تباينات وحسابات حزبية تهدّد تماسك التحالف الحكومي التونسي

21 مايو 2015
السبسي متمسمك بالصيد رئيساً للحكومة (الأناضول)
+ الخط -
يواجه التحالف الحكومي في تونس جملة من الصعوبات والاختبارات المتتالية على مستوى تركيبته السياسية من جهة وعلى مستوى أدائه من جهة ثانية. صعوبات يرى البعض أنها وصلت الى درجة قد تهدّد وحدته وتنذر بتغييرات قد تكون قريبة جداً على الرغم من استماتة بعض مكوناته للحد منها والدفاع عن هذا التحالف الذي لم تمضِ بعد ثلاثة أشهر على تشكيله.

وأكدت معلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، أن نواباً من كتلة "نداء تونس"، الحزب صاحب الأغلبية في البرلمان، سيطلبون من الحزب إقصاء حزب "آفاق تونس" من التحالف الحكومي الذي يضم بالإضافة إليهما حركة النهضة وحزب الاتحاد الوطني الحر.
ويبرِّر نواب "النداء" دعوتهم لإقصاء "آفاق تونس" من التحالف بسبب مواقفه المعارضة للحكومة وتصويته أخيراً ضد قانون المجلس الأعلى للقضاء ومعارضته الشديدة له إبان المناقشات.

اقرأ أيضاً: التحالف الحكومي في تونس مهدد بالانفراط
 

غير أن الخلاف مع "آفاق تونس" لم يبدأ مع قانون القضاء وإنما ولد مع بداية تشكيل التحالف أصلاً، عندما انسحب الحزب من مشاورات تشكيل الحكومة، وفرض جملة من الشروط جعلته ينال حقائب مهمة، يرى منتقدوه أنها أكبر من حجمه الشعبي والنيابي، في حين لم تحصل حركة النهضة مثلاً إلا على حقيبة وزارية واحدة.
وتواصلت انتقادات "آفاق تونس" للحكومة في العلن، عندما عبّر الحزب عن عدم رضاه عن التعيينات الحكومية التي شملت المحافظين وبعض المناصب الإدارية الكبرى. وبدا واضحاً لكثيرين أن الحزب يغرّد خارج السرب وأنه "بصدد العمل لمصلحته الخاصة"، وفق وصف أحد نواب "نداء تونس" لـ"العربي الجديد". وأكد "آفاق" بالفعل أن عدد منتسبيه زاد في الآونة الأخيرة.
ويعتبر عدد من نواب "النداء" أن رئيس "آفاق تونس"، ياسين إبراهيم، الوزير المكلَّف بحقيبة التنمية في الحكومة الحالية، يعمل بمفرده ويصرّح في اجتماعاته أنه يطبق برنامج حزبه لا برنامج الحكومة ويعمل بشكل منفرد عن التوجهات الحكومية، بالإضافة الى المشاكل الكثيرة التي أحدثها في الوزارة.
وأكد نواب من "النداء" أنهم ماضون في طلب إقصاء هذا الحزب من الحكومة، وأن هذا الاقتراح يحظى بأغلبية في الكتلة وأنهم سيضغطون على الحزب لتحقيق ذلك.
وكان النائب عن "النداء "، محمد الطرودي، طالب حزب "آفاق تونس" لدى مناقشة قانون المجلس الأعلى للقضاء، بالانضباط أو مغادرة الحكومة، في حين أكد إبراهيم أنّ تصويت كتلته ضد مشروع قانون القضاء كان بسبب تعارض بعض فصوله مع الدستور، التي لا تساهم برأيه في تأسيس سلطة قضائية مستقلة حقيقية. وأكد رئيس "آفاق تونس" أنّ هذا القرار لا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال خروجاً عن صف الائتلاف الحكومي. كما شدد على حرص حزبه على توحيد مواقف أحزاب الائتلاف الحكومي من جملة القضايا الوطنية، في إشارة ضمنية إلى أن مواقف التحالف غير موحدة. وهو الأمر الذي كان قد استدعى قبل فترة وجيزة تشكيل تنسيقية بينها لتوحيد وجهات النظر والمواقف.
في موازاة ذلك، يبدو حزب الاتحاد الوطني الحر، الشريك في الائتلاف الحكومي، هادئاً مفضّلاً النأي بنفسه عن هذا الصراع، إذ لم يتورط في مساندة الحكومة ولا في انتقادها بقوة، عل الرغم من تحفظاته هو أيضاً على التعيينات الأخيرة.
ولا يستبسل في الدفاع عن الحكومة إلا حركة النهضة على الرغم من أن تمثيلها فيها محدود جداً، ولا يرتقي، بنظر قواعدها، إلى مستوى تمثيلها في مجلس نواب الشعب أو ثقلها الشعبي. وانعكس الدفاع عن الحكومة في تصريحات مسؤولي الحركة. الأمين العام لـ"النهضة" ورئيس الحكومة الأسبق، علي العريض، اعتبر في تصريح صحافي، أن "الحكومة تعمل، ونحن نساندها وندعمها ونسعى لتوفير عوامل النجاح لها"، مشيراً إلى أنها "أنجزت خطوات في مجالات مكافحة الإرهاب واستئناف أشغال المشاريع المعطلة"، على الرغم من فشلها في التواصل مع الشعب لتسليط الضوء على ما تم إنجازه وما هو بصدد الإنجاز، وهو الإشكال ذاته الذي عانت منه الحكومات السابقة. كذلك عبّر العريض عن تحفظه على معيار تقييم أداء الحكومة خلال 100 يوم فقط بالنظر إلى الظروف الصعبة التي تمرّ بها تونس.

من جهته، قلّل القيادي البارز في الحركة ووزير الصحة السابق، عبد اللطيف المكي، من إمكانية انفراط عقد التحالف الحالي. وأكد المكي، لـ"العربي الجديد"، أن تجربة هذا التحالف قصيرة وبالتالي يمكن أن يتعرض لبعض الهزات التي لا يمكن أن تتحول إلى انتكاسة، داعياً إلى حكومة وحدة وطنية حقيقية يكون تمثيل الاحزاب فيها واسعاً.
وأوضح المكي أن بعض الأخبار التي يتم ترويجها عن كون زعيم "آفاق تونس" يقدّم نفسه على أساس أنه رئيس الحكومة المقبل، عكّرت الأجواء، لكنها أخبار غير مؤكدة ولا يمكن البناء عليها.
ورأى المكي أن حضور "النهضة" في الحكومة كان عامل استقرار بعكس ما يكون يروج له منتقدوها في البداية، مشيراً إلى أن توسيع حضور الحركة في الحكومة قد يدعم الأخيرة.

ويبدو أن موقف "النهضة" مبدئي ويعكس اتفاقات بين زعيم الحركة راشد الغنوشي والرئيس الباجي قائد السبسي، كما يشير إلى أن مستوى التنسيق بينهما عالٍ ومستمر، وخصوصاً في اللحظات والملفات الصعبة والحرجة. وهو ما تأكد في اجتماعهما أول أمس في قصر قرطاج، الذي خصص لمناقشة تطورات الأوضاع الداخلية على ضوء المطالب والتحركات الاجتماعية الأخيرة، فضلاً عن الأوضاع الإقليمية والدولية المستجدة، ولا سيما في ‫ليبيا‬ ومصر.
وفي السياق، عبّر خالد شوكات، أحد قياديّي "نداء تونس"، عن عدم رضاه عن التحالف الحكومي برمته منذ البداية، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أنه كان ينبغي أن يجمع منذ البداية بين "النداء والنهضة فقط، ولم يكن هناك أي داعٍ لتوسيع التحالف النيابي باعتبار أن الحزبين لوحدهما يحظيان بأغلبية نيابية قصوى، و كان من الأجدر أن يتحلى حزب نداء تونس بالشجاعة السياسية ويذهب في هذا التحالف من دون مواربة".

وفيما تشير بعض الأخبار إلى أن هناك تغييرات مرتقبة على تشكيلة الحكومة، ستشمل تغيير بعض الحقائب بناءً على مردودية ونجاعة وزرائها، تبقى كل السيناريوهات مفتوحة أمام رئيس الحكومة الحبيب الصيد الذي سيحتفظ بمنصبه وفق تأكيد الرئيس التونسي، والأخير كان قد أكد في حوار صحافي أن مطلب إسقاط الحكومة، الذي تنادي به بعض الأطراف، ضرب من الخيال وأنه متمسك بالصيد.

اقرأ أيضاً تونس: "الجبهة الشعبية" تخوض معركة "تزعّم" المعارضة بـ"لاءاتها"

دلالات
المساهمون