بين شباب عشرين فبراير و"العدل والإحسان"

02 ابريل 2015
كان الزخم يشجع أبناء الأحياء الشعبية على الالتحاق بالحراك(الأناضول)
+ الخط -

ليس جديداً الحديث عن إمكانية وجود تسوية في المغرب، بين السلطة "المخزنية" الحاكمة، وجماعة العدل والإحسان المعارضة. تسوية يفترض مدّعوها أنها كانت على خلفية الحراك السياسي لسنة 2011، والذي عُرف بـ"حركة 20 فبراير"، حيث شارك شباب الجماعة داعمين، قبل أن ينسحبوا، مقدمين مبررات عدّها جزء واسع من شباب الحراك مبهمة وغير كافية. ويتكرر بروز هذه الإشاعات كلما استجد أمر مهما بلغ صغره، كمؤشر على استمرار سوء الفهم الذي أنتجه انسحاب شباب "العدل والإحسان" وقواعدهم من رفقة "الفضلاء الديمقراطيين".

مناسبة عودة الحديث عن إمكانية "الخيانة"، جاءت هذه المرة، بعد تصريح لابنة المرشد العام لجماعة العدل والإحسان، نادية ياسين، التي كانت مسؤولة عن القطاع النسائي للجماعة القوية. ابنة الشيخ عبد السلام ردت على منع السلطات المغربية دفن أمها المتوفية الأسبوع الماضي قرب قبر أبيها، بأن السلطات تنتقم من المرشد المتوفي، رغم أنه "برّد عليهم"، تقصد خفّف عن السلطة نيران الربيع العربي. قالت ذلك والتعب ظاهر على وجهها، مكلومة من وفاة أمها ورفض السلطات دفن الفقيدة حيث أوصت إلى جانب زوجها الذي رافقته في حياته ومحنه.

طفرت في شبكات التواصل الاجتماعية والعديد من المواقع الإخبارية، تعليقات عديدة على قول المرأة التي كانت قوية في حياة والدها، وتوارت إلى الظل قبيل وفاته، بعد أن كانت مشهورة بخرجاتها الإعلامية المثيرة للجدل، خاصة في الإعلام الغربي، معلنة عن قناعات جمهورية مستفزة لنظام الرباط. وفيما ذهب جزء من المعلقين إلى أن كلامها حمّال أوجه، وأنه لا يعني أية خيانة بالضرورة، ذهب غيرهم إلى أنه ترجمة بكلمات واضحة ومباشرة لما كانت البيانات دبّجته بـ"لغة الخشب"، فيما اكتفى طرف ثالث بطرح الأسئلة وحث قيادات الجماعة على تفسير المبهم في كلمات ابنة الشيخ.

سهيل، شاب استمر حضوره في مسيرات 2011، قال عن تجربته في المسيرات: "كنت أجيء للمسيرات كل أسبوع، وأراقبها من بعيد. كنت أخاف أن ينتقم مني مقدم الحي الذي أسكنه في البيضاء، أو رب عملي الذي يضغط عليه ممثلو السلطات المحلية. فقررت أن أستعمل تكتيكاً بسيطاً: أن أراقب الجمع عن بُعد، فإذا توفر عدد كافٍ يسمح لي بأن أختفي وسط الناس، أتوجه نحو المسيرة لأشارك، وإلا فإنني أعود من حيث جئت". سهيل وأصدقاؤه، من أبناء الأحياء الشعبية المغربية غير المنتظمين في هيئات، والذين كان يشجعهم الزخم على الالتحاق، كانوا يحوّلون المسيرة التي تبدأ ببضعة آلاف إلى عشرات الآلاف، لكن انكسار الوثاق بين هيئات الحراك جعل جزأهم الأوسع يتراجع.

هو، ليس وحيداً في ذلك، إذ لم يكن ممكناً لمسيرات الحركة الزاخمة، أن تصمد ما يقرب من سنة كاملة، لولا وجود تنظيم يضمن "الكتلة البشرية الحرجة".. والحاصل أن كل طرف من أطراف الحراك كان يقوم بدور معيّن، فيأتي أبناء أحزاب اليسار والنقابات بتجربة في التنظيم والتعبئة والشعارات، التي اكتسبوها من تنسيقيات الأحياء المهمشة وضد الغلاء، ويغطي بعض الأحزاب التاريخية، كالاتحاد الاشتراكي، جزءاً من مصاريف المسيرات، ويأتي إسلاميو العدل والإحسان بعدد أكبر من بقية المجموعات، ويجيء شباب الفيسبوك والمدونون بطاقة إبداعية ونظرة منفتحة على التجارب العالمية تمكّنهم من إضافة بصمات مميّزة كل مرة، وقدرة على تعبئة المجموعات الافتراضية وجزء من الإعلام المستقل عن السلطة. حتى سادت القناعة أن فقدان أي جزء من أضلع الحراك كان سيقسم ظهره.

وتتعدد أسباب العودة للموضوع، بنبرة لا تخلو من الاتهام، منها حجم المراهنة الكبيرة التي بذلها الكثير من شباب الحراك، تجاه الجماعة الصوفية، التي كانت تتحدث عن "القومة" و"الخلافة" إلى قبيل الربيع العربي بأسابيع، متحدين السلطة وهجمات جزء من "الحداثيين" الذين اختاروا التحفظ على مشاركة إسلاميي المغرب في الحراك. وبرر شباب الحراك اختيارهم بفكرة كانت تساق على أساس أنها من مسلّمات "الربيع العربي"، قوامها أن التحالفات في الشارع يُمكن أن تُسقط في المستقبل أيّ سلطة مهما علا عنفها، حتى وإن لبست لبوس الدين، في حال سيطرة التيارات الشمولية بعد إرساء الديمقراطية، وتجاوزت قواعدها وأسسها.

ورد نشطاء من الجماعة الذين شاركوا في الحراك، معتبرين أن كلمات نادية صدرت "في لحظة إنسانية فقدت فيها والدتها وحوصرت جنازتها، وقد قالت كلاماً حمّال أوجه قد يؤوله البعض في غير ما ذهب إليه، وهذا غير سليم، لأن اللحظة الإنسانية لا يجب استغلالها واقتناص أي كلام صدر وبناء مواقف وتوجيه واتهامات من خلاله"، كما صرح محمد بلفول، القيادي في شبيبة الجماعة.

يبدو أن الفراق بين شباب الحراك وشباب الجماعة ليس نهائياً، بل يتم تنظيم عدة مبادرات ولقاءات بين المستقلين عن السلطة، يميناً ويساراً. بينها نقاش أطلق قبل أشهر يسائل الثروة الملكية ومعيقات التنمية الاقتصادية، سمي بـ"نداء لإطلاق حوار وطني حول التنمية المعاقة بالمغرب"، شاركت فيه الأطراف المتباينة الإيديولوجيا، والذي يُفترض أن يصدر أجوبة في المجالات المختلفة، من نشطاء وخبراء، ينوي مطلقوه إصدار خلاصات في الأشهر المقبلة. فهل يتطور النقاش والحوار بين الهيئات المختلفة إلى حراك مجتمعي؟ لعلّه.


(المغرب)

المساهمون