تامر مرسي والمخابرات... خسائر بالجملة رغم الاحتكار

01 يونيو 2019
انسحب المنتج محمد حفظي من السوق المصريّة (أندريه ووكر/Getty)
+ الخط -
أيام قليلة تفصلنا عن انتهاء الموسم الدرامي الرمضاني في مصر، الذي كان استثنائياً وغير مسبوق، نظراً لاحتكار شركة وحيدة إنتاج الأعمال الفنية التلفزيونية، التي كانت تتنافس في السابق العديد من الشركات لإنتاجها.

سيطرة واحتكار شركة "سينرجي للإنتاج الفني" التابعة لمجموعة "إعلام المصريين"، التي استحوذت عليها شركة "إيغل كابيتال للاستثمارات المالية"، وهي صندوق استثمار مباشر مملوك لجهاز المخابرات العامة المصرية، لم يشفع لها في السوق، إذ تكبّدت الشركة خسائر مالية كبيرة، رغم أن احتكارها لم يتوقف عند حدّ الإنتاج الفني التلفزيوني فقط، بل امتد ليشمل أيضاً تسويق تلك الأعمال وعرضها فقط على الشاشات المملوكة أيضاً لـ"إعلام المصريين"، واحتكار السوق الإعلانية من خلال شركة "ورلد ميديا".

في ظل هذا الوضع، أصبح سوق الإنتاج الترفيهي في مصر في قبضة جهة واحدة. واضطرت العديد من الشركات العاملة في هذا المجال إلى تصفية أعمالها، أو تغيير النشاط، أو التوقف عن الإنتاج والاكتفاء بدور المراقب. ومنهم من بدأ البحث عن منافذ أخرى ومنصات جديدة، كالمنتج محمد حفظي الذي بدأ الإعداد لمشروع مع شبكة "نتفليكس" الأميركية. وما تبقى من هذه الشركات اضطر إلى العمل تحت إدارة "سينرجي" التي يديرها المنتج الفني تامر مرسي.

ومع قرب انتهاء شهر رمضان، الموسم السنوي لازدهار صناعة المسلسلات والبرامج التلفزيونية في مصر، التي كانت تمتلك في السابق قدراً كبيراً من الشهرة الإقليمية، إذْ كان يحقق من خلالها الكثير من صنّاع الترفيه مكاسب معقولة من خلال التوزيع في الداخل وبعض الدول العربية، أصبحت تجربة جهاز الاستخبارات في الإنتاج الفني والسيطرة على صناعة الأعمال الفنية تحت التقييم.

في ميزان الربح والخسارة، منيت الشركة المنتجة بخسائر فادحة لأكثر من سبب. أولها أن "سينرجي" أنتجت 15 مسلسلاً جديداً هذا العام، إضافة إلى أعمال سابقة كانت متوقفة على بعض الأعمال مثل المونتاج. وبحسب مصادر من داخل الشركة، فإن العمل الواحد كلف نحو 50 مليون جنيه مصري (الدولار الأميركي بنحو 16.90 جنيهاً)، أي إن الـ15 عملاً تكلفت نحو 750 مليون جنيه، في حين أن الإعلانات التلفزيونية التي يجري عرضها ضمن المسلسلات، والتي من المفترض أن تربح شركة الإنتاج من ورائها، حققت دخلاً يقدر بمليار و200 مليون جنيه فقط، وهو الرقم الذي يشكل حجم سوق الإعلانات في مصر.
وبحسب مصادر في سوق الإعلانات، فإن نصيب مجموعة "إعلام المصريين" التابعة للمخابرات من ذلك الرقم، هو 700 مليون جنيه فقط، إذْ حصلت مجموعة "إم بي سي" السعودية على حصة تقدر بـ400 مليون جنيه، بينما ذهبت الـ100 مليون الباقية إلى قناة "القاهرة والناس" الخاصة. ومن ثم تكون الشركة قد خسرت مبدئياً 50 مليون جنيه، وهي الفرق بين كلفة الإنتاج وإيرادات الإعلانات. خسارة شركة الاستخبارات، تتمثل أيضاً في خسارة مورد آخر كان يحقق ربحاً للشركة في السابق ولم يعد موجوداً الآن، وهو العرض على "يوتيوب"، إذ كانت القنوات التابعة لـ"إعلام المصريين" في العام الماضي، تعرض مسلسلاتها على موقع الفيديوهات العالمي، وكانت تحقق قدراً من المكاسب التي كان الموقع يدفعها مقابل العرض على منصته.

يقول الخبير التكنولوجي والمطوّر الرقمي وليد مصطفى لـ"العربي الجديد"، إن عرض المسلسل الواحد على منصة "يوتيوب" كان يحقق أرباحاً تراوح ما بين 250 إلى 500 ألف دولار. ويحدد "يوتيوب" مقابل المشاهدات على منصته، حسب فئات المشاهدين وتوزّعهم الجغرافي. فإذا كان المشاهد في مصر، يحقق دخلاً من 20 إلى 70 سنتاً أميركياً، أما المشاهد الخليجي فيجلب نحو دولار واحد. بينما المشاهد في أوروبا أو أميركا، يحقق من 4 إلى 5 دولارات، مشيراً إلى أن "كل هذه العوائد لم تتحقق في ظل السياسة غير المفهومة لشركة "إعلام المصريين"، التي قرر المسؤولون عنها إطلاق منصة "WATCH iT"، قبل رمضان بأيام قليلة لعرض إنتاجها الدرامي بمقابل مادي، والمعروض على شاشاتها التلفزيونية بالفعل، وهو منطق غير مفهوم، فكيف تطلب من الجمهور دفع مقابل مادّي لموادّ درامية معروضة بالفعل في قنوات مفتوحة؟ والأهم هو إعلان المنصة من دون حملة تسويقية ملائمة، أو تجربة التطبيق، الذي اكتشف مستخدموه فقره الشديد، والكثير من العيوب التقنية فيه، وهو ما أدى إلى إعلان الشركة توقف التطبيق لعدة أيام. وسرعان ما أعلنت المجموعة إعادة تشغيله من جديد. وتعهدت للمستخدمين برد الأموال التي تم تحصيلها من البعض مقابل الخدمة، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن. كما أن هذه التطبيقات يتم إطلاقها، بعد توافر موادّ درامية منتجة لها خصيصاً".

ذلك التخبط في "إعلام المصريين" أدى إلى إهدار الملايين، رغم محاولة تدارك الأمر بعد ذلك، عن طريق طرح بعض أعمالهم على "يوتيوب"، إلا أن الوقت كان قد تأخر، وانصرف الجمهور عن متابعة الدراما الرمضانية على عكس المواسم السابقة، وخصوصاً في ظل قيام الأجهزة الأمنية بإغلاق كافة المواقع، التي كان الجمهور يشاهد عليها الأعمال الدرامية في شهر رمضان، ومنها "ديلي موشن" و"إيجي بيست". ولكن "إعلام المصريين" ومن خلال المواقع الإلكترونية والصحف التابعة لها، لجأت إلى الهجوم على كل معارضيها، ومنتقديها سواء من المتابعين أو العاملين في صناعة الدراما. ليس ذلك فقط، بل إنها باتت تروّج إلى أنها تمكنت من تحقيق المكاسب، وهو الأمر البعيد عن الحقيقة.
المساهمون