يستضيف "مركز رامتان الثقافي" في القاهرة معرضاً لأعمال الفنان المصري الراحل تاد (1946 - 2007)، يتضمن نماذج من أعمال الفنان الصحافية التي نشرها في مجلة "صباح الخير" المصرية، ويستمر حتّى 15 أيلول/ سبتمبر الجاري.
يعدّ تاد أحد أبرز الفنانين المصريين في مجال الرسوم الصحافية، حتى أن شهرته كرسام صحافي طغت على تجربته الإبداعية كتشكيلي ومصمم للأغلفة. فقد عُرف بأعماله الفنية ذات الحس الشعبي التي تأثّر فيها بالحارة المصرية، ورصْدِه لمظاهر الحياة الإجتماعية في أقاليم مصر المختلفة.
وعلى الرغم من امتداد الحقبة الزمنية التي تنتمي إليها تجربة تاد الإبداعية، من منتصف الستينيات حتى وفاته، إلا أن هناك خطاً ثابتاً يربط بين أعماله المختلفة، هو نوع من الشاعرية أو التعبيرية المرهفة.
وفعلاً، تترصد أعماله المشاعر واللحظات الحاسمة، فينقلها كما هي، مغلّفة برؤيته اللونية، أو يتناولها أحياناً بتصرّفٍ غارق في الرمزية.
وشكّل الإنسان بكل ما يعتريه من علاقات وأحاسيس متشابكة ومعقدة، شاغل الفنان الأول، مركّزاً على العلاقة بين الرجل والمرأة، موضوعه المفضّل. ولسنوات رسم كمن يسجل حالة ما، متناولاً معاناة البسطاء والمهمّشين، ومتأمّلاً آثار الزمن على وجه رجل عجوز، أو نظرة إحباط وأسى على ملامح شاب في مقتبل العمر، أو حلم عابر على وجه فتاة.
وفي هذا السياق، تندرج أعماله الأخيرة التي، وإن بدت أكثر هدوءاً مما سبقها، تسعى إلى التقاط التعبيرات والملامح الإنسانية. وبالتالي، لم يستثر تاد ذلك الجمال الخارجي أو تناسق النسب بقدر ما كانت تؤرقه الاختلاجات الداخلية، فيحاول ترجمتها بالخط واللون والمساحة وضربات الفرشاة، مستعيناً أحياناً بالكلمات والجُمَل التي كان يمزجها بعناصر اللوحة.
وسواء في أعماله المرصودة لتجسيد مشاعر شخصياته، أو في تلك التي تناول فيها حالات ومواضيع اجتماعية، مال الفنان دائماً إلى تحييد العناصر الثانوية المحيطة بمحور الحدث أو الحالة دافعاً شخصياته إلى الواجهة، بحيث لا يجد المُشاهد مفرّاً من تأمّل ملامحها، ومن الانغماس مرغماً في نوع من الحوار بينه وبينها، ما يخلق شعوراً بالتوحد والتعاطف معها.
وتمثّل الرسوم التي أنجزها تاد بالأبيض والأسود، بالفرشاة أو بالقلم، علامات مضيئة في تجربته، كان لها إنعكاس واضح في سلوكه التلويني داخل رسومه الصحافية التي دأب على نشرها في أسبوعية "صباح الخير" ومجلات أخرى. رسومٌ تحمل قدراً من التلخيص والإزاحة اللونية المتعمدة، مقابل مساحات يميل فيها إلى استخدام اللون الواحد بتدرّجاته، كما يميل إلى تحييد الأرضية والعناصر الأخرى المصاحبة.
وتاد من الفنانين القلائل الذين تمسّكوا بممارسة الرسم بالأبيض والأسود. والسبب؟ إيمانه بأن هذه الممارسة هي المنطلق بالنسبة لأي فنان متمرّس، وتحدٍّ لمهاراته الرسامية، لا بد من خوضه.