعمر 26 عاماً. وتضمنت نقل وزير السكن كمال بلجودي إلى الداخلية، فيما احتفظ صبري بوقادوم بحقيبة الخارجية، واحتفظ وزير العدل بلقاسم زغماتي بمنصبه، بينما احتفظ تبون بمنصب وزير الدفاع وفقاً لما ينص عليه الدستور. وخلت الحكومة من تعيين نائب وزير الدفاع كما كان عليه الأمر في حكومات عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان يشغله، منذ استحداثه في العام 2013، قائد أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح، ما يؤشر إلى رغبة تبون في استبعاد أي مظاهر لحضور الجيش في الحكومة.
اللافت في الحكومة الجديدة التركيز على الطابع الاقتصادي، سواء على مستوى الوزراء أو على مستوى هيكلتها، في ظل مواجهة الجزائر أزمة اقتصادية ومالية، بسبب تآكل احتياطي الصرف، الذي يتوقع أن يتدنى إلى أدنى مستوياته بحلول السنة المقبلة. وضمت الحكومة كفاءات وخبراء اقتصاديين كانت لهم مواقف نقدية ضد السياسات الاقتصادية السابقة، إضافة إلى استحداث وزارات في بعض القطاعات الاقتصادية، في محاولة لخلق اقتصاد بديل، كوزارات المؤسسات المصغرة والمؤسسات الناشئة في الصناعة الصيدلانية والإنتاج السينمائي، والكفاءات في الخارج والتي تهدف إلى تنفيذ سياسة جديدة للاستدعاء والاستفادة من الكفاءات والكوادر الجزائرية في الخارج. بالإضافة إلى ملاحظة الاستناد إلى الجامعة والرغبة في إقحامها في الفعل السياسي. وتم استقطاب عدد كبير من الوزراء من الكادرات الجامعية، كأستاذ الرياضيات المعروف محمد أوجاوت الذي عين وزيراً للتربية، والبروفيسور في العلوم السياسية شمس الدين شيتور وزيراً للتعليم العالي، والمهندس كمال ناصري وزيراً للسكن، وأستاذة الفلسفة مليكة بن دودة وزيرة للثقافة.
من جهة أخرى، يمكن الملاحظة أن الحكومة الجديدة تضم وجوهاً معارضة للنظام السابق، بعضها من الحراك الشعبي، وكانت قد اعترضت حتى على الانتخابات الرئاسية التي أفضت إلى انتخاب تبون رئيساً، وعلى ترشحه أصلاً للرئاسة، كوزيرة الثقافة مليكة بن دودة، والصحافي المعروف والمعارض عمار بلحيمر وزير الاتصال والمتحدث باسم الحكومة، والخبير الاقتصادي المعارض لنظام بوتفليقة فرحات آيت علي وزير الصناعة والمناجم، والخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي كمال رزيق وزير التجارة، والناشطة الحقوقية والوجه البارز في الحراك الشعبي في بدايته كوثر كريكو في وزارة التضامن، والممثل يوسف سحيري الذي عُيّن كاتب دولة مكلف بالإنتاج السينمائي. وبغض النظر عن الانتقادات التي وجهت إلى هؤلاء من قبل الناشطين في الحراك الشعبي بعد قبولهم مناصب وزارية، والعمل مع رئيس جديد كانوا ينتقدون ترشحه، فإن هذا التعيين يُعدّ في المقابل امتحاناً جدياً للوجوه المعارضة لتقديم أداء سياسي في الميدان وفي مجالات تتصل بإدارة الشأن العام.
ويعتقد الباحث في الشؤون السياسية عمار سيغة أن قراءة أولية للحكومة تؤكد أنها حكومة تكنوقراط، أبرز أولوياتها رسم سياسة عامة تنهي معاناة المواطن الجزائري، اقتصادياً واجتماعياً. لكنه يضيف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تزامن الإعلان عن الحكومة مع قرار السلطات إطلاق أكثر من 70 ناشطاً سياسياً كانوا يقبعون في السجون منذ بداية حراك 22 فبراير/ شباط، وعلى رأسهم المناضل الثوري لخضر بورقعة، يعكس نوايا السلطة لإعادة تنظيم الشأن الداخلي وتوفير ظروف مناسبة للحكومة الجديدة لمباشرة عملها في وضع جديد وإزالة فتيل التشنج".
لكن جملة الملاحظات هذه لا تدفع إلى إغفال انتقادات حادة وجهت إلى الحكومة الجديدة، حتى قبل بداية عملها، من قبل الكثير من الأطراف، خصوصاً الحراك الشعبي، الذي توجّه ناشطوه إلى الاعتراض على استمرار وزير العدل بلقاسم زغماتي في منصبه، على خلفية أزمات متعددة أثارها مع المحامين والقضاة وحملة اعتقالات طاولت النشطاء واتهامه بالضغط على القضاة بشأن القضايا المرتبطة بالنشطاء. تضاف إلى ذلك انتقادات بشأن مجموع عدد الوزراء، 39، في ظرف تشكو فيه البلاد من أزمة مالية تفرض التقشف وتقليص عدد الوزارات، وضعف الشخصية وغياب الكاريزما لدى عدد من الوزراء، خصوصاً في قطاعات حساسة كالتجارة والصناعة.
ويعتبر الناشط في الحراك الشعبي نور الدين خدير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة الجديدة لا تعطي أي مؤشر على أن للسلطة نوايا جدية للتغيير السياسي، موضحاً أن تطعيم الحكومة بوجوه معارضة لا يعني استعدادها لتحقيق مطالب الشعب السياسية، لكون ذلك أسلوباً عتيقاً استخدمته السلطة في محطات سياسية سابقة، ولكون السلطة تبقي صناعة القرار المركزية في يد جهة ما غير الحكومة. وتحيل قراءة كهذه إلى استمرار المخاوف في الجزائر من وجود ما ظل يعرف بـ"حكومة الظل" التي تتحكّم في صناعة القرارات السياسية والاقتصادية. يشار هنا أساساً إلى دور الجيش والمؤسسة الأمنية في ذلك، خصوصاً في ظل ظروف داخلية وإقليمية مشحونة، كما في ليبيا، بدأت تلقي بظلالها على الداخل الجزائري، بما قد يوفر لجهات الظل مبررات للتدخل في القرار، على الرغم من أن طبيعة المرحلة وتحوّلاتها ووجود وجوه معارضة في الحكومة، يفترض أن ينهي هذا الأسلوب في الحكم والحكومة.