بِلُغَتهم

09 مايو 2015
السماء تميلُ إلى السواد (فرانس برس)
+ الخط -

السماءُ ما زالت زرقاء اللون. وحينَ تميلُ إلى السواد، يراها زرقاء أيضاً. الألوان حيلته لتأخير موعد نومه. وقبلَ أن يحلّ الظلام، كان القمر قد استقر في مكان ما فيها، وتحديداً فوق شرفة منزله، على مقربة من الأسلاك الكهربائية التي تربط الشرفات بعضها ببعض. لكنه يختفي خلفَ ذلك المبنى المقابل لبيته. هل يكون قد أغضبه؟ أم أنه يتمشى قليلاً في السماء ويلتقي أصدقاءه النجوم. جاء باكراً هذا اليوم. فالشمس في طريقها إلى بيتها. ستأكل شطيرة الزعتر، وتنظّف أسنانها، وتقرأ قصة، قبل أن تخلد إلى النوم. غداً موعدها مع السماء، وما تحتها.
(طفل، 3 سنوات)
---
لونُها الأسود لن يكون "حيلة" يوماً ما. ربما يمنحها جاذبية أو يكون "تبريراً" لعنصرية. بعد ست سنوات، ها هي تعود إلى لبنان مجدداً. عائلة جديدة، وبيت جديد، وطباع مختلفة. "أين البيت"؟ "في منطقة الأشرفية (شرق بيروت). هدوء". لا تثق بهدوئها. "ماذا عن الانفجارات"؟ هدوءٌ. الأزهار الملونة، وشجرتا الياسمين والغاردينيا المزروعتان على الشرفة، تجلبان الهدوء كما الحشرات. جميعها تعزلُ المكان عن الخارج. بلادها خضراء. سوداوية الفقر لا تمحو الحقول الخضراء. هناك، لا يختفي الجمال. الأزهار كثيرة. لا تعرف اسمها جميعاً لكن أشكالها محفورة في ذاكراتها، فقد صادقتها مذ كانت طفلة. يبدو أن أرضها أيضاً عزلت نفسها عن الخارج. لكنها خارجها اليوم، ولا تعرف الدخول إلى مكان آخر. هي عالقة في الخارج. ربما تقضي وقتاً كثيراً بمحاذاة ورود الشرفة. تؤمن أن الورود قادرة على الاتصال بعضها ببعض. وهي تريد الاستماع إلى أزهار طفولتها.
كادت أن تبقى في بلادها، وتذهب إلى المدينة وتفتح محلاً لتزيين الشعر. تجيدُ التجديل. لكنها في الأشرفية. ربّما تجدّل شعر لبنانيات، لكنهن لن يدفعن لها. أليست خادمة؟
(أثيوبية، 23 عاماَ)
---
أَحبّ واحدة. كاد أن يحبّ أكثر لكنهن منعنه. قلن إنه عزيز. بقيت هي. سنة واثنتان وثلاث. اسمها ثقيل. يقوله ويسارع إلى الجلوس على الكنبة. اسمها يشعره بالدوار، حتى يكاد يسقط أرضاً. لم تحبّه. كان "عزيزاً" أيضاً. بدّل عطوراً كثيرة وقمصاناً أكثر ولم تحبّه. مرورها في باله مثل صلاةٍ لا يؤمن بجدواها. لكنها حاجة. ربما تركةٌ من طفولةٍ تعذبه. يلملمها لكنها تطرحه أرضاً في أحيانٍ كثيرة، مثلَها.
رحلت. يُصلّي ولا تأتي. قبلَ أن ترحل، أراد إخبارها عن لونه المفضّل لكنه لم يفعل. خجل أن تنعته بالضعيف. إنه لون بشرتها. لا تعرف أنه خلط ألواناً كثيرة لبلوغه من دون أن ينجح. كان يخشى نسيانه. لكنّه نسيه، ولم يعد خائفاً.
(شاب، 30 عاماً)

دلالات
المساهمون