تأثيرات محدودة لضرب سورية على الاقتصاد الأميركي

13 ابريل 2018
الأسواق تترنح على وقع تهديدات ترامب (فرانس برس)
+ الخط -


أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأربعاء، أن الصواريخ الأميركية ستسقط على سورية في أي لحظة، لكن حتى انتهاء مقابلة له الخميس مع مجموعة من كبار مستشاريه، ومعهم وزير الدفاع جيم ماتيس، لم يتم اتخاذ قرار بشأن توجيه ضربة لسورية، وكان واضحاً أن الضربة قد تتأخر يوماً أو يومين، لحين التأكد من الحصول على دعم الحلفاء بعد اتمامها.

وكان ترامب قد أكد صباح الخميس أنه لم يحدد موعداً للضرب، وأضاف أن هذه الضربة قد تتأخر لبعض الوقت.

وقبل اللقاء، تحدث ماتيس أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب، مؤكداً ضرورة الموازنة بين معاقبة سورية بعد هجوم الأسلحة الكيميائية المشتبه قيام قوات الرئيس السوري بشار الأسد به، وبين خطر نشوب حرب أوسع نطاقاً.

وقال: "نحن نحاول وقف قتل الأبرياء، ولكن على المستوى الاستراتيجي، لا بد أن نعمل على إبقاء الأمر تحت السيطرة".

وتشير الدلائل إلى صعوبة إلغاء فكرة توجيه ضربة عسكرية لسورية، ولو رمزية، حتى لا يبدو ترامب وكأنه تراجع عن موقفه بعد تهديد روسيا بالرد بمهاجمة أي صواريخ تطلق على سورية، ومهاجمة الجهة التي تطلقها، إلا أن التأثير الاقتصادي لمثل تلك الضربة على الولايات المتحدة ربما يكون محدوداً.


وعلى مدار الشهور الماضية، أشار المحللون في أكثر من مناسبة، إلى ازدياد تأثير واشنطن على أسواق المال، لكن في الأسابيع الأخيرة، كان واضحاً استحواذ البيت الأبيض على دفة قيادة الأسواق، سواء عن طريق التصريحات الخاصة بفرض تعريفات جمركية جديدة على واردات الولايات المتحدة من بعض الدول، وعلى رأسها الصين، أو عن طريق تغريدات ترامب التي أعلن فيها نيته توجيه ضربة عسكرية لسورية.

وبعد أن طلب ترامب من روسيا، بتغريدة على موقع التواصل الجتماعي تويتر يوم الأربعاء، الاستعداد لضربه سورية، انخفض مؤشر داو جونز الصناعي 220 نقطة، وأغلق مؤشر اس آند بي يومها منخفضاً حوالي 0.6%.

ويوم الخميس، بعد تغريدات "احتمالية تأخير الضربة"، أغلق داو جونز على ارتفاع 293 نقطة، أو 1.21%، وارتفع مؤشر اس آند بي حوالي 0.83%، كما ارتفع مؤشر ناسداك أكثر من 1%.

وفي حين يمثل عدم اليقين الحالي عنصراً جديداً للتوتر، في سوق ممتلئ بمسبباته، فقد نصح المحللون المستثمرين بأن يكونوا حذرين بشأن اتخاذ قرارات صعبة، مثل التخلص من أسهمهم، أو تقليلها بنسبة كبيرة، على خلفية أخبار التوتر العسكري، حيث إن مثل هذه الضربات العسكرية عادة ما يكون لها تأثير محدود على السوق، خاصة على المدى الطويل.

وكتب جيفري كلينتوب، مسؤول استراتيجيات الاستثمار في بنك الاستثمار تشارلز شواب وشركاه، على حسابه على موقع التواصل المهني لينكد ان "في حين أن الخسائر البشرية لا يمكن قياسها، فإن خبرات الخمس وعشرين سنة الأخيرة تُظهر لنا أن تأثر الأسواق بالضربات الجوية الأميركية كان صغيراً ومحدوداً بشكل عام".

وعرض كلينتوب رسماً بيانياً أظهر أنه في اليوم الأول بعد كل ضربة، انخفضت أسعار الأسهم عالمياً في 58% من الحالات، "إلا أن متوسط حجم الحركة لم يتجاوز 0.2% (انخفاضاً)، وهو ما اعتدنا حدوثه تقريباً بصورة يومية".


وأشارت البيانات المعروضة إلى أن الخمسة أيام التالية للضربات العسكرية تسببت في انخفاض أسعار الأسهم في 42% من الحالات، إلا أن الانخفاضات فيها لم تتجاوز، في المتوسط، نسبة 0.3%. 

كما أكد كلينتوب أنه إذا كانت بعض التغيرات قصيرة المدى التي تشهدها أسواق المال عموماً، وبصفة خاصة الأسواق الأميركية، يمكن ارجاعها إلى التوترات الجيوسياسية، وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط شديدة التأثير على أسعار النفط، فإن "التحركات طويلة المدى عادةً ما تكون مرتبطة بأرباح الشركات ومعدلات نمو الاقتصاد".

ويُنظر إلى الأسهم الصغيرة على أنها أقل ارتباطاً بالتوترات الجيوسياسية التي عصفت بالأسهم، هبوطاً وصعوداً، خلال الأسبوع الماضي، نظراً لأن الشركات الأصغر تميل إلى الحصول على نسبة أعلى من عائداتها من داخل الولايات المتحدة، وغالباً ما تكون بعيدة عن التأثر بما يحدث في المناطق البعيدة، وبالتالي فإنها تكاد تكون شبه معزولة عن التأثر بالضربة إن حدثت.

وعلى الرغم من هبوط الأسهم الكبيرة يوم الأربعاء الماضي حوالي 0.4%، إلا أن الأسهم الصغيرة ارتفعت حوالي 0.4%.

ويقول اليك يونج، المدير التنفيذي لأبحاث الأسواق العالمية في فوتسي روسل (FTSE Russell)، أن الشركات الصغيرة التي سجلت ارتفاعات في أواخر فبراير/ شباط، استمرت في القيام بذلك، نظراً لتعرضها بصورة أقل للتوترات الإقليمية في الشرق الأوسط، وبفضل المبيعات المحلية المرتفعة، مقارنةً بالشركات الكبيرة.

وأدت التطورات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط أيضاً إلى ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها في أكثر من 40 شهرا، ووصول سعر خام برنت إلى أكثر من 72 دولارا، حيث زادت أخبار احتمالات ضرب الولايات المتحدة وحلفائها لسورية، إضافة إلى اعتراض السعودية صاروخا أطلقه الحوثيون على الرياض يوم الأربعاء، من قلق المستثمرين من عدم استقرار منطقة الشرق الأوسط، حيث يوجد حوالى ثلثي احتياطي النفط العالمي في الشرق الأوسط.

وقال مايكل بولسن، كبير محللي النفط بشركة غلوبال ريسك مانجمنت للاستشارات "الأمر ليس كما لو كانت سورية مُصَدِّرا أو مُستَهلِكا كبيرا للنفط، لكن الخوف من أن تصاعد الأمور في سورية، قد ينتشر إلى مناطق يوجد بها كميات أكبر من النفط، وهو ما قد يكون له تأثير كبير، ويبدو أن الأسواق قد خصصت قدراً معيناً من المخاطر لذلك".

وتبقى كل التحليلات السابقة قريبة من الواقع حال كونها ضربة عسكرية سريعة، تنتهي بعد يوم أو يومين في أسوأ الأحوال، لكن في حالة تصاعد المواجهات، ودخول أطراف أخرى فيها، فمن الممكن أن تكون هناك تأثيرات سلبية كبيرة، لو تحولت سورية إلى فيتنام، أو حتى أفغانستان، جديدة بالنسبة للولايات المتحدة، الأمر الذي يستبعده كثير من المحللين الاقتصاديين، والذين يرون أن أفغانستان ترامب ستكون الحرب التجارية الشاملة مع الصين، إن وقعت، كما يقول آدم بوزن، رئيس معهد بيترسون للاقتصادات الدولية.

المساهمون