تارانتينو والكتابة: ديمقراطية "إنترنت" قتلت متطلبات النقد

08 يونيو 2020
كوانتن تارانتينو: أول مخرج يُصبح ناقداً؟ (ماكس مومبي/أنديغو/Getty)
+ الخط -
صفة جديدة يكتسبها المخرج الأميركي كوانتن تارانتينو مؤخّراً: ناقد سينمائي. منذ أعوام، يُردّد أنّه سيكتفي بـ10 أفلام، قبل التوقّف عن الإخراج نهائياً. منذ وقتٍ قليل، يتحوّل القول إلى فعلٍ، فالإخراج غير متمكّن من إغوائه، والنقد بمثابة خلاصٍ له. يكتب مقالاتٍ (thenewbev.com/tarantinos-reviews) يُريدها انعكاساً إضافياً لشغفه السينمائي، فهو مُشاهد نَهِم وقارئ شغوف، وقراءاته النقدية السينمائية تبدأ باكراً جداً.

نادرون هم المخرجون المتحوّلون إلى النقد في عالم السينما. نقّاد "دفاتر السينما" الفرنسية يتحوّلون إلى سينمائيين فاعلين في تبديل المشهد السينمائي الفرنسي، بعد أعوام من كتابة مقالات وإجراء حوارات وتأليف كتب. أيُعقل أنْ يكون تارانتينو "أول" مخرج يُصبح ناقداً؟ حوار طويل معه، تنشره المجلة السينمائية الشهرية الفرنسية "بروميير" (يونيو/ حزيران 2020)، يرتكز على النقد والكتابة والقراءات الأولى. يكشف صانع "مستودع الكلاب" (1992) و"دجانغو غير المقيّد" (2012) شغفاً بالقراءة يتنافس وشغفه بالمُشاهدة. يتوقّف عند نقّادٍ ـ أبرزهم أندرو سارّيس (1928 ـ 2012) وبولين كايل (1919 ـ 2001) ـ يصنعون حالة نقدية أميركية في زمن كتابة سليمة ونقاش عميق. يرى أنّ "إنترنت" يقتل النقد، وأنّ "هذه الديمقراطية" تُفرز "حزمة هراء"، رغم قناعته بأنّ وضعاً كهذا "يمنح الذين يعرفون الكتابة قيمة أكبر".

دافعه إلى كتابة نقدٍ ينبثق من وجود "شيء مهمّ لقوله"، و"جدل لتطويره وبلورته"، و"تأمّل يُصنَع"، و"أمر يُقال عن ممثل أو موضوع أو مخرج". يُضيف: "أثناء الكتابة، عليّ اكتشاف شيء أعمق بخصوص فيلمٍ أو بخصوص مشاعري إزاء موضوعه". يرى أنّه يُمكن البدء بنقدٍ سلبيّ، ثم تغيير الرأي أثناء الكتابة: "خلال ذلك، يجب حدوث نوع من الوحي". ثم: "في النهاية، يجب أن يكون ختام (الكتابة) بطريقة مُرضية".

يصعب اختزال الحوار، ففيه كمٌّ هائلٌ من التحليل والنقاش يتجاوز النقد بحدّ ذاته. التبدّل في الزمن يرافقه تبدل في آلية الكتابة ومعناها وتفاصيلها. للسينما حضورٌ قويّ، وعلاقتها بالكتابة، نقداً وسيناريوهات، تدفع إلى تفكيك شيءٍ من نمط التأليف عند مخرج "جاكي براون" (1997) و"اقتل بِلْ" (2003 و2004). يستعيد بعض الماضي الشخصي، إذْ يؤكّد أنّ كتابته عن السينما تحصل أحياناً بين فيلمين له: "(سابقاً) تراودني فكرة تأليف كتاب. ألتقي صحافيين أطلعهم على نصوصي. يُشجعوني قائلين إنّ هذا رائع وإنّ عليّ البدء بالكتاب". لكنْ، بعد هنيهة، يتخلّى عن الفكرة: "ثم بلمح البصر، أبدأ كتابة سيناريو فيلمي المقبل".

للنقد تأثير كبير على تكوينه السينمائيّ. يذكر أنّ أول كتاب يقرأه يعثر عليه في مكتبة المدرسة، عند بلوغه 13 عاماً: "السينما الأميركية" لأندرو سارّيس. كلامه عن هذا الناقد مليء بحبّ وثقة وعمق تفكير. يعترف أنّه يُصرّ على أنْ يكون أول وآخر من يقرأ هذا الكتاب في مدرسته، وهذا يحصل كما يقول، إذْ أنّ شدّة تعلّقه به تدفعه إلى "سرقته": "تلك النسخة موجودة في مكتبة منزلي إلى الآن، رغم حصولي على نسخ مختلفة منه لاحقاً". بفضل الكتاب نفسه، يطّلع على أفلامٍ يبدأ بمشاهدتها، وبعد المشاهدة يعود إلى الكتاب "لمحاولة اكتشاف حجّته".

ممتع كوانتن تارانتينو، في أفلامه وكلامه وكتاباته. تجربة جديدة له في زمن تبدّلات تفرض أسئلة وتأمّلات ونقاشات عن المقبل من الأيام.
دلالات
المساهمون