تبكير الانتخابات الإسرائيلية: حسابات نتنياهو ومصالح شركائه في الائتلاف

18 نوفمبر 2018
يسعى نتنياهو لضرب حظوظ بينت قبل الانتخابات(غالي تيبون/فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يحاول إحباط مساعي شركائه في الائتلاف الحاكم والمعارضة لتبكير الانتخابات التشريعية، إلا أن نتائج جولة التصعيد الأخيرة مع المقاومة في قطاع غزة صعّبت بشكل كبير إمكانية أن يواصل الائتلاف الحالي الحكم.
فنتنياهو يعي تماماً أن حزب "كولانو" الذي يقوده وزير المالية موشيه كحلون، و"البيت اليهودي" بزعامة وزير التعليم نفتالي بينت، يصرّان على حل البرلمان وتبكير الانتخابات لدواعٍ متباينة. فرفض نتنياهو منح بينت منصب وزير الأمن في أعقاب استقالة أفيغدور ليبرمان، سيدفع "البيت اليهودي" إلى الانسحاب من الحكومة، وذلك تكريساً للإنذار الذي قدّمه الحزب بأنه في حال لم يتم منح زعميه هذا الموقع، فإنه سيعمد إلى مغادرة الائتلاف الصامد بغالبية صوت واحد (61 نائباً من أصل 120 في الكنيست).

ويصرّ بينت على تولي منصب وزير الأمن كشرط لبقاء الحكومة، لأنه يرى أن وصوله إلى هذا الموقع قد يمثل توطئة لتوليه منصب رئيس الوزراء، ليكون أول شخص من التيار المتدين يتولى هذا المنصب، على اعتبار أنه سيوظّف وجوده على رأس المؤسسة الأمنية في تطبيق الحلول العسكرية بالغة القسوة التي عرضها لمواجهة المقاومة في غزة، معتقداً أن هذا الأمر سيعزز مكانته الجماهيرية بشكل كبير. ومما كشفه موآف فاردي، المعلّق في قناة التلفزة الرسمية "كان"، يتضح أن بينت عرض، خلال جلسات المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن، خطة سيفضي تطبيقها إلى تسوية أحياء كاملة في غزة بالأرض، مع كل ما ينطوي عليه الأمر من سقوط أعداد كبيرة من القتلى في صفوف المدنيين.

في المقابل، فإن كحلون معنيّ بتبكير الانتخابات، لأن استطلاعات الرأي تتوقع أن يحقق حزبه مكاسب جيدة، وذلك بسبب رضى قطاع من الجمهور الإسرائيلي عن السياسات التي اعتمدها في التعاطي مع أزمة السكن، والتي لاقت استحسان الكثير من الأزواج الشباب.

أما نتنياهو، فعمد إلى شيطنة الدعوات لتبكير الانتخابات، وأخذ يحذّر من مخاطر إسقاط الحكومة، على الرغم من إدراكه أن هذه النتيجة باتت حتمية، لكنه يسعى إلى ضرب حظوظ "كولانو" و"البيت اليهودي" في الانتخابات المقبلة، وتصويرهما أمام جمهور اليمين بأنهما يخاطران بتهديد حكم اليمين بسبب اعتبارات حزبية وشخصية ضيقة. تعمُّد نتنياهو استهداف هذين الحزبين يأتي لإدراكه أنهما ينافسان "الليكود" على القاعدة الانتخابية نفسها تقريباً.
ويحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي عدم السماح بتبكير الانتخابات، لأنه يتخوّف من أن تفضي أي انتخابات تُجرى حالياً إلى تراجع مكانة حزب "الليكود" وقد تهدد قدرته على تشكيل الحكومة المقبلة، وذلك بسبب تراجع ثقة جمهور اليمين في السياسات الأمنية التي تبنّتها حكومته، لا سيما في أعقاب نتائج الجولة الأخيرة من المواجهة مع المقاومة الفلسطينية في غزة، والتي رأى فيها جمهور اليمين "خضوعاً وهزيمة".

نتنياهو الذي يضبط سلوكه حسب نتائج استطلاعات الرأي، يعي تماماً أن الاستطلاعات التي صدرت في أعقاب المواجهة الأخيرة تدل على تراجع محدود لشعبية "الليكود"، لكن على الرغم من أن هذا التراجع محدود، فإن الحزب يمكن أن يخسر المزيد من مكاسبه في حال تواصل الغضب والإحباط الجماهيري من نتائج المواجهة الأخيرة مع المقاومة الفلسطينية. ومما يفاقم مخاوف نتنياهو، حقيقة أن القطاعات الجماهيرية التي تحتج على سياساته الأمنية هي تحديداً تلك التي تمثّل جزءاً مهماً من قواعد اليمين و"الليكود"، في مدن وبلدات الجنوب الإسرائيلي.

وتدل كل المؤشرات على أن نتنياهو، الذي يعي في قرارة نفسه أنه ليس بوسعه الحيلولة دون تبكير الانتخابات لأن هذا يتوقف على مواقف شركائه في الائتلاف، سيوافق في النهاية على هذه الخطوة، لكنه في المقابل سيحاول بكل ما أوتي من قوة تأخير إجرائها إلى أبعد وقت ممكن. ففي الوقت الذي تطالب فيه الأحزاب الأخرى بإجراء الانتخابات في مارس/آذار المقبل، فإن "الليكود" يطالب بحل البرلمان في مايو/أيار، على أن تجرى الانتخابات بعد شهرين، أي في يوليو/تموز. ويهدف نتنياهو من محاولاته تأخير موعد الانتخابات المبكرة إلى تقليص تأثير نتائج جولة المواجهة الأخيرة مع "حماس" على توجّهات الناخب الإسرائيلي. وفي الوقت ذاته، فإن نتنياهو، الذي من المرجح أن يحتفظ بمنصب وزير الأمن في الحكومة راهناً، قد يلجأ إلى تنفيذ عمل عسكري مباغت ضد "حماس"، لمحاولة استعادة شعبية "الليكود" لدى جمهور اليمين.

ومما يدل على أن فرص الخيار العسكري كبيرة، أن نتنياهو قال أخيراً إنه على الرغم من وقف إطلاق النار مع "حماس" إلا أن إسرائيل ما زالت في "أوجّ معركة مستمرة"، وهو ما جعل الكثير من المعلّقين في إسرائيل يرون في هذا الكلام دلالة على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يمكن أن يأمر بتنفيذ عمل عسكري مباغت ضد "حماس" داخل غزة أو في الخارج.

ومن الواضح أن نتنياهو لن يحاول تجنّب تبكير الانتخابات عبر الموافقة على تعيين بينت وزيراً للأمن، على اعتبار أنه في حال نجحت السياسات الأمنية تجاه غزة حينها فإن هذه النتيجة ستُحسب لحزب "البيت اليهودي"، وفي حال فشلت فإن هذا سيعزز من دافعية الجمهور الإسرائيلي لمعاقبة "الليكود" في صناديق الاقتراع.

المساهمون