عندما يطرأ تحسن واضح على الطلب على النفط، أو تراجع كبير في الإمدادات، فإن تخمة المعروض تتحول فجأة إلى نقص، متسببة في ارتفاع صاروخي لأسعار النفط، وإحداث حالة من الركود الاقتصادي، كما حدث تماماً في عام 1973. ففي ذلك العام، فرضت منظمة "أوبك" حظراً على النفط لدفع الدول الغربية إلى إجبار "إسرائيل" على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب 1967. جعلت أسعار النفط ترتفع ارتفاعاً شاهقاً بلغت أربعة أضعاف في أقل من شهر.
لقد أدى هذا الارتفاع في الأسعار إلى انخفاض النمو الاقتصادي السنوي في الولايات المتحدة من 6% في عام 1973 إلى سالب 0.6 في عام 1974.
عاودت أسعار النفط الانخفاض مجدداً خلال الثمانينيات وبقيت منخفضة طيلة سنوات هذا العقد، ما تسبب في إلحاق ضرر كبير بقطاع الصناعات النفطية في العالم. وفي أواخر عام 2003، بدأت مؤسسات دولية كبرى في حث شركات النفط العالمية على ممارسة ما أسموه بـ"الانضباط الرأسمالي"، فكانوا يقولون مثلاً: "لا تستثمروا بشكل كبير، لأن النفط سيصل إلى 20 دولاراً للبرميل". لكن في عام 2004، بدأت الأسعار صعودها المكوكي مدعومة بنمو اقتصادي هائل في الصين وارتفاعاً في الطلب العالمي.
التراجع الحالي في أسعار النفط والمستمر منذ صيف عام 2014 كان حاداً ومؤلماً، حيث أظهرت بيانات حديثة تراجع قيمة الأموال المستثمرة في تطوير حقول نفط جديدة. علاوة على أن أغلب التقارير الدولية تشير إلى ارتفاع كبير في عدد الاستثمارات الملغاة في هذا القطاع، قد تصل قيمتها إلى مئات المليارات من الدولارات، ستكون في الفترة بين عامي 2016 و2020.
اقــرأ أيضاً
بالنسبة للدول المنتجة، وكثير منها يعتمد بشكل مفرط على عائدات النفط، فإن انخفاض الأسعار أسهم في إضعاف اقتصاداتها وتقليص موازناتها، وتسبب في حالة من عدم الاستقرار السياسي في بعض من هذه الدول. فعندما تكون تلك الدول في حالة عداء أو خصام مع الولايات المتحدة، مثل روسيا وإيران وفنزويلا، فإن النفط الرخيص قد يكون سبباً آخر للاحتفال، بالنسبة للأميركيين، بالنظر إلى أن انخفاض أسعار النفط، خلال مطلع عقد التسعينيات، قد تسبب في انهيار "إمبراطورية" كاملة، والمتمثلة في الاتحاد السوفييتي السابق.
ورغم تعامل روسيا بشكل جيد نسبياً، في الوقت الراهن، مع أزمة تقلص عوائدها النفطية من خلال سماحها بانخفاض الروبل، إلا أن بقاء سعر النفط عند مستويات أقل من الخمسين دولاراً للبرميل لعدة سنوات سيزيد من الضغوط على المالية العامة في روسيا.
في الواقع، من الصعب التكهن كيف سيرد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أي انهيار اقتصادي محتمل، وهو الذي نجح في حشد الدعم السياسي، في بلاده، لمهاجمة أوكرانيا، مدفوعاً بضعف الاقتصاد.
وكان تراجع أسعار النفط خلال عقد الثمانينيات واحداً من أسباب كثيرة وراء اتخاذ الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، قراره بغزو الكويت، فقد كان صدام قد أنهى، للتو، حرباً طويلة مع إيران استمرت ثماني سنوات جعلته مديناً للكويت ولدول الخليج الأخرى بحوالي 35 مليار دولار. وحتى اليوم، فإن نحو 91% من عائدات الخزينة العراقية هي من عائدات النفط، وعندما ينخفض سعر النفط عن أكثر من 100 دولار للبرميل ليستقر دون مستوى الخمسين دولاراً، فإن الحكومة العراقية يلحق بها ضرر شديد.
ولعلنا نستذكر، في هذا الصدد، قيام صدام، قبل أسبوع من غزوه الكويت، باستدعاء سفيرة الولايات المتحدة في العراق آنذاك، أبريل غلاسبي، للشكوى من قيام الكويت بضخ كميات كبيرة من النفط للتسبب في تراجع سعر النفط العالمي. فقد سعى صدام من وراء غزوه الكويت إلى شطب جزء كبير من الديون، وتأمين إيرادات جديدة، وتحويل العراق إلى دولة نفطية مماثلة ومنافسة للسعودية.
وفي مطلع التسعينيات، تسبب تراجع أسعار النفط في خنق الاقتصاد الفنزويلي. خلال تلك الفترة، انكمش الاقتصاد الفنزويلي بشكل حاد في البداية، ثم أصابه جمود اقتصادي طيلة عشر سنوات متتالية. مهد انهيار أسعار النفط في عام 1998 الطريق لانتخاب الرئيس الفنزويلي السابق، هوغو شافيز، الذي استفاد، أيضاً، من ارتفاع طويل الأجل لأسعار النفط التي أعقبت انتخابه في عام 1999. وهي ذات الظروف التي جلبت الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى السلطة بعد عام واحد فقط.
وبالمثل، تعرضت نيجيريا لضربة موجعة من جراء انهيار أسعار النفط. وقد يكون الوضع أكثر تعقيداً بالنسبة للولايات المتحدة، في ضوء استيرادها نحو ربع النفط الذي تستهلكه اليوم، انخفاضاً من 60% في عام 2005، وذلك قبل اكتشاف تقنية استخلاص النفط من الصخر الزيتي. فهذه التقنية أسهمت بجزء كبير في نمو الوظائف في الولايات المتحدة، خلال العقد الأخير، والذي تحقق بالتزامن مع التوسع في صناعة الصخر الزيتي، تحديداً، التي تواجه اليوم خطر استيراد النفط بأسعار أقل.
(خبير اقتصادي أردني)
اقــرأ أيضاً
لقد أدى هذا الارتفاع في الأسعار إلى انخفاض النمو الاقتصادي السنوي في الولايات المتحدة من 6% في عام 1973 إلى سالب 0.6 في عام 1974.
عاودت أسعار النفط الانخفاض مجدداً خلال الثمانينيات وبقيت منخفضة طيلة سنوات هذا العقد، ما تسبب في إلحاق ضرر كبير بقطاع الصناعات النفطية في العالم. وفي أواخر عام 2003، بدأت مؤسسات دولية كبرى في حث شركات النفط العالمية على ممارسة ما أسموه بـ"الانضباط الرأسمالي"، فكانوا يقولون مثلاً: "لا تستثمروا بشكل كبير، لأن النفط سيصل إلى 20 دولاراً للبرميل". لكن في عام 2004، بدأت الأسعار صعودها المكوكي مدعومة بنمو اقتصادي هائل في الصين وارتفاعاً في الطلب العالمي.
التراجع الحالي في أسعار النفط والمستمر منذ صيف عام 2014 كان حاداً ومؤلماً، حيث أظهرت بيانات حديثة تراجع قيمة الأموال المستثمرة في تطوير حقول نفط جديدة. علاوة على أن أغلب التقارير الدولية تشير إلى ارتفاع كبير في عدد الاستثمارات الملغاة في هذا القطاع، قد تصل قيمتها إلى مئات المليارات من الدولارات، ستكون في الفترة بين عامي 2016 و2020.
بالنسبة للدول المنتجة، وكثير منها يعتمد بشكل مفرط على عائدات النفط، فإن انخفاض الأسعار أسهم في إضعاف اقتصاداتها وتقليص موازناتها، وتسبب في حالة من عدم الاستقرار السياسي في بعض من هذه الدول. فعندما تكون تلك الدول في حالة عداء أو خصام مع الولايات المتحدة، مثل روسيا وإيران وفنزويلا، فإن النفط الرخيص قد يكون سبباً آخر للاحتفال، بالنسبة للأميركيين، بالنظر إلى أن انخفاض أسعار النفط، خلال مطلع عقد التسعينيات، قد تسبب في انهيار "إمبراطورية" كاملة، والمتمثلة في الاتحاد السوفييتي السابق.
ورغم تعامل روسيا بشكل جيد نسبياً، في الوقت الراهن، مع أزمة تقلص عوائدها النفطية من خلال سماحها بانخفاض الروبل، إلا أن بقاء سعر النفط عند مستويات أقل من الخمسين دولاراً للبرميل لعدة سنوات سيزيد من الضغوط على المالية العامة في روسيا.
في الواقع، من الصعب التكهن كيف سيرد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أي انهيار اقتصادي محتمل، وهو الذي نجح في حشد الدعم السياسي، في بلاده، لمهاجمة أوكرانيا، مدفوعاً بضعف الاقتصاد.
وكان تراجع أسعار النفط خلال عقد الثمانينيات واحداً من أسباب كثيرة وراء اتخاذ الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، قراره بغزو الكويت، فقد كان صدام قد أنهى، للتو، حرباً طويلة مع إيران استمرت ثماني سنوات جعلته مديناً للكويت ولدول الخليج الأخرى بحوالي 35 مليار دولار. وحتى اليوم، فإن نحو 91% من عائدات الخزينة العراقية هي من عائدات النفط، وعندما ينخفض سعر النفط عن أكثر من 100 دولار للبرميل ليستقر دون مستوى الخمسين دولاراً، فإن الحكومة العراقية يلحق بها ضرر شديد.
ولعلنا نستذكر، في هذا الصدد، قيام صدام، قبل أسبوع من غزوه الكويت، باستدعاء سفيرة الولايات المتحدة في العراق آنذاك، أبريل غلاسبي، للشكوى من قيام الكويت بضخ كميات كبيرة من النفط للتسبب في تراجع سعر النفط العالمي. فقد سعى صدام من وراء غزوه الكويت إلى شطب جزء كبير من الديون، وتأمين إيرادات جديدة، وتحويل العراق إلى دولة نفطية مماثلة ومنافسة للسعودية.
وفي مطلع التسعينيات، تسبب تراجع أسعار النفط في خنق الاقتصاد الفنزويلي. خلال تلك الفترة، انكمش الاقتصاد الفنزويلي بشكل حاد في البداية، ثم أصابه جمود اقتصادي طيلة عشر سنوات متتالية. مهد انهيار أسعار النفط في عام 1998 الطريق لانتخاب الرئيس الفنزويلي السابق، هوغو شافيز، الذي استفاد، أيضاً، من ارتفاع طويل الأجل لأسعار النفط التي أعقبت انتخابه في عام 1999. وهي ذات الظروف التي جلبت الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى السلطة بعد عام واحد فقط.
وبالمثل، تعرضت نيجيريا لضربة موجعة من جراء انهيار أسعار النفط. وقد يكون الوضع أكثر تعقيداً بالنسبة للولايات المتحدة، في ضوء استيرادها نحو ربع النفط الذي تستهلكه اليوم، انخفاضاً من 60% في عام 2005، وذلك قبل اكتشاف تقنية استخلاص النفط من الصخر الزيتي. فهذه التقنية أسهمت بجزء كبير في نمو الوظائف في الولايات المتحدة، خلال العقد الأخير، والذي تحقق بالتزامن مع التوسع في صناعة الصخر الزيتي، تحديداً، التي تواجه اليوم خطر استيراد النفط بأسعار أقل.
(خبير اقتصادي أردني)